صوت ينبعث من سيارة تجوب المدينة طولا وعرضا يحث السكان على الالتزام بالإجراءات الصحية والوقائية و يحذرهم من التراخي، فالمدينة فتحت على الخارج و تنتظر قدوم الزوار على أحر من الجمر، و احتمال الإصابة بالفيروس لم تبق منعدمة أو ضعيفة كما كان في أيام الحجر الصحي، واستمرار خلو المدينة من الوباء، أو على الأقل التحكم في تفشيه وتطويقه، هو أكبر وأحسن إشهار لها، لأنه يمنح الإحساس بالطمأنية والأمان…
شفشاون، مدينة وإقليما، تضاعف رهانها على السياحة في العقد الأخير على الخصوص، بل إن كل مظاهر التوجه السياحي من استثمارات عمومية في البنية التحتية، و استثمارات خاصة في مؤسسات الإيواء والخدمات السياحية المختلفة كالمطعمة والنقل وتجارة الهدايا والصناعة التقليدية إلخ، وكذا تزايد عدد السياح الخارجيين والداخليين بدت في هذا الوقت بارزة للعيان وعنوانا على التفاؤل والرخاء، لذلك لا ينتاب أحد شك في أن دينامية المدينة ترتبط بالسياحة ومداخيلها…
لقد سجلت السياحة تحولا في العقد الأخير فلم تعد موسمية أي مرتبطة بمناسبات بعينها كرأس السنة والأسبوع المقدس و فصلي الربيع والصيف، حيث ترسخت شفشاون كوجهة سياحة على طول السنة بفضل السياح الصينيين والسياحة الداخلية، لكن المواعيد التقليدية لم تفقد بريقها بل هي التي استمرت ك” فترات الذروة” بالاصطلاح المهني، وقد صادف جزء منها في السنة الحالية فترة الحجر الصحي مما فوت على المهنيين والمستثمرين في القطاع موارد هامة، ولازال التوجس قائما لكون انطلاق السياحة في الصيف لم تأخذ مجراها العادي بسبب الظروف الصحية الجاثمة وصعوبة المغامرة، مما قد يفوت على القطاع السياحي تعويض جزء مما خسره وبالتالي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم السياحي…
الآن لا يفصلنا عن نهاية العطلة الصيفية إلا شهر ونصف على أكبر تقدير، حيث المعول أن يجري سباق مع الزمن للخروج بأقل الخسائر، وهذا كان يتطلب السرعة في إيجاد تصور استباقي متكامل بتشارك و تنسيق بين كل الفاعلين والمهنيين الخواص والفاعلين العموميين، فالسياحة قطاع أفقي يحتاج إلى توحيد الرؤى وتنسيق التدخلات، وفي فترة الأزمة هاته ما أحوجه إلى سياسة هجومية مغرية للعرض كما عبر عن ذلك المهنيون في لقاء مع رئيس المجلس الإقليمي لتحفيز السياح على الإقبال على المدينة والإقليم، فالظرف استثنائي، كما سلف القول، ومن العقل أن تكون الأثمنة استثنائية والخدمات استثنائية فيها تنوع واجتهاد وتعاون، والعناية بالزبون استنائية و أولى الأولويات، وطمأنة النفوس استثنائية.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد على أنه إذا كان من اليسير متابعة القطاع المهيكل ومراقبة التزامه بدفاتر التحملات، الصحية أساسا، فإن القطاع غير المهيكل وجب إدماجه، استثناء، لكي يسري عليه ما يسري على القطاع المهيكل، وحتى لا يشكل نشازا خارج السياق وينتج عنه آثار سلبية قد تعصف بالجهود المشتركة.
إن تقاسم أعباء الأزمة فيه الكثير من الأريحية ونضج النظر، ومن لا يستطيع تدبير الأزمات تنقصه كثير من كفاءات التدبير، فالسلطات العمومية يتوقف عليها الدعم والتحفيز و الإعفاء من بعض التحملات التي قد تثقل الكاهل وتهييء المحيط العام وتأمينه، والفاعلون الخواص مطالبون بالحرص على الاجتهاد والإبداع والاستفادة من الدروس و تحمل قسطهم الواجب من الأعباء الاجتماعية للعاملين وتأهيل مؤسساتهم وتحسين خدماتها، والمساهمة في التنمية العامة خاصة في أوقات الرخاء، فالأزمات قد تكون لها انعكاسات سلبية على البلد دولة و قطاعا خاصا ومجتمعا إذا لم تتبع بشكل ثابت مبادئ الحكامة الرشيدة وتسلك مسالك التضامن المتوسطة والبعيدة المدى للحفاظ على التوازنات العامة الكبرى والتوازنات الاجتماعية الصغرى بالخروج من آفة التدبير اليومي والربح السريع والتنصل من التحمل المشترك للأعباء الاجتماعية بشكل مؤسساتي دائم وصارم.
لا أشك في إرادة ورغبة الجميع تجاوز الأزمة، وإذ أنا منهمك في الكتابة سمعت ما قد يزعزع الثقة وهو خبر تسجيل ثلاث إصغبات بداء كوفيد 19 بالإقليم، لكن يبقى احترام المؤسسات السياحية وباقي مؤسسات الخاصة الخدماتية منها والتجارية للتدابير الصحية والوقائية بالدرجة الأولى وسكان الإقليم بوجه عام هو الأرضية الصلبة الضامنة والمساعدة للسلطات العمومية على تطويق كل بؤرة حتى لا يتأثر الإقليم بأكمله ولتكون البؤر غير ممتدة بل تشبه سحب الصيف التي سرعان ما تنقشع.
ومن دروس الأزمة الحالية التي ستطول إلى أجل غير مسمى، نستقي ضرورة التفكير في تنويع الأنشطة الاقتصادية على صعيد الإقليم حيث إن هذا التنويع يعتبر أحد الحلول المخففة من الاعتماد الشبه الكلي على القطاع السياحي المتميز بالهشاشة وما يرتبط به من أنشطة، وفي هذا الأمر ينتظر من الفاعلين العمومين تغيير الطريق وسلوك سياسة إرادية طويلة المدى للتشجيع على الاستثمار في الأنشطة الأخرى كالفلاحة البيولوجية والمنتوجات المجالية والصناعة التقليدية ذات القيمة المضافة، والثقافة و التعليم والصحة والتكوين في مهن المستقبل، والاقتصادين الغابوي والأخضر، فقد تبين أن وضع البيض في سلة واحدة مخاطرة غير مضمونة العواقب تشبه الورطة التي نعيش فصولها المنذرة الآن.
قد تكون العديد من الأفكار التي ذكرناها رائجة، لكن يبقى تنزيلها رهين بصعود نجم جيل جديد من القادة والمدبرين المحليين والجهويين. فهل ستأتينا الأيام القادمة بالجديد أم ستبقى دار لقمان على حالها ؟ ! .
عبدالحي مفتاح