يظل موضوع البناء العشوائي يؤرق المهتمين بالشأن العام، لكونه يحتاج إلى فعل ممتد، منظم ومبني على رؤية واضحة، خاصة بعدما ثبت مرارا أن حملات التطهير تبقى قاصرة ومبتورة، بما أنها فعل محدود في الزمان والبناء العشوائي فوضى مؤصلة في المكان. وبين مؤيد لحجية فرض النظام وعدم التساهل في تجاوزه، ومعارض لقساوة الجزاء، ومناد بحلول موازية.. يكون التوضيح القانوني ذا أهمية قصوى في الظرفية الراهنة لفهم جذور المشكل وبالتالي إلتماس مخرجاته..
إن قطاع التعمير ببلادنا يصعب الحديث فيه أو مناقشته؛ لتشعبه وكثرة المتدخلين فيه، ولكن ما يتعين أن يعرفه الجميع، أنه من أجل القيام بأي بناء لا بد من الحصول على ترخيص قانوني؛ يسلمه رئيس المجلس الجماعي، يمر وجوبا من مصالح تقنية تقوم بدراسته من مناح متعددة؛ تبين نوعية العقار المراد فيه البناء ورأي عدة مصالح تقنية، وتوجه خلاصة هذه الآراء بملف طلب الرخصة لرئيس المجلس الجماعي ليقرر فيها.. كما توجه نسخة من هذه الرخصة للسلطة المحلية لإخبارها حتى تتحمل مسؤوليتها في ظل المتعين القانوني المتعلق بكل بناء.
وبدهي أنه متى تضمن الرأي الملزم للوكالة الحضرية أو المصالح التقنية ضرورة اشتراط قانوني فإن الرئيس يكون ملزما برفض الطلب. فكيف الأمر متى تم البناء فوق عقار يملكه شخص معنوي عام؛ بمعنى أنه في ملكية تابعة لمصالح الدولة مثل مصالح المياه والغابات أو الأملاك الجماعية أو الملك البحري..
تأسيسا على هذا، لا يمكن أن يسلم رئيس المجلس الجماعي رخصة البناء فوق أي عقار لا يملكه الطالب، وبشكل أشد فوق عقار في ملكية الدولة، لأنه يكون أولا، تحت مراقبة السلطة المحلية وثانيا، تحت طائلة المحاسبة القضائية.
كيف يتم التّرامي بالبناء على هذه الأملاك؟
على من تقع مسؤولية ذلك؟
بالرجوع إلى القانون، يكلف بمعاينة مخالفات البناء بدون رخصة سابقة والبناء فوق ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية، ضباط الشرطة القضائية ومراقبو التعمير التابعون للوالي أو للعامل أو للإدارة، المخولة لهم صفة ضباط الشرطة القضائية، ويقومون بتحرير محاضر بشأنها. ويمكن لهؤلاء المراقبين أن يزاولوا المراقبة من تلقاء نفسهم أو بطلب من السلطة الإدارية المحلية أو من رئيس المجلس الجماعي أو من مدير الوكالة الحضرية، بناء على إبلاغ بالمخالفة من طرف الأعوان التابعين لهم المكلفين بهذه المهمة، أو بناء على طلب كل شخص تقدم بشكاية. من هنا يتبين أن القانون فتح المجال للتنبيه بوجود مخالفات في البناء، وجعل الكل معنيا بها؛ من الأفراد العاديين، المجلس الجماعي، الوكالة الحضرية والسلطة المحلية.
فكيف يتم البناء في أراضي مملوكة لأشخاص عامة دون يقظة هؤلاء الهيئات؟! ومن يتحمل مسؤولية غض الطرف عن هذا؟ من الوجهة القانونية، الجميع مسؤول عن هذا الانزياح الذي يولد أنماطا فوضوية في العمران، ولا يمكن بالتالي إلحاق المسؤولية لطرف دون آخر.
إلى ذلك، يبقى المتضرر الأكبر في هذا الوضع هو صاحب البناء الذي لم يحترم المساطر القانونية؛ لأن اتباع الطريق القانوني السليم يجنب الوقوع في هذه المشاكل، ويظل التعامي والتغافل الذي يدفع البعض إلى إتيان هذه الأفعال جوهر المشكل؛ بحجة أنه ليس الوحيد الذي يبني فوق هذا العقار، وبخلفية أنه سيستحيل هدم البناء بعد استيطان أسرته فيه.
بقي أن نشير إلى أن بعض المحللين يعتبرون أنه إذا كان من دوافع بعض الأشخاص في البناء العشوائي حاجتهم إلى السكن لكونه حقا من حقوق الإنسان، إلى جانب ضعف وسائلهم وجهلهم بالعواقب، فإنه مع تضافر الجهود، يمكن البحث عن حلول موازية بعيدة عن الهدم وآثاره المادية والنفسية والاجتماعية الوخيمة. في حين يبقى الاتفاق منعقدا بين المحللين على تحميل رئيس مجلس الجماعة والسلطة المحلية مسؤولية هذه الحوادث، لأن الأمر؛ لا يمكن أن يخلو من تواطئ بين الطرفين لصالح حسابات مستنكرة للمصلحة العامة، وباعتبار هذا القطاع من أبرز وجوه الفساد، فإن الدعوة مفتوحة لإصدار تشريع يبين ويحدد الاختصاصات والصلاحيات، حتى يمكن تحميل المسؤوليات وضبط الظاهرة، إذ في ظل الوضع يعتبر الجميع مساهما في الخطأ، ولا يتحمل تبعات كل هذا سوى المواطن الضعيف.