دق التقرير الثاني للمجلس الوطني للصحافة حول أوضاع الصحافة المغربية في ظل الجائحة، ناقوس الخطر، معتبرا أن: “الأزمة العامة التي يعرفها القطاع تعتبر خطرا حقيقيا على الصحافة، التي وصلت اليوم إلى وضعية غير مسبوقة، بالرغم من أنها جربت كل الأزمات والأهوال قبل 5 سنوات”؛ و “المفارقة أنه في ظل “الوباء الإعلامي” الذي تزامن مع الجائحة، ظهرت في المغرب، كما في دول كثيرة، الحاجة إلى الصحافة المبنية على قواعد العمل المهني والأخلاقي، وهذه الصحافة مهددة الآن بشبح الإفلاس”.
وكشف هذا التقرير، الذي أعدته لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع، معطيات عن أوضاع الصحافة بعد الحجر الصحي، في الوقت الذي هم التقرير الأول، الصادر في السنة الماضية، أوضاع القطاع خلال ثلاثة أشهر من الحجر الصحي في 2021 والتي علقت فيها الحكومة طبع الصحف، وسجلت فيها المنشآت الصحافية خسارة قدرها التقرير بـ 243 مليون درهم.
وقد لاحظ هذا التقرير الثاني أن: “مجرد عودة طباعة الصحف بعد الحجر الصحي اعتبر مؤشرا إيجابيا، بغض النظر عن نتائجه الرقمية”، إلا أن هذا الانطباع كان مجانبا للصواب بحيث إن: “الصحف لم تعد كلها للصدور في شكلها الورقي، كما اضطر بعضها الآخر إلى إعادة رسملة أسهمه، وتوقف بعضها الآخر عن الصدور بالنظر للصعوبات التي واجهتها بفعل الوباء”.
وهذا التقرير، الذي اعتمد منهجية وصفية، وارتكز على المعطيات الرسمية المتوفرة عند كل المؤسسات والهيآت المعنية، وكذا على المعطيات المرقمة الدقيقة لكل المتدخلين في القطاع، قدم تشخيصا تركيبيا وتحليليا لكل المؤشرات المرتبطة بمبيعات الصحف الورقية، وأوضاع الطباعة والتوزيع، وحالة الإعلان التجاري، وتقييم الدعم العمومي الموجه للصحافة، والتداعيات الاقتصادية والمهنية والأخلاقية لأزمة القطاع.
وهكذا سجل التقرير، أنه فيما يخص مبيعات الصحف، بعد رفع الحجر الصحي ومقارنة مع ما قبله، تم “تسجيل أسوأ سيناريو ضمن كل السيناريوهات السيئة التي كانت منتظرة”، بحيث قاربت نسبة الانخفاض السبعين بالمائة، وانضاف هذا إلى وضع الإعلان التجاري الذي لم يكن أحسن حالا بحيث قاربت نسبة الانخفاض 65 في المائة، مع استمرار مشكل الصحافة الإلكترونية التي لا تصلها إلا 25 في المائة من المخصصات الإشهارية الرقمية، بحيث تستحوذ شركات الويب العالمية العملاقة على 75 في المائة.
وإذا كان انخفاض المبيعات والإعلانات قد أثر بشكل تلقائي على باقي مكونات سلسلة صناعة الصحف، فإن التوزيع والطباعة ظلا قطاعين مأزومين ظاهريا بشكل موضوعي، إلا أن التقرير يقف على بعض الأسباب الذاتية في تدبير هاتين الحلقتين الهامتين في حياة الصحف، وهي إقدام التوزيع على تنويع نشاطه بحيث أثر هذا على حجم نقاط بيع الصحف، والتقلص المهول لنقاط البيع الحصرية كما أن الطباعة لم تتلاءم تقنيا مع الحاجيات التي أبرزها الواقع الجديد للصحافة المغربية.
وانكب التقرير بإسهاب على الدعم العمومي الاستثنائي الذي خصصته الدولة للصحافة المغربية، ونوه بحجمه غير المسبوق والذي وصل بمناسبة الجائحة إلى ما يقارب 40 مليار سنتيم، واعتبر أنه يعكس العناية التي تُولى لهذا القطاع، إلا أن التقرير، من خلال الفاعلين، وقف على ملاحظات كثيرة تتعلق بمعايير منح هذا الدعم الاستثنائي، والتفاوتات التي عرفها توزيعه، داعيا إلى بلورة تصور تتم فيه مراعاة الدور الذي تقوم به الصحافة وتأثيرها ويكون فيه الدعم العمومي للصحافة ضامنا للشفافية والتوازن والإنصاف.
وعلى غرار التقرير الأول الذي قدم 30 إجراء للخروج من الأزمة، فإن هذا التقرير الثاني يقدم 24 توصية في إطار ثلاثة محاور كبرى أولها “رد الاعتبار للصحافة: الثقة والمصداقية”، والثاني هو: “اعتناق نموذج تنموي ملائم”، والثالث هو: “ملاءمة الموارد مع متطلبات ومتغيرات السوق”.
وستعمل لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع، بعد صدور هذا التقرير، على جمع كل الفاعلين الذين شاركوا في الندوة الوطنية التي نظمتها في 7 دجنبر 2020 حول “مستقبل الصحافة المغربية بين آثار الجائحة والأزمة الهيكلية”، من ممثلي الناشرين والصحافيين والموزعين والطابعين والمعلنين وأرباب وكالات الإشهار والشركات المؤسساتيين، للانكباب على أزمة صحافة “لا ترتبط بالضرورة بآفاق تعافي الاقتصاد الوطني بعد الجائحة ـ كما يقول التقرير- بقدر ما ترتبط بتحديات يتداخل فيها عامل التحول الرقمي ومحدودية سوق الإعلان، وتراجع جمهور القراء، والاختيارات الكبرى في التعامل مع الصحافة، كقطاع استراتيجي له دور أساسي في تعزيز حرية الفكر والرأي وصيانة التعددية ودعم المشاركة في الشأن العام وبناء المواطنة”.