تقديم:
الناظر في الفعل السياسي العربي- الإسلامي يجد أنه يعاني من معوقات عديدة تعوق التنمية السياسية في دول العالم الإسلامي، والحديث في هذا الموضوع، حديث يصعب حصره، لتشعبه من جهة، وعدم اطلاعنا على بعض الحقائق من جهة ثانية، لكني سأركز على معوقات محددة(الحدود بين دول العالم الإسلامي)، دون الخوض في كل المعوقات الموجودة في الفعل السياسي العربي الإسلامي، وما نتج عنها من آثار على الشعوب والدول(مؤسسات).
(1)
يعرف الفعل السياسي الإسلامي الحالي مشاكل نظرية ترتبط بالأسس النظرية القبلية، وبالتصورات الغيرية القبلية والبعدية، كما يعرف مشاكل واقعية تعوق طريقه نحو الوحدة والتنمية، وأقصد بهذه المشاكل أمرين اثنين:
أحدهما: المشاكل السياسية التي توجد في الوطن الواحد، بين مكوناته كلها، (الدولة والقوى السياسية الوطنية) سواء تعلق بالمرجعية أو بالطموح المستقبلي، وعلى أي أساس تقوم التنمية والغاية من تحقيقها.
والثاني: المشاكل السياسية التي توجد بين دول العالم الإسلامي، وعلى وجه التحديد مشكل أو أزمة “الحدود” التي تعيق العمل المشترك، كما أنها “أرهقت” الدول واستنزفت الكثير من خيراتها، وأن هذه الأزمة المفتعلة، تجعل بعض دول العالم الإسلامي تخضع للابتزاز المباشر وغير المباشر.
إن دول العالم الإسلامي تعرف مشاكل كبيرة تعوق العملية التنموية، على المستوى الداخلي (سياسيا)، وتتجلى، في غياب التعاون، وتبادل الخبرات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت تتصارع وتتقاتل.
(2)
وإذا أمعنا النظر في طبيعة “الحدود” العربية-الإسلامية، فإننا نتأكد من أن العقلية التي كانت “وراء” رسمها، عقلية انبنت على خلفية الصراع والتشتيت والتفريق، على المدى الطويل. والفاعل لهذا الفعل، توحد (الاتحاد الأوربي مثلا)، وجمع المفرق (ذاته)، وفرق المجموع (الوحدة الإسلامية)، لكن إلى متى سنظل نتحدث بهذه اللغة، التي تعني أن دول العالم الإسلامي مفعول بها، في حين نجدها تتوفر على كل العوامل التي تؤهلها لتكون هي الفاعل، إلا أن هذه الفاعلية لن تتحقق في ظل التشتت الداخلي ، وأقصد به الفعل السياسي في الدولة الواحدة، فدول العالم العربي على وجه التحديد وبحكم الطغيان والاستبداد السياسي، تعرف هوة كبيرة بين الفاعل السياسي المباشر، والشعب، فتجد الشعب فاقد الثقة في الفاعل السياسي، ذلك، لأنه لا يقوم بما هو مطلوب منه من جهة، ويقوم بما يحمي مصالحة الشخصية ويطورها، من جهة ثانية، وهذه صبغة مشترك في الفاعل السياسي في العالم العربي، إضافة إلى باقي الدول الإسلامية.
(3)
إن النزاع حول “الحدود” ظاهرة عالمية، باعتبار أن هذا النزاع هو الشق الأكثر حضورا في العلاقات الدولية، فهو موجود بين الدول وعلى جميع المستويات وبدرجات متفاوتة، وهو نقيض التعاون، ويمكن القول على وجه التحديد:
– “ أن النزاع ظاهرة فطرية وغريزية في الإنسان
– أن النزاع تتسبب فيه طبيعة المجتمعات وطبيعة الهياكل الموجودة فيه
– أن النزاع يؤدي وظيفة سلبية في النظم الاجتماعية، ويمثل أحد أعراض الضغوط التي يواجهها المجتمع
– أن النزاع يؤدي وظيفة في النظم الاجتماعية كما أنه ضروري للتنمية الاجتماعية
– أن النزاع مظهر حتمي لمصالح الدول المتضاربة، وفي ظل ظروف الفوضى الدولية
– أن النزاع نتيجة لسوء الإدراك، ولسوء التقدير وفقر الاتصال
– أن النزاع عملية طبيعية تشترك فيها كل المجتمعات”([1]).
ومع ذلك يظل مفهوم النزاع غامضا، نظرا للعوامل المتداخلة في تشكله وبناءه، وتسارع الأحداث، وما يهمنا هنا بالتحديد الأزمة الحدودية كما سبق البيان، ومصطلح “الحدود”، يشير إلى: “الخط الذي يبين أين تبدأ وأين تنتـهي الأقاليم الخاصة بدولتين جارتين”([2])، وبشكل أوضح، فإن الخطوط التي ترسم على الخريطة لتبين الأرض التي تمارس الدولة عليها مظـاهر سيادتها، وتخضع لسلطاتها بحيث يكون لها وحدها حق الانتفاع بها واستغلالها([3]).
(4)
تعد مسألة “الحدود” بين دول العالم الإسلامي بالصيغة الحديثة، من اخطر المشاكل التي تم رسمها بفعل سياسي، له خلفية استعمارية استغلالية، وإن لم تطابق الواقع الجغرافي أو البعد التاريخي، وقد وضعت حتى لا تطابق، وذلك للحفاظ على عوامل الصراع والسيطرة، وقد كان زعماء الإصلاح واعون بهذا الخطر المهدد لوحدة الأمة الإسلامية.
– في المنقطة المغاربية:
نجد العالم والأديب والسياسي المغربي علال الفاسي رحمه الله، ينادي بما كان يسميه”المغرب الكبير” تجنبا لوقوع ما هو واقع حاليا في دول المغرب العربي من انقسام وتشرذم، والمغرب الكبير كما حدده علال الفاسي، يضم في أجزاءه: بلاد شنقيط “موريطانيا حاليا” وجزء من مالي والسينغال، وسبتة ومليلة الخاضعتين (للاحتلال الاسبانية)([4])، وهذا الطرح كان في أساسه طرح إسلامي “للحدود، بمعنى أنه مبني على قاعدة الانتماء الديني”([5]).
فالنزاع الذي دخلت فيه الجزائر مع المغرب حول الصحراء المغربية على سبيل المثال، أصله يبدأ -في نظري- مند سنة 1884، (معركة إيسلي، وما نتج عنها، أي معاهدة لالة مغنية)، والمتأمل في أسباب هذه المعركة ونتائجها يعرف طبيعة إشكالية “الحدود” الحالية وأصل هذا الإشكال ومقاصده وأبعاده، إضافة إلى ما في الصحراء من موارد طبيعية، والنزاع الحاصل تدفع ثمنه الشعوب المغاربية ككل، وإن كانت هناك محاولات دائمة من المغرب بهدف التسوية، لكن السلطة السياسية في الجزائر لا تريد التسوية لكونها جزء من الأرضية التي بنت عليها شرعيتها من جهة وهي الضمان لبقائها في السلطة من جهة أخرى.
ولهذا المشكل آثار حتى على المستوى الإقليمي والقاري، فإن من رسمها في الماضي، لن يتخلى عنها في الحاضر، بل هي الضمان لاستمرار وجوده المعنوي، الأمر الذي يسهل عليه استغلال “الفاعل السياسي” لنهب خيرات الأوطان المغاربية، ففرنسا لن تتخلى بسهولة عن مصدر “رزقها”.
– في منطقة الخليج العربي:
فقد عرفت مشكلة الحدود مع التدخل الغربي في المنطقة، لأسباب متعددة ومختلفة، منها الضعف والخيانة والعمالة، فقد تكالب الغرب على المنطقة قبل إعلان الفصل النهائي1916، وبعدها بشكل اكبر، وذلك لان المنطقة تتمتع “بأهمية كبيرة في الميزان الجيوستراتيجي الدولي، وتأتي أهمية هذه الدول من إستراتيجية موقعها الجغرافي والإمكانيات الطبيعية التي تزخر بها، حيث أن المنطقة تتوسط العالم القديم، كما أن الخليج العربي برز منذ القدم كطريق تجاري هام بين آسيا و أوربا، يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط، كما يتحكم في مضيق هرمز وخليج عمان…([6])، وقد بدأ اهتمام الدول الأوربية بالخليج العربي في أواخر القرن الخامس عشر، وارتبط ذلك بحركة الكشوفات الجغرافية ([7]).
فأصبحت المنطقة “مسرحا لصراع القوى الأوربية المتنافسة، فكان التنافس الأوربي على إيجاد موضع قدم في الخليج (موانئ ومراكز تجارية) يدور منذ بداية القرن بين فرنسا وبريطاني”([8])، وقد استطاعت بريطانيا إزاحة منافسيها وانفردت بالسيطرة على المنطقة برمتها، حيث بدأ نفوذها تجاريا، وسرعان ما تحول إلى نشاط سياسي، من خلال تدخلها في شؤون المنطقة، فبعد أن أضعفت قدراتها التجارية والاقتصادية أخضعتها لسيطرتها المباشرة([9])، فبدأت في تشتيت المنطقة، وبدأت الصراعات، الأمر الذي دفع إمارات المنطقة -التي لم تكن دول بعد- إلى توقيع معاهدات حماية مع بريطانيا، ومنها، اتفاقية 1798م مع مسقط، واتفاقية 1820 م مع شيوخ الإمارات السبع(أبو ظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، الفجيرة، أم القيوين، وعجمان) ([10])، وتنفيذا لسياستها الرامية إلى تعزيز نفوذها في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، لجأت بريطانيا إلى وضع وتخطيط الحدود السياسية بعد اكتشاف النفط ([11])، لقد رسمت بريطانيا الحدود بحيث تبقي نزاعات قابلة للتفجر فيما بعد، فحتى عندما انسحبت من الخليج سنة1971م تركت مسألة الحدود قائمة حتى تتمكن من التدخل من خلالها بحجة حلها، ثم استثمرتها أمريكا فيما بعد لمصلحتها وبما يخدم سياستها في المنطقة([12]).
إن العوامل الإستراتيجية المعاصرة، أسهمت بشكل كبير في تطور الصراع على الحدود، كعوامل الطاقة، والملاحة، والمياه، إضافة إلى القضايا الأمنية (الارهاب).
وتعتبر أزمة الحدود بين العراق والكويت (مثلا) أخطر أزمة سياسية وعسكرية في الخليج والعالم العربي ككل، لما لها من أثر كبير على الصعيد الإقليمي العربي وحتى العالمي([13])،كما تعتبر أزمة الحدود بين السعودية واليمن في وقتنا الحالي من أكثر الأزمات، لما نتج عنها من تدمير، له أثار إنسانية بالدرجة الأولى، وبين السعودية واليمن ،كما أن هناك مشاكل بين السعودية والعراق، وبين السعودية والإمارات وعمان والبحرين، وبين السعودية وقطر، حتى وصل سنة 1991، إلى حد الاشتباك المسلح في منطقة الخفوس، وتدخل إيران في الصراع حول الحدود في المنطقة.
– في باقي دول العالم الإسلامي:
وإذا نظرنا إلى أزمة “الحدود” في باقي الدوال الإسلامية وخاصة الدوال التي تعتبر من الدول التي تشق طريقها نحو التقدم والريادة، فإننا نجد على سبيل المثال:
وجود أزمة كبيرة في الحدود التركية، حيث أرهقتها في الماضي وسببت لها مشاكل سياسية وعسكرية في الحاضر، سواء مع سوريا والعراق أو إيران …ومع اليونان، بسب استكشاف الغاز والنفط.
كما توجد أزمة حدودية كبيرة بين باكستان وأفغانستان من جهة والهند من جهة ثانية، وهذه الأخيرة أوصلت باكستان إلى الحرب.
كما تعرف ماليزيا أزمة حدودية مع سنغافورة، وإن كانت شبه مسيطر عليها من حيث الفعل، إلا أن أسباب الانفجار موجودة، فمثلا، عندما أعلنت ماليزيا عن خطة، تهدف إلى توسيع “ميناء جوهور”، تفجرت الأزمة.
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال، يمكن القول إن مشكلة الحدود مشكلة تدفع ثمنها فئة وتربح منها فئة أخرى، لكن المتضرر الأول والأخير، هما الشعب والدول( باعتبارها مؤسسات)، والحل لهذا المشكل هو في الأساس بيد من بينهم المشكل وليس عند من خلق هذه المشاكل في الماضي او عند المتحالف مع من خلق المشكل، باعتبار أن هذ المشكل وغيره يسهم في التحكم والتواجد الفعل المستعمر بطرق غير ظاهرة.
والله ولي التوفيق.
([1])محمد أحمد عبد الغفار، فض النزاعات في الفكر والسياسة الغربية، دار هومة- الجزائر، 2003، ص 128. بتصرف.
([4])إسماعيل معراف غالية، الأمم المتحدة والنزاعات الإقليمية، ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر، 1995 ،ص44.
([5])عبد القادر محمودي، النزاعات العربية – العربية وتطور النظام الإقليمي العربي، منشورات المؤسسة الوطنية للإتصال والنشر، 2001 ، ص 245
محمد المرابط