صفحات عن الأعمال الحربية لأشهر محاربي جبل الحبيب القائد المقدم الشهيد عبد الملك الخمليشي ضد الاحتلال البرتغالي سنوات ) 1519 – 1525 م ( (8/12)
تطلعون اليوم – عبر جريدتكم الشمال الغراء المشكورة – على التتمة الثامنة لبعض الجهود الحربية والمقاومة التحريرية لجبل الحبيب ضد الاحتلال البرتغالي بأصيلا وطنجة منتصف العقد الثالث من القرن السادس عشر الميلادي، وﺫلك من خلال أشهر رجال إفريقيا في وقته قائد جبل الحبيب ومقدمه الداهية الجريء الفارس المغوار عبد الملك الخمليشي وفق التسلسل الزمني للأحداث حسب شهادة ” برناردو رودرﻳﮝث “ في حولياته عن أصيلا السليبة.
- من كمائن الداهية الجريء عبد الملك الخمليشي وتربصاته ببرتغالي أصيلا سنة 1523م :
في إحدى هجومات عبد الملك في السنة هاته اعتمد « تكتيكا جديدا يقتضي نصب كمين في موقع بعيد عن المدينة لخلق مسافة تسمح لهم بالمطاردة »[1].
ومرة أخرى اختفى عبد الملك ومرافقوه قرب نبع بوكنون، وبينما كانوا متربصين في انتظار أن يأتي المراقبون لتفتيش المنطقة شاهدوا من جهة قرية الحمر قافلة بنبع الزبوج ومعها فكاك أصيلا، كما شاهدوا بعيدا عنها قافلة أخرى في طريق عودتها من فاس، وكان يتقدمها المدعو سيماو ربيلو الوكيل التجاري لملك مملكة البرتغال، إلى جانب السيد أمبروزيو كاتب الوكالة التجارية[2]، ولما شاهدهم عبد الملك بعث ستة أو سبعة من خيالته لإيقافهم، وحسب المؤلف أنهم ما قاموا بدلك « بعجرفة كبيرة، بحيث ما إن اقتربوا من السيد أمبروزيو ومن سيماو ربيلو حتى وضعوا رماحهم فوق صدريهما، وسلبوهما معطفيهما ومظلتيهما، ولما نبههم الفكاك الى أنه لا يحق لهم أن يسيئوا معاملة مسيحيين في خدمة الملك والقائد، فكانت إجابة مجاهدي جبل الحبيب الشجعان : ” أنهم مجرد خدام للملك يخاطرون بحياتهم ليل نهار في الحروب والمعارك، ووصفوه بالمخبر الدي يزود المسيحيين بالمعلومات عن المسلمين، وأنه يستحق القتل “،الشيء الدي عبر عنه المؤلف قائلا : « كل ﺫلك لكي يرغموا التاجر السيد أمبروزيو على إعطائهم شيئا ما أو أن يمتنع عن المطالبة باسترجاع ما انتزعوه منه، وقد استمروا في إفزاعهما »[3]، وفي أثناء هدا كان عبد الملك منهمكا في مطاردة مراقبين أوصلهما حتى الحاجز، وبما أنه لم يستطع اللحاق بهما فقد قفل راجعا فيما بين السهلين حيث دهب الفكاك للحديث معه، وليشتكي له من معاملة رفاقه، وقد أنبهم وأعاد المعطفين والمظلتين لصاحبيهما، وبقي بعض المال كان في جراب السيد أمبروزيز، كما اقترب عبد الملك من هدا الاخير ومن سيماو ربيلو واعتدر لهما، وحسب ادعاء المؤلف الدي يصعب تصديقه لعدة اعتبارات سبق شرحها فإن عبد الملك برر تصرف أولائك الرجال بكونهم غرباء يعيشون من السرقة، وترجاهما أن يستريحا بعض الوقت، وأحسب هدا من أخلاق عبد الملك، ثم من دكائه في معرفة بعض ما يفيده من أخبار في حاجة اليها من خلال هاته الاستراحة، ثم ودعهما وانسحب[4] .
- هجوم معاكس على جبل حبيب انتقاما مما فعله رجال عبد الملك :
وما إن صل الخبر الى أصيلا حتى طلب الجنود من ” فرناو كلديرا ” السماح لهم بالذهاب لانتظار عبد الملك ورفاقه بحبك جبل حبيب، وكان عبد الملك قد انسحب من جهة المنارة ولم يسلك طريقا مباشرا أثناء عودته الى جبل الحبيب، فيما اعتقد فرسان أصيلا الثلاثون أنهم بإمكانهم سبق عبد الملك الى الوادي الكبير، لأنه لم يسلك طريقا مباشرا، وبالفعل خرجوا من أصيلا نحو الخندقين، وقصدوا طريق طنجة، ثم عرجوا جهة دار قشايش[5]، وعبروا السهل فوصلنا الى ” بورو ” وهو مرتفع صغير مقابل لجبل الحبيب، قريب من دار بوفاس، ومن هناك قصدوا وادي الرند[6]، حيث يقول صحاحب الحوليات أحد الفرسان المشاركين في عملية الملاحقة : « شاهدنا أرضا واسعة كان الوصول إليها يفرض المرور بمحاذاة الحبك، وبما أننا لم نشاهد أحدا فقد بقينا ننتظر ظهور المغيرين، كان هؤلاء قد دخلوا من جهة فج جبل بني مصور وقصدوا جبل بني ومراس الدي كان جل المغيرين ينحدرون منه، مما حال دون رؤيتهم، ولما شاهدنا رجلين يحملان قربتي عسل كانا عائدين بها من ميداننا بعد أن دخلاه مطمئنين لجني العسل لعلمهما بعملية المغيرين خلال ﺫلك اليوم، هاجمناهما وأسرناهما بسهولة »[7].
- من غارات محاربي جبل الحبيب على أصيلا بعد عودة الكوند دو رودندو متم شهر شتنبر سنة 1523م بأمر من ملك البرتغال :
يبدو أن جبل الحبيب لم يكن له كبير تأثير على أصيلا أثناء ولاية فرناو كلديرا عليها في غياب حاكمها، رغم – حسب المؤلف – « القلق الكبير وعدم الاطمئنان اللدين عانينا منهما خلال الشهور الثلاثة »[8]، وسيواجه هاته المرة مجددا قبطانا متمرسا خبيرا بالشؤون الحربية لم يشهد له مثيل في أصيلا، مما سيجعل مهمتهم أصعب بكثير من الشهور الستة الماضية مند غياب الكوند بداية شهر ابريل الى متم شتنبر من سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وألف حيث أمره الملك بالعودة بعد إشاعة هجوم ملكي غير مسبوق، وهو ما لم يتم، بل تم فعليا هو أمر الكوند مباشرة بعد وصوله بالهجوم على جبل بني ومراس المجاور لجبل الحبيب، فبعد أن وصلوا إلى هناك أسروا أسيرين فأخبروهم أن المولى إبراهيم قد مر في اليوم السابق في اتجاه جبل حبيب بهدف الهجوم على أصيلا، فعادوا أدراجهم، وفي تلك الليلة بعث الكوند مراقبين لجهة المايدة بأراضي جبل الحبيب وقتها، فلم يعثروا على أي أثر لمحاربين، وقد علم فيما بعد أن القائد الاعلى للمقاومة بالشمال الغربي المولى إبراهيم كان في بيته بجبل الحبيب – مركز المقاومة – على رأس الفرق العسكرية الثلاث التابعة لشفشاون وتطوان وترغة الى جانب محاربي الجبل بما يناهز خمسمائة فارس، وما إن بلغ المولى ابراهيم خبر وصول الكوند إلى أصيلا قادما من البرتغال حتى أرسل المدعو ” الحبيب ” أحد المقربين منه ليبلغه تحياته، وبعث معه فكاك شفشاون للتفاوض في شأن تحرير الأسرى بين الطرفين، وقد حرر حينها أحد مقدمي جبل الحبيب محمد يونس.
- هجوم عبد الملك على بعض مراقبي أصيلا ومطاردتهم حتى وادي تهدارت سنة 1524م :
تسبب عبد الملك ومرافقوه في إعلان حالات استنفار كثيرة بأصيلا بداية سنة 1524م، فاعتقد برتغاليو أصيلا خلال إحداها أنه سقط بين أيديهم، لكنه تمكن من الإفلات لنباهته من جهة ولأن أجله المحتوم لم يكن قد حان بعد، واعتمادا على رواية شاهد عيان « وصل عبد الملك رفقة مجموعته من جبل حبيب وكمن لنا بمحاذاة واد لحلو في شعبة، وقد ترك أربعة من فرسانه ليتصدوا للمراقبين فور عبورهم النهر، وليمنعوهم من الاستفادة من المصب[9] للعودة لجهة المدينة، وليفرضوا عليهم الفرار في اتجاه الضفة الأخرى للنهر، وهو ما نفدوه »[10]، حيث ظهر مراقبين اثنين، فخرج مغيرو جبل حبيب من مخبئهم وأحكموا سيطرتهم على مصب النهر، لكن المراقبين فرا، والتقيا باثنين آخرين فواصلو الفرار معا، وما كادوا يعبرون نهر الغريفة حتى التحق بهم عبد الملك ودنا منهم كثيرا، فتعرف على المراقب روك رافينكا وقال له : « يا روك، لقد انتظرت طويلا هاته الفرصة، وبما ان الله منحني إياها فلا تحرمني منها بموتك، سلم نفسك انت ورفيقيك، وأتعهد بعدم قتلك »[11]، إلا أنه رفض، ووصلوا وهم يتبادلون أطراف الحديث الى نهر تهدارت ﺫا كثافة غطائية نباتية في أدغاله، وقد كان منخفضا مما شجع أحد البرتغاليين بدخوله، فكاد أن يجرفه التيار القوي لولا مساعدة محاربي جبل الحبيب له، ومن ثم أسره، وبقي الحال بين فر وكر بين الطرفين إلى أن انتبه عبد الملك بوجوده بالقرب من مكان خطر عليه وأصحابه قد يلتقي فيه الكوند ورجاله، فأردف عندها الأسير وسحب السرج من فرسه الغارق بالنهر واحتفظوا بأسير آخر، وانسحب بعد أن ترك رمحه والراية الحمراء الحريرية المربوطة فيه بالشاطئ، وكاد أن يؤسر، وقد تتبع الكوند أثره بعد استنفاره، ولدكاء عبد الملك حيث كان رجلا حدرا ومحترسا لا تغيب عيناه عن الأمكنة التي يمكن أن يفاجأ فيها، ولدهائه قام خلال ﺫلك اليوم بتلك الخديعة وجعل مطارديه يعتقدون أنه يفر لكي يدفعهم الى ملاحقته ويتسنى لأتباعه مباغتتهم، وهو تكتيك استعمله عدة مرات، فخدع بسببه ﺫاك اليوم عميل البرتغال مقدم أصيلا الجبلحبيبي المتنصر “أرتور رودريكث”، وبعد الدي حصل غير عبد الملك ورفاقه اتجاه انسحابه بعد تضليل الكوند ورجاله، حيث قصدوا معبر قرية ” كور “، فلاحقهم خمس عشرة خيالا من فرقة البرتغاليين، ورغم كثرة الوحل عبر هؤلاء الى الجهة الأخرى للمعبر، وقد حاول عبد الملك التصدي لهم بهجوم مضاد – على رأس خمسة عشر فارسا – على غرار ما قام به لما قتل أبا ” ديوكو لوبو دو أليفانسا “، لكن سرعان ما تراجعوا واختفوا خلف أشجار الفلين القريبة، وبعد صولات وجولات من الطرفين استشهد ثلاثة من محاربي عبد الملك، وكان أحدهم « هو محرر حجرة بادس، وقاتل قائد قلعتها [ الاسباني ]، وقد انتقل الى جبل الحبيب للعمل الى جانب عبد الملك وليستمر في محاربة المسيحيين »[12]، وكان فرسه من النوع الممتاز، وركابه مذهبا، ورأس لجامه من الفضة، وبيع الفرس بثمن مرتفع وقتها بأكثر من ثلاثين ألف ريال، ولم يحقق عبد الملك من إغارته هاته المرة إلا الامساك بأسير ولجام فرس، وتسبب في غرق برتغاليين اثنين، فيما فقد – اضطرارا – الأسير الثاني كما سبق ﺫكره.
- ردود فعل أصيلا عبر غارة قادها المتنصر الجبلحبيبي أرتور رودريكث المكنى بالعطاش :
شعر أرتور رودريكث بدنبه ومسؤوليته في فرار مواطنه عبد الملك بعد اتهام برتغالي أصيلا له وشكوكه في نواياه، وللتكفير عن الخطإ واسترجاع ثقته « سارع إلى طلب الإدن بقيادة غارة، ولما حصل على موافقة الكوند خرج رفقة اثنين وعشرين من الخيالة ليهاجم جبل حبيب، وعند مستوى حبك ] قرية [ الريحانة أسر رجلين وغنم ثمانية ثيران تستعمل في الحرث كانت في طريقها إلى مزارع الدرة، ولما انتبه السكان الى وجودهم خرج من الريحانة ثلاثة فرسان وما بين أربعة وخمسة من جبل حبيب، واقتربوا من رجالنا وشرعوا في الحديث معهم الى أن عبروا وادي الرند، وقد سألوهم عن اسم مقدمهم فأجابهم بأنه ارتور رودريكث المكنى بالعطاش وهو اسمه المغربي، وطلب منهم ان يخبروا عبد الملك ﺑﺬلك، (…) ولما وصل عبد الملك قال له : ” أيها المرتد انك تقوم بالعمل نفسه الدي أقوم به، ويخاطر يوميا كل واحد بحياته، ولكن مع فرق واضح فيما نسعى اليه، فأنا أخوض معارك شرعية باسم ديني وملكي، وأدافع عن أرضي وأهلي، على خلاف ما تقوم به أنت، لدا يتعين عليك التزام الصمت، فالأعمار بيد الله، وهو وحده العالم بيوم لقائه “، وتوقف عبد الملك ومحاربوه مباشرة بعد وادي الرند فيما بين الوادي الكبير والموقع المسمى دار مارتينو ، فعاد ارتور رودريكث بالاسيرين والثيران دون مضايقة على حد قول صاحب الحوليات[13].
- مشاركة أخرى لعبد الملك ورفاقه في حملة ملكية جديدة على أصيلا :
في أيام هدا الهجوم الملكي كلفت أصيلا مراقبين بحراسة الموقع المسمى ” بريرو ” نيابة عن مراقبيه الاصليين، وبعد التحاقهما بعين المكان بدأ المدعو ” شمسيو ” يتمشى، فمر عبر حباك ” فرناو مييرنيو ” الى أن أشرف على قنيطرات شعبة العش، وهو ما استغربه عبد الملك ورجاله المراقبون لهم، كون المراقبين المعهودين لم يعتادوا على طرق تلك الجهة، « وكان عبد الملك الواقف بنبع ” الفارو كرافييل ” أكثرهم استغرابا، فما إن رآه يتقدمه حتى سبقه وتحكم في الميدان »[14] ، وفر الر جل الى جهة أخرى، « وما أن وصل الى هناك حتى وجد أمامه عبد الملك رفقة سبعة فرسان، فطلب منه ان يسلم نفسه حفاظا على حياته، بيد أن ” شمسيو ” فضل – لتجربته الكبيرة – تجاوزهم، وقد وضع رمحه على صدر عبد الملك وأسقطه بعد أن مزق لباسه وجرحه جرحا خفيفا، ورغم أن مهاجميه السبعة وجهوا له عدة ضربات بالعصي لرغبتهم في القبض عليه حيا، فقد تمكن من تجاوزهم والابتعاد عنهم، وإن جرحوه مرتين وأصابوا فرسه، ولما شاهدوا مقدمهم ساقطا لاحقوا ” شمسيو ” حتى الموقع المسمى ” بيكا ” حيث شاهدوا رجالنا في الشاطئ، فعادوا للاهتمام بعبد الملك، لاعتقادهم أن اصابته خطيرة، لكنه سرعان ما ركب فرسه والتحق بالآخرين »[15].
وبعد هدا الهجوم انسحاب الملك رفقة قواده الى مكناس لوصوله خبر اختضار المولى الناصر أخيه أو لمواجهة الشريف السعدي بتافيلالت، ولربما اصطحب معه فرسان جبل الحبيب، ثم عاد فورا الى أصيلا فهاجمها في منتصف شهر يونيو من سنتنا هاته من شهر نونبر أيضا، دون أن يدكر لنا المؤلف أي عمل من أعمال محاربي جبل الحبيب.
يتبع 9/12
هوامش :
[1] – حوليات أصيلا، ) 1508 – 1535م ( مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي، برناردو رودريكس، تعريب الدكتور احمد بوشرب، الكتاب الثاني، الفصل السابع بعد المائة، ص 369
[2] – كان قد التحقا بفاس كل من السيد أمبروزيو كاتب الوكالة التجارية بأصيلا وسيماو ربيلو وكيل التجارة بالمغرب للملك البرتغالي دون منويل « لجمع الصمغ والعقيق وسلع أخرى تركاها في تلك الوكالة بعد تفشي الطاعون في المدينة ] أصيلا [ ». نفسه، ص 369
[3] – 369 – 370
[4] – نفسه، 370
[5] – دار قشايش : darcaxais، حسن الفكيكي، 341.
[6] – وادي الرند : هو احد أودية جبل الحبيب الصغيرة المتفرعة عن الوادي الكبير من جهة بني حمايد، حيث يلتقي اليوم بالقنطرة الصغيرة المنشأة بمدخل جبل الحبيب بالقرب من مسجد الرحمة بالموضع المدعو اليوم ﺑ ” الكروشي “، وليلتقي من جديد بالواد الكبير قبل مصبه في وادي تهدارت.
[7] – حوليات أصيلا، ص 370
[8] – 370
[9] – سبق للمؤلف أن ﺫكر أن واد لحلو كان عميقا بالموضع المذكور، ولم يكن يعبر الا عند مصبه، وقد عبره عبد الملك ذات مرة سباحة للإمساك بأحد المراقبين.
[10] – 391
[11] – 392
[12] – 391
[13] – 396
[14] – 397
[15] – 397