… نحنُ قوْمٌ تطيب أنفسهم للحقائق العلمية . فالدنيا قرية بشرية ، و قد وحَّدَها فيروس “سارس-كوف-2” ، و هيمن على حياة يوْم الناس هذا ، و لم تعدْ تتخطفهم “الأهواء” ! فإذا بفكرة قوية تجذبني نحو نقيضها ، و إذا بها استراتيجية يعارض فيها الأطباء للسلطات الصحية التي تقترح ستة أسابيع للحقنة الثانية بعد اللقاح الأوَّل ضد “كوفيد-19” ، مما سيجعل ممكناً الاستفادة من اللقاح ، بإضافة لمئات آلاف الأشخاص ، في الشهر الأوَّل ، بيد أنَّ بعض الأطباء يخشوْنَ أنَّ هذا الرأي سوْف يُقللُ من نجاعته و فاعليته .
– فهل يجب أنْ تكون جرُعات اللقاح متباعدة بستة أسابيع ؟ إذ بتمديد الوقت بين الجرْعتين سوف يسمح بزيادة عدد الجرُعات الأولى ، المخطط لها في البداية من أجل الجرْعة الثانية . بينما لدينا “عدداً محدودا” من الجرعات ؟ المنظمة العالمية للصحة التي توصلت إلى نفس النتيجة ، لافتة إلى أنَّه ينبغي أنْ يكون بدافع ظروف استثنائية (الوباء في الارتفاع و قيود التمويل ) .
– لكن لمس هذا الفاصل الزمني (الفترة الزمنية) أبعد ما تكون عن الإجماع في الآراء . أكاديمية الطبّ البريطانية تُحذرُ عن الآثار الخلفية لهذا التمديد . أوَّلاً و قبل كل شيء ، وجود عدد كبير من الأشخاص ، “محْميين” جزْئياً بالجرْعة الأولى يمكن أنْ يُقدّم أرضية مُواتية أوْ مرْطعاً خصباً لبروز مُتحولات جديدة ل “كورونا-فيروس” (هي ثلاثة أسابيع لنضج الأجسام المضادَة) ، هروبا من المناعة الناجمة عن اللقاح ، ثمَّ إنَّ الحماية الغير الكاملة في بعض الحالات قد تؤدي إلى تفاقم العدْوى ، عوَضَ منعها ، بواسطة نوع من الأجسام المضادة التي تسمى ، الأجسام المضادَّة المُيَسَّرة .فطبيعة العدوى تقول عنها “كارين لاكومب” : إنَّها شخصياً ليستْ مع تمديد المهلة بين اللقاحين .
–إذا كان لديهم (اللقاحات) ، نفس الأهداف ، فإنَّ الشخص الذي يحصل على التطعيم يُطلق استجابة مناعية مستهدفة . إذا لم يسبق استخدامها من قبل في البشر ، و لم تتخذ أيضاً أي نوْع من الفيروس ، بل تُقدم لجسم (اللقاحات) تعليمات تسمح له بتصنيع ذاتي لبروتين في غلاف الفيروس “سارس-كوف-2” ، و تحريك استجابة تتكيف مع جهاز المناعة .
– فكلُّ اللقاحات المتقدمة في العالم لم تعتمد على نفس الاستراتيجية المستخدمة .
– لقاح “فايزر- بيوتيكنولوجي” و “موديرنا” تستعملان تقنية جديدة و مُبتكرة .
– لقاح “سينوفارما” ، فإنه يستخدم تقنية تقليدية ، تُستعملُ على سبيل المثال في لقاحات ضدَّ الزكام . و قد يتكوَّنُ من استعمال فيروس مُعطل ، و يحتوي المنتج على عامل مُسبب للمرض ، قُتل مُسبقاً كيميائياً ، أوْ بالحرارة .
– لقاح “أسترازينيكا” أكسفورد أوْ المعهد الروسي “كماليتي” و لقاحه “اسبوتنيكV” ، يستخدمان “أدينو-فيروس” (و هي سلالة من عائلة الفيروس تجتمع فيها مائة نوع ، و من بينها حواليْ الأربعين التي يمكنها أنْ تصيب الإنسان) ، لنقل المواد الجينية إلى الفيروس “سارس-كوف-2” ، من أجل نظام مناعة الشخص ، و عند تلقيه سوْف يبدأ في التصدي للعدوى ، و هي التقنية التي ينتمون إليها ، هذان الأخيران . كيفية العمل : ذو قاعدة ناقلات “أدينو-فيروس” ، التي تستطيع تحريض المادة الجينية من فيروس آخر داخل الخلية ، فيتمُّ التخلص من جينه (أدينو-فيروس) الذي يُسبب العدوى . بينما الجينة التي تحمل رمز البروتين لفيروس آخر يتمُّ إدخاله . هذا العنصر الدخيل آمن و ليس هناك أي خطر على جسم الإنسان ، و لكن يُشكل دائما عوْناً لجسم المناعة للتفاعل ، و إنتاج الأجسام المضادة لحماية الإنسان من العدوى .
– “أسترا-زينيكا” ليستْ مُتخصصة في اللقاحات . في الثلاثة الأشهر الأولى من سنة 2020م حققتْ الشركة حوالي النصف من مبيعاتها من منتجات مضادَّة للسرطان . انصهار بين الشركتين السويدية “أسترا” و البرطانية “زينيكا” ، إذ اتخذتا مقراً لهما ب “كامبريدج” سنة 1999م ، فعملتا على ابتكار لقاح ضد “سارس-كوف-2” ، الذي تمَّ تطويره مع باحثين من جامعة “أوكسفورد” ، ليثير آمالاً كبيرة في العالم أجمع ، لأنه رخيص الثمن و سهل النقل و التخزين.
– الحمض الريبي المرسال” مختبر معهد للتكنولوجيا ب “مساشوسيت” . البداية كانت في سنة 2010م ، لعالم كندي باكتشاف هام ارتقى به إلى مقام شخصيات السنة ، و قد جاء ذلك على صفحات مجلة “تايمز” ، إذا به قد تمكن من استخدام الحمض الريبي المرسال ، لإيصال المعلومات المستخدمة في ترميز”كود” البروتينات داخل الخلايا الجذعية (التي لها القدرة على التكاثر و تجديد نفسها) . و بعبارة أخرى ، يجد طريقا بالسماح لنظام المناعة ليتلقى إشارات الدلالة التي تجعله قادراً بنفسه اكتشاف التهديد و مواجهته ، ثمَّ خلق بروتينات للدفاع عن جسم الإنسان . و إلى حدّ الآن مازالتْ هذه البروتينات يتمُّ اختلاقها في المصانع من خلال عملية طويلة عموماً و مكلفة ، و بالكاد تكون واضحة .
– “بيوتكنولوجي” ، هو أيضا لقاح يستخدم الحمض الريبي المرسال ، وهو يَعد بإحداث ثورة في الطب . المُمولون للشركة و أغلبهم من السويسريين الذين يُذرّون عليها طوفان من المال منذ نشأتها ، قبل عشر سنوات . و هي إحدى المؤسسات التي تقود سباقاً للقاحات ضد “كوفيد-19” .
– شركة “موديرنا” بيوتيكنولوجي الأمريكية ، و منذ عشر سنوات أي سنة 2011م ، المعروف عنها أنها كانت تقيم الاختبارات على الفئران دون أنْ نعرف ضدَّ أيّ مرض ! لمدَّة ثمانية عشر شهراً لم يكن للشركة حتى الموْقع في الأنتيرنيت ! وقد انضمَّ مستثمرون آخرون إلى هذه المغامرة ، لكن دون أنْ يتم الكشف عن أيّ اسم ! و لا شيء غير طبيعي في هذه الصناعة التي تحوي مخاطر النسخ الحقيقي ، و حيث يكون التقدير المالي أمراً ضرورياً . لكن وصول مبالغ ضخمة أثارتْ ردود فعل ، في حين فقد عبّرَ العلماء عن شكوكهم !
- مَنْ منَ المعارف التي لا تصلح ، و مَنْ منها التي تصلح ، وقد أحرزتْ هذه الأخيرة تقدُّماً ، كيْ يذكرَها الإخصائيون في علم المناعة .
– المنشطات “استيروييد” “ديكزا ميثازون” ، مضادات الالتهاب و الحساسية ، يُمكن إعطاؤها للمرضى الذين يتناولون الأكسيجين أوْ يخضعون لجهاز التنفس الاصطناعي ، لتحسين فُرَص بقائهم على قيد الحياة.
– العلاج بالأكسيجين (أكسيجينو تيرابي) ، أوْ علاج تخثر الدم ، فيتساءل المؤلفون أيضاً على التأثير المحتمل للمتغيرات الجديدة ل”كورونا-فيروس” ، على المرضى في العناية المُركزة ؟ بيد أنَّ “بيتير هو ربي” المسؤول عن التجربة السريرية “ريكوفري” ، التي خلصتْ إلى فعالية “ديكزا ميثازون” ، وقد قدَّرَ مؤخراً أنَّ الأدوية يجب أنْ تستمرَّ كذلك مع المتغيرات (المتحولات) الجديدة ، لأنها تعمل على استجابة المناعة و ليستْ على الفيروس بعينه ..
– ثمَّ سوْف أعود ، إنْ شاء الله ، إلى محاولة الغوْص في بحار “سارس-كوف-2” ، عمّا تسألني نفسي عن هذا الحاضر القهقرى !!…
عبد المجيد الإدريسي.