كان لنا في المقال السابق وقفات مع شهادات الأستاذ عبد العلي بخات عن جوانب ثقافية وفنية واجتماعية وتراثية وصوفية وقضائية عن جبل الحبيب عهد الإدارة الاسبانية للمنطقة عن فترة الخمسينيات خاصة، وهي شهادات شديدة الأهمية بالغة القيمة بما يدعو – صدقا – للإعجاب « بمهارته في وصفِ الحياة الاجتماعية والثقافية لقبيلته جبل الحبيب »[1]، الأمر الذي جعل منصورا يمدحه كونه « من الوجوه النيرة التي يسعَد المرء بمعرفتها، وجه صبوح، وأدب جم، أخلاق عالية، تواضع وكرم وعزة نفس، رجل مثقف، له غَيرة على مصلحة الوطن، وتقدير كبير للمصلحة العامة، وأنه جالَسه كثيرا في مقهاهُ التي يُديرها بشارع محمد الخامس بطنجة، والتي تعَرَّفَ عليه فيها بالأساس، ولم يَكُفَّ يوما عن دعوته للجلوس معه إما منفردا أو مع بعض أصدقائه رِجال الأعمال رُوَّادُ المقهى الذين كان يُجَالسُونَه »[2].
وبعد كانت لنا وقفات مع شهاداته عن جوانب مما سبق نقف بكم اليوم عن جوانب أخرى نستهلها بجانب القضاء بجبل الحبيب عهد الإدارة الاسبانية من خلال جده القاضي عبد العلي بخات الذي يحمل حفيده نفس الاسم، ولعله تعلقا به وحبا له رحمه الله.
- جانب عن القضاء بجبل الحبيب عهد الادارة الاسبانية من خلال القاضي عبد العلي بخات رحمه الله :
انطلاقا من مشروع محمد محمد منصور فقد عرض على الأستاذ عبد العلي بخات « حكي بعض الشهادات عن حياةِ جده الفقيه العلامة القاضي سيدي عبد العلي بخات »[3] أسكنه فسيح جناته، كيما يخطها فيحتويها كتابه هي الأخرى، وفي سياق ﻫﺬا العرض يقول منصور : « رحب ﺑﺬلك وشجعني على القيام ﺑﻬﺬا العمل »[4]، و « حثني على الرجوع إلى ” تاريخِ محمد داوود “»[5] رحمه الله، حتى يجد ضالته وبغيته بخصوصِ الجد القاضي رحمه الله.
ولم تخن الأستاذ عبد العلي بخات ذاكرته الفذة حيث عاد بنا عبر حكيه « إلى منطقة جبل الحبيب التي عُيِّنَ فيها الجد عبد العلي قاضيا[6] على القُضاة »[7]، بعدما هاجرت عائلته إليها قادمة من « منطقة البهالل التي ولد بها الجد »[8] « بن سي الحسن بلغالي بخات، صاحب مزار مولاي الحسن، داخل مقبرة العائلة بمدشر بنصدوق بجبل الحبيب »[9]، وبعدما قضى ما قضى من أيام الله في مهمته « فر من القرية رفقة أبنائه، بعدما تعرض مسكنه للهدم على يد أتباع أحمد الريسوني، حيث كان الناس يتعرضون للقتل والسرقة، وقد ظلوا يعيشون في حالة خوف شديد بسبب عدم الاستقرار »[10]، فقد عرف جبل الحبيب « ضغوط الترهيب أيام السيبة »[11]، والحق أنه فر « مكرها إلى طنجة »[12] « إلى السوق الداخل، ونظرا لهالة أهل العلم والتقوى التي كانت تجلله، تقدم إليه شخص لا يعرفه، وبعد السلام عليه عرفه بنفسه وقال له : ” لقد رأيتك في المنام وجئت لاستقبالك، فاصطحبه إلى داره بدار البارود، ومنحه منزلا للسكن »[13]، « وبعد سنة قدم إليه سكان دار بنصدوق يطالبونه بالعودة، فعاد إلى القرية، واستأنف عمله في القضاء في عهد الحماية »[14].
- من طرائف القاضي عبد العلي بخات رحمه الله.
مما يحكى عن الفقه العلامة القاضي عبد العلي بخات « أنه زار الفقيه الطود في بيته بالقصر الكبير، فوقف لأول مرة على صوت المذياع في البيت، وهو الشيء الذي أثار تحفظه وجعله يقوم لأداء الصلاة والإغراق فيها لمدة طويلة حتى لا يسمع صوت الأغاني الصادرة عن المذياع… وكان ﺫلك انعكاسا للموقف العام الرافض لكل ما يتعلق بالوسائل الحديثة التي دخلت مع المستعمر »[15]، ومن ﺫلك أيضا – في حادث مماثل – ما حدث للفقيه الحسن والد صاحب الشهادات عبد العلي بخات، ابن القاضي رحمه الله، الذي « كان إماما للصلوات الخمس بمسجد القرية [ دار بنصدوق ]، فحينما أدخل أبناءه إلى المدرسة قاطعه السكان وامتنعوا عن الصلاة خلفه »[16]، وغيرها من الطرف المشابهة بجبل الحبيب عهد الإدارة الاسبانية.
- الزيارة التاريخية للملك محمد الخامس رحمه الله لتطوان مرورا بجبل الحبيب :
لم يفت الأستاذ بخات أن يسرد لنا ما يتذكره عن « مناسبة مرور الموكب الملكي بمنطقة جبل الحبيب سنة 1956 م، حيث كان يتم تحفيظ الأناشيد الوطنية للتلاميذ والأطفال في المساجد وفي المدرسة من أجل استقبال الملك محمد الخامس عند توقفه في مفترق طريق سوق الثلاثاء في زيارته التاريخية إلى تطوان… وقد سلمته بنت صغيرة اسمها زينب حمامة بيضاء، ولما أمسك بها قام بتحريرها وإطلاق سراحها في الهواء، وقد عرفت هده المناسبة حضورا مكثفا لسكان المناطق المجاورة الدين تجمعوا على جنبي الطريق، وقد استمر انتظار مرور الموكب الملكي من الصبح إلى منتصف النهار »[17].
- الحفيد عبد العلي بخات عبر بوابة طنجة عن مغرب القرنين : 20 – 21 م ( سيرة ومسار ).
أرى أنه من عدم الإنصاف وعدم الوفاء للقدر الثقافي للأستاذ عبد العلي بخات أن لا تكون لنا وقفة ولو خاطفة عن سيرته باعتباره أحد رجالات المنطقة وإطارا تربويا مرموقا بها وسليل أسرة شريفة بها، ومن جانب ﺫا ثقافة واسعة عن جبل الحبيب حقبة الاستعمار الاسباني وما بعد الاستقلال المغربي، وبه سأستعير قلم الأستاﺫ محمد محمد منصور كيما نطل على القراء الكرام بشيء من سيرته النيرة.
- مولد عبد العلي بخات ونسبه :
ولد عبد العلي بن الحسن بن عبد العلي بن الحسن بن الغالي بخات سنة 1949 م في قرية ” دار بنصدوق ” بقبيلة جبل الحبيب أحد أقاليم تطوان، وحسب كتاباتِ الدكتور أحمد بخات ابن العم المترجم له فإن نسب آل بخات « يرتبط بشجرة الشرفاء الذين ينتسبون إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فهم شرفاء قَدِمُوا من الجزيرة العربية إلى صقلية بإيطاليا، ثم رحلوا إلى الجزائر، ثم إلى المغرب، حيث أقاموا في منطقة البهالل بناحية فاس التي وُلِدَ بها جده عبد العلي بخات، الذي سُمِّيَ حفيدُه هذا باسمه، بعد ذلك هاجرت العائلة إلى منطقة جبل الحبيب »[18] .
- أسرته وعائلته :
- أبوه : هو الفقيه الحسن رحمه الله، التحق بالقرويين، حيث حصل بها على شهادة عليا في الفقه والشريعة وعلم الكلام،ولما عاد إلى قبيلته اشتغل بتدريس الطلبة بمسجد قريته دار بن صدوق، وقد كان إماما لصلواته الخمس به، وتولى خطبة الجمعة، وكذلك خطة العدلية، كما كان يتولى رئاسة حلقات الذكر والمديح والسماع بزاوية أبيه بذات القرية، وتولى إلقاء الدروس الدينية فيها أيضا، وقد توفي رحمه الله قبل عشر سنوات من اليوم عن عمر يناهز ستة ومائة من السنوات[19]، كما أفادني بذلك الأستاذ الأديب محمد الحافظ الروسي زوج حفيدته نزيهة المتني محققة كتاب ” ري الأوام ” للزجالي، وأمها البتول.
- إخوته : محمد، وخديجة، وأمينة، والبتول السابقة الذكر.
- زوجته وأصهاره : للأستاذ عبد العلي مصاهرة مع عائلة أوحنا من منطقة الريف، فزوجته هي الأستاذة فريدة أوحنا أخت عبد اللطيف أوحنا مدير فندق المنزه، ورشيد أوحنا مسؤول سابق بشركة أمانديس، وكان مسؤولا عن وكالة المجد، ثم تكلف بمصلحة تتبع الديون وقطع الإيصال قبل تقاعده.
- أبناؤه : رزق عبد العلي ببنتين وولد، فالبنتين توأمان هما : سارة، (خبيرة في الحسابات )، ومونية (إطار بصندوق الإبداع والتدبير )، ثم زكرياء، ويشتغل بقطاع السياحة بإسبانيا.
- أعمامه وعمَّاته :
نظرا لتعدد زوجات الشيخ القاضي عبد العلي بخات فقد رزق بأبناء عدة، أحسن تعليمهم وتربيتهم، وهم أعمام وعمات المترجم له، فالأعمام هم :
- أحمد : وكان فقيها مدررا للقرآن، وحسب إفادة حفيده السيد سعيد بخات قد كان له من الأبناء عبد السلام ( مهندس بمدينة مكناس ) وعبد الوهاب ( أستاذ لمادة الفيزياء بتطوان ).
-
الغالي : وكان إماما وشيخا لقبيلة جبل الحبيب، والأمين، وكان صانعا للأحذية، والعلمي، وعبد السلام، وكان تاجرا هو الآخر.
-
المختار : درس بجانب أخيه الحسن بالقرويين، حيث حصل هو الآخر على شهادة عليا في الفقه والشريعة وعلم الكلام، وقد عمل كاتبا بقيادة الفندق بقبيلة واد راس، كما تولى إمامة أحد المساجد بذات القبيلة، وكان موظفا بمحكمة السدد بتطوان، إذ عمل كاتبا للضبط بها إلى أن حصل على التقاعد.
- وأما عمَّاته : فمنهن : رحيمو، أمينة، وغيرهن …..
- أبناء أعمامه : ( أحفاد القاضي عبد العلي ) :
-
أحمد : ووُلد له من البنات أمينة، ومن الذكور كلا من محمد، وعبد الرزاق، وعبد المالك ( معلم بمجموعة مدارس جبل الحبيب سابقا )، وإدريس ( محام ) حسب سعيد بخات.
-
الغالي : وقد لد له لحسن، محمد، عبد الرحيم، حبيبية، وحفيظة.
-
العلمي : ولد له محمد ( طبيب بالعرائش )، وأحمد ( طبيب جراح بإسبانيا )، ورحيمو.
-
الأمين : ولد له كل من فاطمة، وخدوج، ومحمد ( إطار بولاية طنجة، مسؤول عن خليَّة النقل )، وجمال ( طبيب بلدي بطنجة ).
-
عبد السلام : خلف ثلاثة أبناء هم : بنت، وعبد الله، ومصطفى، وهما محاميان بهيئة طنجة، وقد توفي مصطفى رحمه الله يوم الاثنين 18 أبريل 2016 م، وقد كان مشهودا له بكفاءته المهنية، وهو واحد من أبرز رجالات القانون بطنجة كما وَرَدَ في تعزية الموقع الالكتروني ﻟ ” طنجة نيوز “.
-
المختار : رُزِقَ بابنه أحمد ( دكتور في علم النفس بطنجة )، ورحيمو ( أستاذة جامعية بالرباط )[20].
- الحياة الدراسية للأستاذ عبد العلي :
درس الأستاذ عبد العلي « في أول مرة بالحيط السفلي من قبيلته بمدرسة مدشر غور التي كان يتنقل إليها على الأرجل على بعد مسافة 10 [ عشر ] كيلومترات، حفظَ القرآنَ وهو ابن ست سنوات، ودرس في أول فوج لتدريس الفرنسية بعد الاستقلال سنة 1958 م، وقد درس على الأستاذ أفيلال من [ قرية ] الفلالسة، الذي أصبح ابنه مديرا للقرض الفلاحي بشارع فاس بطنجة، وهو من عائلة اشتهرت بالعلم، ثم المعلم صالح من الصحراء »[21].
- الحياة المهنية للأستاذ عبد العلي بخات :
بعد أنْ أتم الأستاذُ عبد العلي دراستَه التحقَ مباشرةً بسلك التعليم، وعُيِّنَ بمدرسة بمدينة المضيق على عهد المدير أخريف، حيث عملَ مدرِّساً للغةِ الفرنسية مدة ثلاث سنوات، ومن طرائف ما حدثَ معه آنذاك كما يتذكَّرُ هو عن نفسه أنه لما عُيِّنَ « فُوجِئَ في أول يوم عند وصوله إلى المدرسة بوجودِ ثلاثةِ أشخاص بجوارها، وما أنْ وَقَعتْ أعينهم عليه حتى قال أحدُهم لأصحابه : ” هَا وَاحْدْ مْنْ زّْرِّيعَة دْ فْرَنْسا جا عَنْدنا “، وقولهم هذا انعكاس للموقف العام الرافضِ لكل ما يتعلق بالوسائل الحديثة التي دخلتْ مع المستعمِرِ للمغرب، ومن الطرائف أيضا أنَّه لمَّا شرع في تعليم تلاميذه لاحظَ عدم تخَلُّصِهِم من ثقافة المسيد ( الكُتَّابُ القرآني )، فكلما وقع أحدهم في خطإ بادرَه الآخرون بقولهم ” اُرْكُزْ “، أي قد أخطأْتْ، وهو ما كان يدعو إلى الضحك خلال عملية التدريس »[22].
- مرحلته الثانية بسلك التعليم :
انتقل الأستاذ عبد العلي بخات من المضيق إلى مدينة تطوان « التي استقر بها مدة عشرين سنة، فاشتغل بمدرسة النجاح، ومنها انتقل إلى طنجة ليعمل بمدرسة ” ولادة “، ثم بمدرسة ” أم أيمن ” في عهد المديرة منتهى بناني »[23].
- التحاقُه بالدراسة الجامعية :
حصل الأستاذ بعدها على شهادةِ الإجازة بكلية أصول الدين بتطوان عن موضوع “التأويل عند الإمام الزمخشري “، وقد كان محظوظا أنْ درسَ على مجموعة من خِيْرَةِ الأساتذة الجامعيين وقتها، كالفقيه التجكاني، والأستاذ فيصل الخطيب، وعميد الكلية آنذاك الشيخ أمزيان، والتهامي الوزاني، وعبد العزيز خلوق التمسماني، وعبد الحميد بوزيد[24].
- اشتغاله بمزاولة مهنة التجارة بعد إحالته على التقاعد :
كان للأستاذ عبد العلي حظُّ الاشتغالِ بالنيابةِ، حيث عمل بمصلحةِ مولاي يوسف، وما أن أُحِيل على التقاعدِ حتى اشتغل ابتداءً من سنة 1981 م بمزاولةِ مهنة التجارة، إذ « قام افتتح في إطار الشراكة بافتتاح مقهى ” النجمة ” ومقهى إشبيلية بشارع محمد الخامس [بطنجة] سنة 1981 م، وسرعان ما قام ببيع مقهى إشبيلية، واحتفظ بمقهى النجمة الذي يتواجد في أسفل إحدى العمارات التي بنيت محل محطة للوقود بشارع محمد الخامس، وقرر إنجاز مشروع مزدوج 500 متر مربع يجمع بين مقهى[25] في الطابق السفلي ومطعم في الطابق تحت أرضي»[26]، وعلى ما يبدو أن الأستاذ عبد العلي «اضطرَّ للتخلِّي عن المطعمِ بفعل تأثيرات حرب الخليج التي أدت إلى وقوع أزمة اقتصادية مست عددا من المحلات التجارية المرتبطة بالنشاط السياحي »[27].
هوامش :
[1] – شهادات تاريخية عبر بوابةِ طنجةَ عن مغربِ القرنيْن 20 – 21 م / الجزء الأول، محمد محمد منصور، مطبعة Novo Print، طبعة 2019 م، ص : 336
[2] – نفسه، ص : 336 .
[3]– نفسه، 336
[4] – نفسه، 336 – 337
[5] – نفسه،: 336 – 337
[6] – عين عبد العلي بخات بظهير خليفي قاضيا بقبيلة جبل الحبيب سنة 1919 م. مختصر تاريخ داوود، مراجعة وتنقيح حسناء داوود، طبعة 2008، ص 465.
[7] – شهادات تاريخية، ص : 337
[8] – نفسه، 337
[9] – نفسه، 337
[10] – نفسه، 337
[11] – نفسه، 337
[12] – نفسه، 337
[13] – نفسه، 337
[14] – نفسه، 337
[15] – نفسه، 338
[16] – نفسه، 338
[17] – نفسه، 344
[18] – نفسه، 337
[19] – نفسه، 337 – 340
[20] – نفسه، 338 – 339
[21] – نفسه، 339
[22] – نفسه، 338
[23] – نفسه، 340
[24] – نفسه، 340
[25] – كان للأستاذ رأي في مهنة المقهى إِذْ يجدُها « صعبةً، ويَبْرُزُ ذلك من خلال الممارسة اليومية، لأن المقهى يستقبل كل أنواع البشر »، ورغم ذلك فقد كان « يحضرُ يوميا من أجل الإشرافِ على تدبيرِ شؤونها ». نفسه، 340
[26] – نفسه، 340
[27] – نفسه، 340
محمد أخديم