وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
الشاعر أحمد شوقي
يسترفد كل تخليق مواده وآلياته من الأخلاق، والأخلاق جمع خلُق؛ وهو العادة والطبع اللذان يتصف بهما الإنسان. ومن المعروف أن الأخلاق نسبية ومطلقة؛ فهي نسبية عندما تتعلق بقواعد سلوكية في زمن ما لمجتمع ما..وهي مطلقة عندما تكون قائمة على مبادئ مطلقة مثل الحق والواجب والحرية والمسؤولية..
وتأسيسا على هذا يكون الفعل التخليقي مستندا إلى تربية أخلاقية تستدعي معرفة بمناهج سلوك وقواعد انتظام تأخذ طابعا معياريا لتقويم السلوك الفردي والجماعي في ضوء قيم عليا من قبيل الحق والخير والجمال..وهذا الفعل التخليقي يستند إلى التربية لكونها عملية إنسانية مؤصلة وممتدة، موضوعها الإنسان جسدا وروحا، وعقلا ووجدانا، ، وواقعا وأحلاما..
وهذه العملية لا يمكن أن تقوم بها على الوجه الأتم الأكمل سوى المؤسسة التربوية والتعليمية لكونها تكمل المهمات التربوية للأسرة، نشدانا لتنظيم يطور المجتمع ويبنيه على أساس مكين من المنظومة الأخلاقية..
وتذهب الأنظمة التربوية إلى تحميل المؤسسة التعليمية هذا الواجب القائم على ثلاثة أبعاد تربوية يتولاها المدرس(ة):
- بعد عقلي/معرفي..
- بعد بدني؛ يُكتسب من إلمام بعلم الصحة وممارسة الرياضات..
- بعد أخلاقي؛ يستند على إقامة توازن بين النسبي والمطلق في البناء الأخلاقي وتضمينهما في منهاج دراسي دقيق يغطي كل أسلاك التعليم.
التربية الأخلاقية : إطار مفهومي..
أشرنا إلى أن التربية الأخلاقية تستمد موجهاتها من نظام القيم، وهو نظام يبدأ من خلية الأسرة ليتسع ويتعمق في المنظومة الدراسية بهدف:
- اكتساب المستهدف بالتربية شخصية سوية تعي كرامتها وحقوقها وواجباتها ومسؤوليتها..
- شحذ حسه الوجداني وتقوية بنائه أخلاقيا استرشادا بموجهات :
- التهذيب..
- الدقة في الإنجاز..
- الترتيب في الفكر والتنظيم..
- الطهارة الجسدية والنفسية..
- الميل لبناء رفقة خيرة..
- التزام الصراحة والصدق في القول والفعل..
إن هذه المهمات الجليلة لا يمكن أن يقوم بها سوى من أوتي دربة في الموضوع واقتناعا بمضامينه البانية .. والملاحظ أن نظام التكوين لأطر التربية والتكوين مازال يفتقر إلى هذا السند الأساس في استراتيجية التكوين..
وبَدَهيّ أن كل فعل تربوي يتغيّى البناء الأخلاقي يقوم على مبدأين:
- تحرير المستهدفين بالتربية من كافة الإعاقات الطبيعية..
- تهييئ المستهدفين بالتربية لحياة مستقبلية واعدة تحتكم إلى الذكاء والأخلاق..
وهذان المبدءان لا يتحققان في ظل ممارسات سلطوية قهرية، بل يتحققان عن طريق التفهم والاستمالة وإشعار المستهدفين بالتربية بالرضا؛ إذ يؤكد المربون أن نجاح العمليات التربوية والتعليمية مشروط بشعور هذه الفئة بالرضا؛ لأن سحر التربية استمالي إنساني، ولأن المدرس (ة) قائد (ة) وقدوة، فلا بد من بث مشاعر الارتياح والاغتباط في نفوس الناشئة، وهذا فعل لا يقدر عليه إلا من كان على خلق عظيم.
من أجل تربية أخلاقية فاعلة ومؤثرة ..
التربية والتعليم ممارسة في غاية الدقة والهدفية؛ لأنها تُحدِث تأثيرا بنيويا في حياة الناشئة وصولا إلى بناءِ الإنسان معرفيا وسلوكيا، وهي بالتالي تستلزم صفات وفضائل على غرار خدمات الطب والقانون.. غير أن مهنة المربي(ة) تفرض تفانيا ونكران ذات وعطاء دائما..
وأما الأسس النفسية والروحية للتربية الأخلاقية الفاعلة والمؤثرة فتستند إلى جملة حاجات منها:
- الاستقلال.
- الترتيب والتنظيم.
- السلامة والشعور بالطمأنينة.
- التوازن.
ومن أهداف التربية الأخلاقية الفاعلة والمؤثرة :
- بث النظام والهدوء اللازمين لحسن سير العمل في الفصل الدراسي..
- الدقة في احترام المواعيد..
- الانتظام والترتيب..
- الطهارة الجسدية والنفسية..
- الامتثال لتنفيذ التوجيهات البانية..
- الاتقان في أداء الأعمال والفروض..
- المثابرة على بذل الجهد المفيد ..
- اختيار الرفقة الخيرة..
وهذه الأهداف مشروطة بتوفر بيئة تربوية وتعليمية ملائمة ماديا ومعنويا.
ولسنا في حاجة إلى توكيد فكرة رئيسة مؤداها أن التربية الأخلاقية مطلوبة في عالم يعرف تغييرات واختراقات وأخطار تهدد ثوابث المجتمع، وتعرض أبناءه لموجات انحرافات قصوى من قبيل التطرف والعنف والإدمان والتشرد والتسكع..
وتجنبا لكل هذه المآزق فالتربية الأخلاقية هي الحصن الواقي من كل الشرور والجرائم والانحرافات..إننا نتطلع إلى بناء جيل ملتزم معتمد على روح الإخاء والتماسك والتعاضد والوحدة والمبادرة إلى الخير ..
والخلاصة، إن الأخلاق والتخليق قوة لتقويم سلوك الفرد والجماعة، وهي ركيزة أساس تمنح مواطن (ة) الغد أسلوبا حياتيا تسوده قيم عليا.
وهل ثمة قيم أعلى من قيم ديننا الحنيف؟وهل ثمة نموذج أرقى من النموذج المحمدي؟ وخير دليل على ذلك قوله تعالى :”وإنك لعلى خلق عظيم” صدق الله العظيم.