1/ لا يجد العبد بابا لكشف غمته وانفراج أزمته سوى باب رب العالمين ؛ باب الرحمة الواسعة .
قال تعالى : “..قال عذابي أصيب به من أشاء ، ورحمتي وسعت كل شيء ، فسأكتبها للذين يتقون..” ( الأعراف / 156 )
وقال جل جلاله :”..ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ، وقهم عذاب الجحيم..” (غافر / 7)
ففي الآية الأولي ثلاث دلالات مؤكدة :
- المشيئة الربانية : “عذابي أصيب به من أشاء..”
- الرحمة الواسعــة : ” رحمتي تعم جميع خلقي..”
- الرحمة الخــاصة في الآخرة ؛ بالذين يتقون الكفر والمعاصي..
وفي الآية الثانية وصف ودرس:
- وصف للرحمة والعلم الربانيين بالوسع..
- درس لعباد الله ؛ يؤدبهم بآداب الدعاء لاستمطار الأفضال والنعم والصفح..
2/ ” اشتدي أزمة تنفرجي..”
المنظومات التربوية الصوفية حافلة بمعاني استمداد اللطف وطلب الرجاء ؛ ولعل منفرجة العارف بالله أبي الفضل يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بابن النحوي ( ت513 ه ) من عناوين بلاغة خير متوارثة منذ ما يناهزعشرة قرون ، وهذا يسمها بقوة تداولية عظمى..
كان ابن النحوي عالما عاملا..ومما يحكى عنه ، أنه لما عزم على الذهاب للحجاز، شكا أهله ضياع حالهم في غيبته ، فكتب لهم في رقعة ، وأوصاهم أن يتحفظوا عليها.. فكان لهم شخص في غيبته يأتيهم بمتطلباتهم اليومية ، ولما رجع الشخص ،فتشوا عن الرقعة ، فوجدوا مكتوب ابن النحوي :
ان الذي وجهت وجهي له
هو الذي خلفت في أهلـــي
فانه أرفق منـي بهـــــــــم
وفضله أوسع من فضلــي
ومما يحكي عنه ، أن طالب علم قصده ، فبادره بالسلام ، وأراق الحبر على ثوبه ، فخجل الطالب ، فقال له أبو الفضل : كنت مفكرا في أي لون أصبغ به هذا الثوب ؟ فالآن أصبغه حبريا منفرجة تتضمن مزايا ، فهي :
- مشتملة على اسم الله الأعظم.
- كل من دعا بها استجيب له.
- من قرأها على طهارة وحضور قلب ، وسأل الله حاجته قضيت.
- نظمت في بحر الخبب. وشرحت شروحا عديدة خلال عصور؛ وتمت معارضتها وتخميسها.. مما أكد مركزيتها في الوجدان التربوي والعلمي..
3 / براعة استهلال..
اشتدي أزمة تنفرجـــي قد آذن ليلـك بالبلـــج
اللافت في براعة هذا الاستهلال :
- مخاطبة ابن النحوي الأزمة خطابا موجها لعاقل بصيغة أمرية ؛ ليس طلبا لاشتداد ؛ بل طلبا لانفراج..
- تشبيه الليل بالشدة ؛ لكونه جامع كرب وقلق ؛ وفي منطق وتعليل البلاغة المعيارية الأثيرة عند علماء البيان ومتذوقي الكلام ، فاطلاق اسم المشبه به على المشبه استعارة تصريحية ..
- ذكر البلج ـ وهو وضوح الصبح ـ ترشيح ، باق على أصله أو مستعار للفرج بجامع البلج؛ بمعنى أن ضوء الصبح مذهب للظلمة ، والفرج مذهب للحزن :
اذا اشتدت بك العسرى ففكر في ألم نشرح
فعســر بيــن يسريـــن اذا فكــرتـه فافرح
- بين الاشتداد والانفراج وبين الليل والبلج طباق
- اسناد الايذان الى الليل مجاز عقلي
- تلميح بمعان قرآنية وحديثية شريفة على وجه الاقتباس وقصص أنبياء :
ـ فسيدنا يونس عليه السلام امتحن في بطن الحوت بقاع البحر..
ـ وسيدنا موسى عليه السلام وبنو اسرائيل فلق لهم رب العزة البحر وأنجاهم من فرعون..
ـ وسيدنا ابراهيم ألقي في النار ولم تحرق منه سوى قيده..
توقع صنع ربك سوف يأتي
بما تهواه من فرج قريــــــــــب
ولا تيأس اذا ما نــاب خطب
فكم في الغيب من عجب عجيب
- حمل النفس على الصبر في هذا الاستهلال تصريح بمقام الصبر ؛ وهو أحد مقامات اليقين ، وهو: ترك الشكوى من ألم البلوى..
ـ قال المحاسبي : ” لكل شيء جوهر ؛ وجوهر العقل الصبر..”
ـ قال يحي بن معاذ الرازي : ” عند نزول البلاء تظهر حقائق الصبر، وعند مكاشفة المقدور تظهر حقائق الرضا “
كتبت هذا العمود فجرهذه الجمعة الأخيرة من شعبان ، وفي صباحها ـ سبحان الله العظيم ـ بعث الي صديقي الأعز الدكتور مولاي يوسف البحيري ؛ المقيم في عاصمة سبعة رجال.. بهذه الأبيات المستلهمة من منفرجة ابن النحوي، وهي للفقيه ابن يجبش التازي :
مهما اشتدت بك نــــــــــازلة
فاصبر، فعسى التفريج يجي
مولاك ارغب فاجــــــــــابته
للمضطريــــــــن على درج
وألح عليـــــــــــــــه بمسألة
فهو الجـــواد ، فاسأل وهج
من تشف شف،من تكف كف
فاللطف خفي ، فعساه يجـي
اللهم يا ذا الفضل العظيم عجل لنا بالفرج العميم..