لا أحد كان يتكهن بالسيناريو الحالي الذي دخل فيه العالم والمتمثل في المواجهة بين الفيدرالية الروسية و أوكرانيا بصفة خاصة و بينها و بين تحالف الدول الغربية بصفة عامة. الكل كان يترقب بشوق أن تنفرج غمة الأزمة التي أحكمت قبضتها على معيش الناس، وخاصة البسطاء، خلال سنتين من انتشار الوباء اللتين فرضت فيهما قيود على حركة البشر و حركة السلع و بطء في الإنتاج، مما أثر على نمو اقتصادات معظم الدول، إذ لولا العودة بشكل ما إلى “الكينزية” بما تعنيه من تدخل الدولة في الاقتصاد و دورها في تحريك الطلب و مواجهة الكساد، لساد الانكماش و ما يتبعه من أزمات اجتماعية عصيبة.
الوباء لم ينته و إنما خفت حدته، بل إن الإنسانية تتجه إلى التعايش مع سارس كوف2 كفيروس مقيم و عاد إذا لم تظهر مستجدات أو مفاجآت على هذا المستوى، لذلك كنا نحسب أننا دخلنا في فترة النقاهة التي سيعقبها الانتعاش رغم بعض التضخم الذي خلخل الموازين، لكن مفاجأة الحرب و انعكاساتها الخطيرة على الاقتصاد والسلم العالميين، ثم بشكل خاص على تموين البورصات العالمية بالمواد الأساسية خاصة مواد الطاقة و بعض المواد الغذائية منها القمح، بعثر الأوراق وخلق حالة من الإرباك ورفع التضخم بل أدخل العالم في أزمة ستعاني من آثارها أكثر الدول الضعيفة التي تعتمد بشكل رئيسي على الواردات من أوكرانيا وروسيا.
بلدنا كباقي الدول ، و إن استطاع إلى حد ما، في إطار اقتصاد معولم تتشابك حلقاته وتتداخل، أن يمتص صدمة كوفيد، فإنه يعاني الآن كالآخرين من التضخم المتجسد في ارتفاع أسعار المواد الطاقية أي البترول والغاز و العديد من المواد الغذائية التي لا تنتج محليا إثر خفوت عقيدة الاكتفاء الذاتي بالنسبة للمواد الذي يمكن استيرادها بثمن منخفض من السوق العالمي، ولم ينحصر ارتفاع الأسعار في هذا المواد بالتحديد بل امتد، طبيعيا، إلى مواد أخرى أو معظم المواد الأساسية، ومع اقتراب موعد رمضان و ارتفاع الطلب من المنتظر أن تسجل ارتفاعات أخرى.
عقيدة اقتصاد السوق وتحرير الأسعار التي لها ما لها من إيجابيات على مستوى المنافسة وبالتالي الاستهلاك تتمتع بحظوة من طرف الدول الرأسمالية الكبرى و بدعاية واسعة من منابرها بعد انهيار حائط برلين، لكن ربح الصين لمساحات كقوة اقتصادية عالمية و بروز الأزمات الدورية المتعددة الأسباب كعامل مؤثر في السوق العالمي، يدفع شيئا فشيئا إلى مراجعة هذه العقيدة أو التخفيف من حدتها.
التضخم و ارتفاع الأسعار كانا لهما تأثير واضح على السوق الداخلي، خاصة ارتفاع سعر المحروقات التي تم رفع الدعم عنها و عدد من المواد الأساسية غير المدعمة، إذ مع استمرار آثار أزمة كوفيد في قطاعات أساسية مشغلة للملايين كالسياحة والصناعة التقليدية والخدمات، اشتد الخناق على شرائح واسعة من المجتمع المغربي خاصة الطبقة الفقيرة و الفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة، وتبعا لذلك علت الاحتجاجات سواء على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع. وإذا كانت بعض الزيادات تعود من حين للآخر، ظرفيا، جراء الاحتكار وتكون الإجابة عنها تتطلب فقط تفعيل تدابير إدارية، فإن الزيادات الحالية ليست مقتصرة على بلدنا بل إن معظم البلدان تعاني منها، بتفاوت، بحكم ظرفية الحرب و آثار الوباء؛ و للحفاظ على القدرة الشرائية للشرائح المتضررة قامت كثير من الدول بإجراءات القصد منها الدعم المباشر و غير المباشر لهذه القدرة، و هناك إرهاصات أن الضغوط الاجتماعية تدفع الحكومة المغربية للسير على هذا النهج، خصوصا و أن شهر رمضان على الأبواب و خلاله يعرف استهلاك المواد الغذائية بصفة عامة و استهلاك القمح والزيت والبيض و الزبدة والجبن و اللحوم البيضاء إلخ بصفة خاصة ارتفاعا ملحوظا.
فهل ستستطيع الحكومة أو الدولة المغربية التصرف في الوقت المناسب و بحكمة (وأنا منهمك في كتابة هذه المادة الأسبوعية اطلعت على مادة إخبارية تتعلق بقرب تنزيل دعم المحروقات بالنسبة قطاع النقل وفق الاتفاق الذي تم مع النقابات…) للحيلولة دون اختلال التوازنات الاجتماعية وضمان مرور شهر رمضان المبارك في أجواء روحانية يعمها التضامن و التعاون والسلم والسلام و يعطرها التخفيف من قهر “القفة” بصفة خاصة و قهر المعيشة بصفة عامة الذي يحول الحياة إلى جحيم؟.
و لله الأمر من قبل ومن بعد و عواشركم مبروكة.
عبد الحي مفتاح