صدرت الطبعة الأولى من (الزاوية) عن مطبعة الريف حوالي 1942، وقبل ذلك نشر النص على حلقات في جريدة الريف، التي كان يديرها التهامي الوزاني، وهي الصحيفة التي ستغدو منبره الصادح، ووسيلة لا غنى عنها لنشر كتاباته السياسية والتاريخية والأدبية وكذا ترجماته.
- ويمكن تقسيم كتاب (الزاوية) إلى قسمين:
- قسم يؤرخ للحياة الشخصية وللمجتمع التطواني في بداية القرن الماضي، من خلال حيرة الطفل/ الشاب الباحث عن الخلاص الفردي والنفسي، كما أنه يؤشر ضمنيا لتجاوز هذا الطور من خلال الانخراط في الزاوية أو ما سماه عبد القادر الشاوي بـ “لحظة الوعي بتاريخ الأنا الصوفي.”[1]
- أما القسم الثاني: فهو المتعلق برواية تاريخ بداية الأشراف الحراقيين في تطوان، والتطورات التي سارت فيها الزاوية الحراقية من الناحية التاريخية منذ عهد المولى سليمان، إلى عهد المؤلف نفسه.
ولم تظهر الطبعة الثانية من هذا النص إلا في أوائل عام (1999). أي بعد مضي ما يقارب ستين سنة من نشره في طبعته الأولى، وهي عقود من الزمن تقلب فيها النص منقلبات مختلفة، ففي البداية قوبلت الزاوية سنة (1942) أي إثر صدورها في كتاب، بلا مبالاة محبطة، لكن السنين الطويلة التي قضتها نسيا منسيا في الأرفف لم تفتأ أن أنضجتها، ومنحتها وجودا جديدا إلى أن اعترف بها مؤخرا كنص بالغ الأهمية على الصعيدين التكويني والتاريخي، ويعود سياق التحول في استقبال (الزاوية) إلى تنامي رغبة عميقة لدى المثقفين المغاربة في القيام بإعادة النظر في تراثهم الكتابي المعاصر بغية استيعابه داخل سلمية التجنيس التي اقترحتها الدراسات الحديثة، وتعكس الواقعتان التاليتان – في رأي إبراهيم الخطيب[2]– أبرز مراحل السياق المذكور أولهما:المقالة التي نشرها عبد الجبار بصحيفة العلم في أواخر السيتينات (1969)، حيث تساءل عما إذا كان من الجائز اعتبار الزاوية أول نص مغربي يصنف ضمن السيرة الذاتية أما الواقعة الثانية: فتتجلى في ظهور نقاد وباحثين جامعيين اهتموا بتأصيل النثر السردي في المغرب، وقاموا بالحفر في تشكلاته الجنينية، وبالتالي: اختلفت المقاربات في هذا النص وتعددت إلى حد واضح، فقد عدها عبد الحميد عقار ومحمد الكتاني، إلى جانب عبد القادر الشاوي الذي خصها بدراسة شعرية مطولة، سيرة ذاتية. واعتبرها محمد علوط رواية، في حين حللها أحمد اليبوري من خلال المقارنة مع رواية عبد الكريم غلاب “المعلم علي” باعتبارها نصا يزاوج بين بذور الكتابة التاريخية والسيرة الذاتية. أما إدريس الناقوري، فقد قرأها بوصفها نصا أدبيا ودينيا واجتماعيا واعتبرها عبد المجيد الصغير كوثيقة نادرة في التعبير عن المعاناة، واستخرج منها المختار الهراس “سيرة تحولات المجتمع التطواني في بداية ق.20[3].
وتكشف لنا هذه الدراسات النقدية المتعددة عن تباين في تحديد المصطلح الأجناسي، ويمكن الافتراض حسب عبد القادر الشاوي بأن العامل الخاص الكامن وراء ذلك يرتبط أساسا بالفترة التاريخية التي ظهر فيها النص، واعتبارا لطبيعة المرحلة الثقافية نفسها التي كان فيها الأدب المغربي الحديث في أطواره الأولى، يبحث عن موضوعه وأدواته ومجالات نشوئه وتطوره.
وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن كتاب (الزاوية) من الكتب السردية المهمة وذلك بفضل السبق والعوامل السردية التي تضمنها، وكذا طريقة صوغه وبنائه حول تجربة محددة، سواء في ارتباطها بالمؤلف التهامي الوزاني، أو في تداخلها مع تطورات المجتمع التطواني.
[1] – عبد القادر الشاوي: الذات والسيرة، منشورات الموجة 1996، ص:40.
[2] – المذكرات حين تغدو وثائق اجتماعية- تاريخية.
[3] – أعمال ندوة شخصية التهامي الوزاني ومساهمته الفكرية “الزاوية للتهامي الوزاني: الاستجابة والتلقي لعبد القادر الشاوي. وانظر أيضا: المجتمع التطواني من خلال سيرة التهامي الوزاني، ص:107.