هذا ما رصدته جمعية “تلاسمطان” في تقريرها عن الحالة البيئية لسنة 2019
حظيت قضية البيئة والتنمية المستدامة باهتمام زائد في الثلاثة عقود الأخيرة، وقد كان اتفاق باريس للمناخ سنة 2015 تتويجا بارزا للجهود العالمية الساعية إلى إحداث منعطف حاسم لتغيير سياسات الدول وسلوك البشر تجاه البيئة الطبيعية بمحتلف تجلياتها قبل فوات الأوان.
ومع أن اتفاق باريس واتفاقات قبله وبعده جسدت وعي الإنسان بالخطر الذي أخذ يهدد الحياة على كوكب الأرض، فإن وتيرة الانخراط في تنزيل مقتضيات هذه الاتفاقات ليس كلها بل على الأقل أهمها، يطالها التباطؤ والتردد سواء دوليا أو محليا ناهيك عن بعض جيوب المقاومة، وهو ما ينتج عنه قلق وسط المجتمع المدني المناضل بيئيا وفي المقابل يقظة من أجل تحريك البرك الراكدة.
تقرير الحالة البيئة بإقليم شفشاون لسنة 2019 يأتي في هذا السياق الرمادي، حيث إنه بالرغم من الانخراط الرسمي للمغرب، وتنظيمه للكوب 22، وريادته إفريقيا وعربيا على مستوى مشاريع الطاقة البديلة بشكل خاص، فإن قضايا البيئة والتنمية المستدامة بشكل عام لم تحظ بعد بالأولوية على المستوى اللامركزي واللاممركز، بل إن المجال البيئي تطاله اختلالات متعددة، مخيفة، ظرفية، وبنيوية مركبة.
لقد قام التقرير بعملية رصد للاختلالات والمشاكل التي يعاني منها المجال البيئي بإقليم شفشاون، لذلك سنقوم، تعميما للفائدة، بذكر أهمها بالنسبة للمحاور التي اشتغل عليها التقرير وهي: محور الماء، محور الغابة، محور الساحل و محور النفايات.
محور الماء:
-جهة طنجة تطوان الحسيمة-حسب دراسات اعتمد عليها التقرير- ستعرف نقصا مطردا في التساقطات المطرية قد تصل إلى 7 في المائة سنة 2020 و 40 في المائة 2080، وقد بدأنا نلاحظ هذا النقص في السنوات لأخيرة.
-بسبب الاستهلاك المفرط للفرشات المائية وزيادة نسبة الملوحة ستسجل المناطق الساحلية نقصا في الأنشطة الزراعية.
- تلوث المياه بفعل الاستعمال المفرط للاسمدة والمبيدات ومخلفات معاصر الزيتون، والمياه العادمة لغياب شبه كلي لشبكات التطهير بالعالم القروي.
-التأثير السلبي لانتشار الأحواض(أو السدود) الاصطناعية والأساليب غير العقلانية، التي تستعمل أساسا في السقي المفرط والعشوائي للزراعة الأحادية، على المخزون المائي السطحي والجوفي على حد سواء.
محور الغابة:
-الغابة تغطي 40 في المائة من مساحة الإقليم (138.500 هكتار) وتشمل تنوعا ثريا بيولوجيا:حيوانيا
ونباتيا.
-بطء عملية التحديد لكثرة التعرضات.
-الضغط الشديد الذي يهدد الملك الغابوي بهدف الزراعة (خاصة زراعة القنب الهندي) و التوسع العمراني.
-عنف وخطورة التمادي على الملك الغابوي، إذ حسب معطيات 2018 بلغ معدل المخالفات المسجلة سنويا 1700، واستغلال حطب التدفئة يفوق 3 إلى 4 مرات القدرة الإنتاجية، والتعشيب يطال 320 هكتار سنويا، و الحرائق تقضي على 932 هكتار في السنة.
-ضعف عمليات التشجير بالمقارنة مع المساحات المتلفة سنويا بفعل العامل البشري وما ذكرناه أعلاه وكذا تأثيرات المناخ والأمراض الطفيلية، وضعف المراقبة الصحية الغابوية.
-التهديد الذي يطال الوحيش والغطاء النباتي وأنظمة إيكولوجية كاملة بالانقراض.
-استغلال المجال الغابوي كمطارح للنفايات والتأثير السلبي لتلوث المياه على الغطاء النباتي.
-فوضى في المحيطات الرعوية بسبب الرعي الجائر.
محور الساحل:
-الضغط العمراني و السياحي قي ظل غياب شروط دقيقة ومخططات تهيئة مدروسة تحترم المجال البيئي، وغياب بنيات استقبال ملائمة.
-التلوث الناتج عن مطارح النفايات العشوائية على طول الشريط الساحلي والذي يستفحل صيفا بفعل التخييم العشوائي.
-تلوث مياه الشواطئ الناجم عن الاستعمال المكثف للمبيدات وأشباهها من المواد.
-غياب شبكات الصرف الصحي الذي يهدد صحة السكان و المياه العذبة ومياه البحر على حد سواء.
-انتشار الصيد العشوائي و استنزاف ما تبقى من الثروة السمكية باستعمال الشباك غير القانونية وعدم احترام الراحة البيولوجية، مما يؤثر على التنوع البيولوجي البحري كما ونوعا.
-الاستخراج المفرط للرمال من الشواطئ بشكل غير قانوني وما ينتج عنه من إخلال بالتوازن البيئي والمورفولوجي لتلك الشواطئ.
محور النفايات:
-عدم احترام المعايير والشروط البيئية في تدبير النفايات، حيث يلاحظ غياب برنامج يومي لتدبير النفايات.
-انتشار مطارح عشوائية و غير مجهزة على الطرقات وفي أوساط طبيعية هشة و ذات قيمة إيكولوجية عالية (بالغابات، وجانب الأودية إلخ) .
-تراكم الأزبال بالمراكز حول المحلات والمطاعم وفي مجاري المياه.
-تلويث مياه البحر والشواطئ بالأزبال التي تجرفها مياه الأمطار.
-حرق النفايات ينتج عنه التلوث بمادة الديوكسين السامة التي تنتهي بالتسرب إلى أوراق النباتات الخضراء وبالتالي دخولها في السلسلة الغذائية للإنسان المستهلك للألبان واللحوم.
-تكديس النفايات ينتج مادة الليكسيفيا المؤثرة سلبا على متعضيات التربة(فون وفلور/Faune et Flore) ويمكن وصولها إلى الفرشات المائية فتسبب تلوثا للمياه الجوفية و الآبار، مما قد يؤثر على صحة الإنسان…
بعد هذا الرصد الدقيق الذي قامت به جمعية تلاسمطان في تقريرها والذي من الواجب أخذه بعين الاعتبار كمرجع ذي مصداقية من طرف جميع الفاعلين المؤسساتين بالإقليم، هل سيعرف الإقليم صحوة للضمير البيئي في القادم من السنوات أم ستظل دار لقمان على حالها أم ستتدهور الوضعية أكثر، لاقدر الله، لتصل إلى نقطة اللاعودة مما يجعل الأجيال المقبلة تدفع ثمن التهور الحالي الذي لايبقي و لايذر بفعل هيمنة النظرة الأنانية القصيرة التي تغمض العين عن ما نشهده من كوراث طبيعية واختلالات في الحياة البشرية و ظهور أمراض وانتشار أوبئة إلخ تنذر بالخطر الملموس…؟!
عبدالحي مفتاح