أصبحت جرائم الاعتداء على العرض والجسد تتفاقم يوما بعد يوم في مجتمعنا؛ ولذلك أصبح لزاما على المشرع التدخل لحماية أعراض الناس وصونها ضد اي اعتداء، والظاهر أن جرائم الأشخاص تحتل الصدارة اليوم، فقد صنفها المشرع المغربي ضمن جرائم انتهاك الآداب، وأدرجها ضمن الكتاب الثالث من القانون الجنائي.
ومعلوم أن جرائم الاعتداء على العرض كثيرة ومتنوعة؛ ولعل اهمها جريمة الاغتصاب التي تعد موضوع دراستنا في هذا المقال، وهي من أخطر أنواع العنف وأبشعها وأكثرها ضررا وتأثيرا على السلامة الجسدية للمرأة مهما كان سنها او حالتها الاجتماعية (متزوجة، مطلقة…)؛ ذلك أنه اعتداء على شرفها وعرضها وكرامتها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط؛ فقد ينجم عنه تذمر نفسي يجعل الضحية تفكر جديا في وضع حدّ لحياتها، بسبب نظرة المجتمع الذكوري التي لا ترحم.
ولا تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمة القتل في شيء؛ والاختلاف بينهما هو كون أولهما موت بطيء وثانيهما موت سريع.
وإذا كان هذا هو مآل الضحية، فإن مآل الجاني غير هذا تماما، وخصوصا من الناحية النفسية، والعقوبة، وما يرتبط بهذه الجريمة من نصوص منظمة في القانون الجنائي المغربي، علاوة على صعوبة إثبات هذه الجريمة.
و بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي، وتحديدا الباب المنظم لهذه الجريمة، نجد أن المشرع خصص فصلين فقط من هذا الباب للجريمة موضوع دراستنا، وهذا في حد ذاته يعتبر تقصيرا في حق ضحايا الاغتصاب؛ لأن آثار الجريمة تبقى مصاحبة للضحية مدى الحياة.
وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤالين الآتيين: إلى أي حد توفق المشرع المغربي في تحديد مفهوم جريمة الاغتصاب ؟ و إلى أي حد تمكن من حماية المرأة وصون عرضها و سلامتها الجسدية باعتبارها نصف المجتمع؟
المطلب الأول: ماهية جريمة الاغتصاب وأركانه:
لا شك أن الاغتصاب هو أحد ا أبشع الأفعال المنافية للقانون و الأخلاق و التي تمسّ بكرامة المرأة؛ إذ يرتكب هذا الفعل المشين والذميم ضدها دون رضاها؛ فهو بذلك شكل من أشكال “الإرهاب” والاضطهاد الذي يمارس ضدها بطريقة وحشية، فيدمرها ويحطم نفسيتها.
ولفهم حقيقة جريمة الاغتصاب وما ينتج عنها من آثار و خيمة على الضحية، سنحاول الوقوف على دلالات هذا المفهوم من الناحية القانونية (الفقرة الأولى) لنعرج بعد ذلك على أركانه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : المفهوم القانوني لجريمة الاغتصاب :
عرف المشرع المغربي جريمة الاغتصاب في القانون الجنائي من خلال الفصل 486 في فقرته الاولى بأنه “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”.
يُستفاد من ذلك أن المشرع ينظر إلى الاغتصاب بأنه فعل يقع دون موافقة المرأة، ومنه يتضح أن من اهم العناصر القانونية المكونة للجريمة هي انتفاء عنصر الرضى، الذي يقوم هنا بدورا مهم و أساسي؛ فهو الذي يبين ما إذا كانت الواقعة تكيف فسادا أو اغتصابا، اضافة إلى الإكراه الذي تتعرض له الضحية لعدم خضوعها لنزوة الجاني الجامحة في اغتصابها .
وحتى نفهم الاغتصاب بكيفية واضحة، سنقوم بتمييزه عن بعض الجرائم المشابهة له ومن اهمها جريمة الفساد ؛ فقد عرفها المشرع في الفصل 490 من القانون الجنائي بأنها: “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.
يظهر جليا من حلال هذا التعريف، أن جريمة الفساد المنصوص عليها في الفصل السالف الذكر، تختلف تماما عن جريمة الاغتصاب؛ إذ إن عنصر الرضا في هذه الجريمة جلي وظاهر بقوة.
بيد أن الشائع والمتداول في المجتمع العربي برمته، أن جريمة الاغتصاب وجريمة الفساد تقعان في خانة واحدة, وهذا ما يؤثر سلبا بشكل أكبر على نفسية الضحية؛ و يؤدي إلى الانتحاراحيانا، كحل أمام الضحية بعدما تفقد الأمل في قرارعادل يحميها ومجتمع ينصفها.
أما من الناحية السوسيولوجية،فهو فعل ناتج عن تفاعل اجتماعي داخل المجتمع في إطار العلاقات الاجتماعية غير المسموح بها؛ فهو يعتبر خرقا للضوابط والمعايير المنظمة لهذا المجتمع، حيث يعتبر اعتداء على الحرية الشخصية للفرد؛ بحيث ينعدم فيه الرضى والموافقة؛ وهو كل اعتداء جنسي يكون فيه الطرف الآخر غير راض.
و يظهر من خلال هذا التعريف السوسيولوجي، أن الجاني يهدف إلى تلبية رغبته الجنسية عبر القوة، وقد يكون ذلك أحيانا تحت التهديد ، في انتهاك صارخ للأعراف والمبادئ الاجتماعية والاخلاق الحميدة، وعدم الاكتراث بالضحية وما سيلحق بها جراء هذا الفعل المشين .
ونرى من جانبنا من الناحية السوسيولوجية خصوصا في شق علم الاجتماع الجنائي, ان هذا الفعل -باعتباره ظاهرة اجتماعبة- غير مباح ومحل استنكار المجتمع لكونه ناتجا عن تفاعلات اجتماعية منافية لقيم واخلاق المجتمع, وذلك لما يحدثه من اضطراب اجتماعي .
اما بالنسبة للمشرع الفرنسي،فقد اعتبر الاغتصاب على انه “كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف أو الإكراه أو التهديد أو المباغتة”.
“Tout acte de pénétration sexuelle de quelque nature que ce soit commis sur la personne d’autrui par violence , contrainte menace ou surprise est un viol “(art 23n222C.P.F)
ولا يقتصر الاغتصاب عند المشرع الفرنسي على المراة المطلقة او العازبة، بل تعداه ليشمل اليوم حتى المراة المتزوجة,حيث اعتبر ان ارغام الزوجة من طرف زوجها على المعاشرة يعد اغتصابا.
وعليه ان وجود عقد الزواج وحده في-ظل التشريع الفرنسي- لا يكفي لاستخلاص رضا الطرف الاخر, وانما يجب التاكد من قبوله للفعل الجنسي المطلوب حتى ولو كان طبيعيا ومن دون عنف, ويترتب على ذلك حماية الانثى الزوجة من خلال اسناد وصف الاغتصاب على العلاقة الجنسية التي ياتيها الزوج على زوجته دون رضاها واعتبارها في هذا الصدد محلا للحماية في جريمة الاغتصاب.
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية انه إزاء عدم وجود تعريف قانوني للاغتصاب، فانه يتعين على القاضي البحث والتاكد من توفر اركان هذه الجريمة بحسب خصائصها الخاصة والنتائج الجسيمة التي تلحق بالمجني عليها وبشرف عائلتها, وان هذه الجريمة تنشا عن فعل ضد ارادة الشخص سواء كان ذلك بغياب الرضا بسبب الاكراه المادي او الادبي الذي يمارس ضده, او باي وسيلة اخرى او مباغتة من اجل التعدي عليه رغما عن ارادته من اجل الغرض الذي يستهدفه الفاعل.
اما بالنسبة للمشرع الجزائري فعرف جريمة الاغتصاب في المادة 336من قانون العقوبات الجزائري على أنه: “كل من ارتكب جناية هتك عرض(حسب النص الفرنسي جناية اغتصاب)، يعاقب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات وإذا وقع هتك العرض ضد قاصر لم تكمل السادسة عشر فيعاقب بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة”. والملاحظ من خلال هذا التعريف ان المشرع الجزائري استعمل لفظ “هتك عرض” بدل “الاغتصاب” مع العلم انهما جريمتين تختلفان عن بعضهما البعض من حيث عناصرهما التكوينية.
وما يستشف من احكام القضاء الجزائري ان الاغتصاب”هو مواقعة رجل لامراة بغير رضاها” على غرار النعريف الذي جاء به المشرع المغربي.
وفيما يخص للمشرع المصري فعرف جريمة الاغتصاب في المادة 267من قانون العقوبات والتي تنص”من واقع انثى بغير رضاها يعاقب بالاشغال الشاقة المؤبدة او المؤقتة.
فاذا كان الفاعل من اصول المجني عليها،او من المتولين تربيتها او ملاحظتها، او ممن لهم سلطة عليها او كان خادما عندها،او ممن تقدم ذكرهم،يعاقب بالاشغال الشاقة المؤبدة.”
وبهذا يكون المشرع المصري قد تعرض لجريمة الاغتصاب، واعتبرها جناية يعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة المؤقتة، ثم شدد العقوبة بالأشغال الشاقة المؤبدة، لتضل إلى الإعدام، أي يمثل عدوان الحرية الجنسية.
ولقد سار المشرع المصري على منوال المشرع الفرنسي بعدم العقاب على الحرية الجنسية في كل صورها، فانتفي صورا معينة تتميز عن غيرها ويتحدى الأذى فيها إلى الغير منها جريمة الاغتصاب، والتي تعد من أشد جرائم الاعتداء على العرض.
فجريمة الاغتصاب تعد من الجنايات الموجهة ضد الحرية الجنسية، فلا عبرة بسن المرأة ولا بمدى جمالها أو جاذبيتها، صغيرة أو كبيرة، شريفة أم ساقطة، بل العبرة بالفعل المادي المكون لجناية الوطء الطبيعي بإيلاج عضو الذكر في فرج المرأة.
والواضح من هذه التعريفات ، أنها تعتبر الاغتصاب علاقة جنسية غير مرغوب فيها وبدون رضا الضحية, وتمارس بالعنف أو تحت التهديد، فتنجم عنه اضطرابات نفسية وأضرار جسدية وخيمة.
الفقرة الثانية: أركان جريمة الاغتصاب:
لا يمكن اعتبار كل جريمة جنسية جريمة اغتصاب ما لم تتوفر فيها ثلاثة عناصر أساسية حددها القانوني الجنائي المغربي، وهي مستوحاة من المادة 486 منه والتي تتمثل أساسا في:
- الفعل المادي المتمثل في المواقعة غير الشرعية
-انعدام الرضى
-القصد الجرمي
1-فعل المواقعة غير الشرعية:
اعتمد المشرع صيغة مغرقة في العمومية لتحديد الركن المادي للجريمة مشترطا وجود فعل مؤدي إلى الإيلاج الجنسي, بالإضافة إلى ذلك يشترط أن تكون هذه المواقعة بين جنسين مختلفين؛ أي بين رجل وامرأة حتى نكون أمام جريمة اغتصاب. أما إذا كانت بين رجل ورجل، أو بين أنثى وأنثى فهنا سنكون أمام جريمة هتك عرض، وهي جريمة تحدث عنها المشرع في الفصل 484 من القانون الجنائي.
ولا يقع الاغتصاب إلا بحصول المواقعة في المكان الطبيعي؛ أي بإتيان الأنثى في عضو أنوثتها، وعليه لا يكون اغتصابا إتيان المرأة من دبرها أو وضع الأصبع أو أي عضو آخر ماعدا العضو الذكري في فرج المراة، بل يتم تكييف هذه الأفعال بكونها هتكا للعرض.
وتتحقق هذه الجريمة سواء كان الإيلاج كليا أو جزئيا، ولا يشترط لتماما أن يتم افتضاض غشاء البكارة من عدمه. وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن الركن المادي يتحقق أيضا بمجرد المحاولة طبقا للفصل 114 من القانون الجنائي متى انعدم العدول الإرادي، أو تدخل عنصر أجنبي عن المتهم حال دون إتمام عملية الاغتصاب.
(يتبع).
رجا السوسي.