الثقافة القانونية زاد المواطن، تسمح بمعرفة الحقوق والواجبات في أفق بناء دولة قائمة على توازن عقلاني رشيد..
نهدف في هذه الوقفة إلى توضيح صلاحيات واختصاصات كل جماعة ترابية، حتى يتعرف القارئ على مختلف أوجه تدخل الفاعلين السياسيين ومجالات عملهم، في أفق التشجيع على الممارسة السياسية الواعية والمخلقة.
ومن أساسيات المعلومات القانونية معرفة أن النظام الإداري للدولة المغربية يبنى على نظام اللامركزية الإدارية، التي تستطيع بموجبها مجالس منبثقة من الانتخابات تدبير شؤون عمومية محلية، وفق خصوصياتها عبر هيئات تسمى بالجماعات الترابية، فما هي الجماعات الترابية؟
الجماعات الترابية وحدات معنوية اعتبارية، أحدثت من أجل تشكيل مجموعة “تفوض إليهم الدولة” صلاحيات في تدبير قطاعات، يعتبر فيها عامل القرب من المواطن، ومعرفة حاجياته وأولوياته أمورا أساسية، وقد أحيطت الجماعات الترابية بآليات رقابية ضمانا لعدم انزياحها عن المنفعة العامة، لكون الدولة؛ مسؤولة عن حماية الحقوق الواجبات.
وهذه الجماعات الترابية ـ حسب الفصل 135 من الدستور ـ ثلاثة أنواع:
الجهات
العمالات والأقاليم
الجماعات
يتم انتخاب مجالسها لتشكل هيأة تتولى تمثيل الساكنة المحلية التي تمثلها تلك الجماعة الترابية.
الجماعات الترابية مجالس تداولية مشكّلة بعد الانتخابات، تتضمن: مكتبا تنفيذيا، ولجانا ومعارضة، وتختلف مستويات الجماعات الترابية من عدة زوايا:
المساحة الجغرافية التي تغطيها كل جماعة ترابية
أسلوب الانتخاب الذي تتشكل به هذه المجالس
اختلاف وتباين اختصاصات ومهام كل جماعة ترابية
وأما الجماعات فهي أصغر وحدة ترابية. يضم المغرب 1503 جماعة، كانت تقسم إلى جماعات حضرية وقروية إلا أن الدستور الجديد وحدها.
وتتميز الجماعات الكبيرة من حيث الحجم بنظام خاص، يسمى نظام المقاطعات؛ فعلى سبيل المثال تضم مدينة طنجة ـ بتعداد سكانها الذي يصل مليون ـ أربع مقاطعات، هي:
طنجة المدينة
مغوغة
السواني
بني مكادة.
وأما العمالات والأقاليم فهي مجموعة جماعات، تختلف من حيث تسميتها ي تمييزا لها بين الطابع حضري أو قروي..
وبخصوص الجهة، فهي الأكبر مساحة وتضم بالضرورة عددا من العمالات والأقاليم.
يتشكل المغرب من اثنتي عشرة جهة منذ تعديل 2015.
وفي المجمل، يمكن القول:
إن مجموعة من الجماعات تشكل عمالة أو إقليما، ومجموعة من العمالات والأقاليم تشكل جهة.
ومن زاوية ثانية، يمكننا مناقشة أسلوب الاقتراع، وهو يعني الطريقة التي يتم اتباعها في تشكيل المجلس، ونميز هنا بين نوعين:
الأول يكون فيه عموم المواطنين الذين يتم استدعاؤهم للمشاركة في الانتخابات لاختيار المترشح الذي يريدونه، وهو ما يعرف بالاقتراع العام المباشر، وهو الأسلوب المتبع في انتخاب مجالس الجماعات والجهات.
أما الأسلوب الثاني فيطلق عليه الاقتراع غير المباشر، وهو أساس انتخابات مجالس العمالات والأقاليم، ويتميز بكون الأشخاص المعنيين بالتصويت ليسوا من عموم المواطنين، بل من هيئة ناخبة منبثقة من الانتخابات الجماعية، وتتألف من أعضاء المجالس الجماعية التابعة للعمالة أو الإقليم المعني.
ومن حيث الاختصاصات والصلاحيات، تضطلع الجماعات بخدمات القرب، من قبيل: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، النقل الحضري، الإنارة العمومية، التشوير الطرقي، الأسواق الجماعية..
كما يختص رئيسها بإصدار رخص البناء واتخاذ تدابير الشرطة الإدارية في مجالات الصحة والنظافة والسكينة العامة.
أما اختصاصات العمالات والأقاليم فيمكن إجمالها في النقل المدرسي في المجال القروي، إنجاز وصيانة المسالك القروية، إضافة إلى وضع وتنفيذ برامج للحد من الفقر والهشاشة.
وتناط بالجهات ـ بكونها وحدات ترابية كبرى حيث اعتبرها الدستور قاطرة للتنمية ـ صلاحيات جسيمة تهم النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة للتراب الجهوي؛ إذ تشمل اختصاصاتها ميادين التنمية الاقتصادية بما فيها دعم المقاولات، جذب الاستثمار، إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية.. كذلك تنهض بقطاعات التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل، إلى جانب ميادين التنمية القروية والنقل والتعاون الدولي..
تبدو سمات الاختلاف بين الجماعات الترابية واضحة المعالم بناء على المحددات السابقة الذكر، غير أنه لا يمكن إنكار مسألة تشابه وتداخل بعض الصلاحيات والاختصاصات بين الجماعات الترابية، ناهيك عن التنازع والازدواج الذي يحصل بين الجماعات الترابية والقطاعات الوزارية الأخرى المتدخلة ترابيا.