الحديث عن الإدارة حديث ذو شجون، يفرض نفسه دائما في الحياة اليومية للمواطن الذي لا يعرب عن ارتياحه إزاء الإدارة التي يذهب إليها مكرها، لقضاء أغراضه الإدارية التي غالبا ما تواجهها تعقيدات معينة أو تماطلات تحول دون تحقيق مراده، وفي حالة إذا تحقق، فإنه في كثير من الأحيان يصاحب ذلك شعور المرتفقة أو المرتفق بعدم الرضا والارتياح، بسبب إما جفاء المعاملة أوشح الخدمات التي يتلقاها بإدارة ما.
في البداية لابد من الإشارة إلى أن الإدارة تعتبر عاملاً أساسيّاً لنجاح الدول والمنظَّمات على اختلافها، أو حتى فَشَلها، سواء كانت مُنظَّمات اقتصاديّة، أو تعليميّة، أو غيرها، كما أنّها تؤدّي إلى تقدُّم المجتمع، أو إلى تخلُّفه، وهي تُشكِّل مفتاحاً للتقدُّم على جميع المستويات، فهي مُحرِّك للتنمية التي لا يمكن أن تتحقَّق بدونها حتى لو كانت العناصر الأخرى جميعها مُتوفِّرة. وحسب المتخصصين الدوليين، باعتبارهم ضالعين في المجال، فإن الإدارة لا بُدّ من أن تكون إدارة فاعلة، تتَّخذ من الوسائل العلميّة المُستخدمة في اتّخاذ القرارات، وأداء الوظائف الإداريّة المتعدِّدة سبيلاً لها، حيث إنّها تسعى بذلك إلى تحقيق التكيُّف مع شتّى الظروف التي تحيط بها، إضافة إلى التطوُّر، والإبداع، وللإدارة المقدرة على تحريك الدولة بكفاءة وبما يُحقِّق الأهداف التي تسعى إليها؛ ولهذا تتمثّل مهمّتها الرئيسيّة في أن تتمكّن الدولة بعناصرها كلّها من تحقيق مستوىً عالٍ من الإنجاز، وذلك عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد البشريّة، والمادّية المُتوفِّرة.ومن هذا المنطلق، لا بُدّ كذلك من إلقاء الضوء على مفهوم الإدارة، حيث تعدّدت تعريفات الإدارة حسب الإداريّين، والمُفكِّرين بشكل كبير جداً، وفي هذا المقال بعضٌ من التعريفات التي عُرِّفت بها الإدارة، وهي على النحو الآتي:
الإدارة بأنّها: “العمليّة الخاصّة بتصميم، وصيانة بيئة مُعيَّنة يعمل فيها الأفراد معاً -كفريق-بكفاءة؛ وذلك لإنجاز أهداف مُختارة.يرى “هولت” أنّ الإدارة هي: “العمليّة المُتعلِّقة بالتخطيط، والتنظيم، والقيادة، والرقابة لكلٍّ من الموارد البشريّة، والمادّية، والماليّة، والمعلومات في بيئة تنظيميّة مُعيَّنة” .بينما يعرفها “طايلور” على أنّها: “تحديد ما هو مطلوب عمله من العاملين بشكل صحيح، ثمّ التأكُّد من أنّهم يُؤدّون ما هو مطلوب منهم بأفضل الطرق”. ومن خلال التعاريف السابقة، يمكن القول ـ حسب المتخصصين دائما ـ بأنّ الإدارة هي: تنفيذ الأعمال بوسيلة فعّالة، وذات كفاءة؛ لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها الإدارة/ الدولة، وذلك عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد المُتاحة كلّها، والتي تتضمّنها عمليّات التخطيط، والتنسيق، والتوجيه، والرقابة، والتنظيم، والقيادة.ذلك أن أهمّية الإدارة للإدارة هي أهمّية بالغة، تتمثّل في العديد من النقاط التي من أهمّها: المساعدة على تحقيق الأهداف المرجوة، بحيث يتمّ تنظيم، وتنسيق، وتوجيه الموارد؛ بهدف تحقيق الأهداف، دون إهدار للجهد والوقت، والمال. استغلال الموارد على النحو الأمثل: بحيث تتمّ الاستفادة من المُختصِّين، والخبراء، واستغلال مهاراتهم بشكل صحيح، بالإضافة إلى استخدام الموارد المادّية، والبشريّة على النحو الأفضل، ممّا يؤدّي إلى تحقيق الفعاليّة، وتجنُّب الهَدر في الإدارة. ذلك أنّ التخطيط السليم في استخدام الموارد البشريّة، والمادّية يساعد على نجاح الإدارة وتحقيق المستوى الأعلى من العطاء والخدمات.
وجدير بالذكر، أن المغرب حاول ويحاول إصلاح الإدارة، منذ ثمانينات القرن الماضي وإلى اليوم، على سبيل المثال، بدءا من سنة 1981، حيث تم تشكيل لجنة وطنية لإصلاح الإدارة العمومية، فأصدرت مجموعة من التوصيات تتمثل في المشاكل القانونية.وفي سنة 1995 كان البنك الدولي أصدر تقريرا حول الإدارة المغربية رصد فيه مجموعة من الاختلالات البنيوية، منها عدم فعالية المساطر والإجراءات الإدارية، كالتسيير الروتيني وتمركز الخدمات وسلطة القرار بالعاصمة..وفي سنة 1999 جاءت الحكومة بفكرة “ميثاق حسن التدبير” وكان من أهم أهدافه تخليق المرافق العمومية وعقلنة التدبير. وفي سنة 2003 جاءت المناظرة الوطنية الاولى حول الإصلاح الإداري بالمغرب التي رصدت مجموعة من مظاهر القصور في أداء الإدارة المغربية. وفي سنة 2010 ظهرت محاولات أخرى لإصلاح الإدارة. وحاليا هناك انتظارات الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة (2018 ـ 2021) لتشخيص الوضعية الراهنة، منها تغييب المرتفق في إعداد السياسات المنسجمة مع احتياجاته، عدم تعليل بعض الإدارات لقراراتها في حق المرتفقين، مما يخيب ظنهم في مصداقية الإدارة، البطء في معالجة قضايا وملفات المرتفقين، غياب رؤية شمولية للاستقبال والإرشاد، غياب الوعي بأهمية الشكايات كرافد من روافد إصلاح الإدارة وتنظيمها، وفي حالة تقديمها، فإنها لا تعرف سيرها الطبيعي لدى الجهات المسؤولية، كي تقوم بالمتعين في شأنها…
وكما هو معلوم، فإن الخطة الوطنية الحالية لإصلاح الإدارة المغربية تكتسي طابعا تحويليا شاملا، يتمحور حول إحداث أربعة تحولات هيكلية، تتفاعل فيما بينها ويشتمل كل تحول من هذه التحولات على مجموعة من المشاريع الأساسية التي يبلغ عددها أربعة وعشرين.
كما تروم الخطة دعم الأخلاقيات بالمرفق العام، تحسين علاقة الإدارة بالمتعاقدين معها، تدبير وتأهيل الموارد البشرية، إصلاح منظومة الأجور في الوظيفة العمومية، تبسيط المساطر و الإجراءات الإدارية، تنمية استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال….طبعا، فهذه الاستراتيجيات وغيرها تبدو مهمة جدا في المضي قدما بالإدارة، لكن إلى أي حد يمكن التوفيق في تحقيقها وإخراجها إلى حيز الوجود، وبالتالي ملامسة نتائجها على أرض الواقع ؟
وكجواب عن هذا السؤال، يكفي القول أن المغرب عرف سلسلة من الإصلاحات المتعلقة بالإدارة، على مدى العقود الأخيرة، لكن الانطباع السائد، حاليا ودون “زواق” لدى عامة المواطنين/المرتفقين يتسم بعدم الرضا عن الفعالية والخدمات التي تقدمها لهم الإدارة العمومية، فبعد مرور سنين عددا على المناظرات الوطنية والمحطات الإصلاحية للإدارة، لازال المواطنون في مغرب اليوم، يقال لهم :” إن السيد القائد غير موجود لكي يوقع على وثيقة”و” ضابط الأمن الفلاني في عطلة”و”عون السلطة خرج في مهمة” ليعطل شهادة إفادة، يحتاجها المواطن، بسرعة.أي عدم احترام أوقات العمل لدى العديد من الموظفين العموميين.وزد على ذلك أنه حتى وثيقة عقد الازدياد لازالت تتطلب وقتا لدى بعض المواطنين، للحصول عليها، فضلا عن تعدد المساطر وكثرة الوثائق المطلوبة من المرتفقين والمرتفقات في مختلف الأغراض أو الملفات التي يهيؤونها.. وهذه الأمور أو التعقيدات يلامسها بالدرجة الأولى أفراد جاليتنا بالخارج الذين يقارنون بين عمل الإدارة بالوطن الأم وعمل الإدارة ببلد الإقامة. وهذا طبعا يؤثر على العديد من الجوانب، سواء المتعلقة بجلب الاستثمار أو بغيره من التطلعات والمرامي التي يسعى إلى تحقيقها الوطن…هذه مجرد بضعة أمثلة، يمكن الوقوف عليها في الواقع اليومي للمواطنين/المرتفقين، فما الجدوى من محطات تروم إصلاح الإدارة، إذا كان الواقع شيئا، وما يتم التنصيص عليه شيء آخر.
وخلاصة القول، يبقى الأمل معقودا على ألا تكون المحطة الوطنية الحالية لإصلاح الإدارة كسابقاتها من المحطات الإصلاحية التي مضت، دون نتائج ملموسة تعكس فعالية الإدارة المغربية.
محمد إمغران
صحفي بجريدتي الشمال وطنجة