بموازاة مع تنامي تربية بعض الحيوانات الأليفة تشهد مدينة شفشاون في السنين الأخيرة نقاشا حادا حول تكاثر الكلاب الضالة.
وإذا كان الإقبال على تربية الكلاب الأليفة يثير الانتباه اليوم، وغير معروف سببه حقيقة إلا ما قد يمكن اعتباره استيرادا ل “نمط عيش” غربي يتميز بالعزلة و الفردانية المستفحلة؛ وينبني عليه سوق للحيوانات الأليفة -خاصة سوق الكلاب والقطط- يقدر بالملايين أو الملايير، فإن العادة عندنا هي تربية القطط عدوة الفئران، والحمام (الزاجل) وبدرجة أقل الطيور لرمزيتها الخاصة…، فيما كانت تقتصر تربية الكلاب على الوسط القروي، أو ضواحي المدن في أوساط مايسمى ب”العزايب” أو عند “العزابة”، والتي تكون وظيفتها معروفة وهي الحراسة وحماية أصحاب الدار المعزولين من عداء الغرباء.
في مداخل المدينة أو طرقها الدائرية و بصفة عامة الطرق البعيدة عن التجمعات السكنية يستوقفك، من حين للآخر، أشخاص يتفسحون، جريا، مع كلاب من أصناف متنوعة، كما يستوقفك، أحيانا، حتى في أماكن داخل المدينة أشخاص يجرون أو يحملون كلابا صغيرة قد لا ترى، وتسمع من هنا وهناك نباحا كثيفا للكلاب الضالة كدليل على أن غرباء أو منافسين يلجون المكان، من كلاب أو قطط أو غير ذلك..
“ظاهرة” الكلاب الضالة استفحلت أثناء الحجر الصحي وبعده، وهي ظاهرة بقدرما تكون مثارا للسخرية فإنها تشكل مصدر قلق حقيقي، لكون قطعان الكلاب التائهة في أرجاء المدينة صباح مساء تخل ب”النظام العام” لأنها تهدد الأمن الصحي للسكان، إذ قد تعرضهم العضات الغادرة لأنيابها لبروتوكول صحي واجب وصارم وطويل هم في غنى عن قيوده الثقيلة اتقاء لداء السعار الرهيب والمميت لا قدر الله.
إن المعروف سابقا أن المصلحة البلدية لحفظ الصحة بتنسيق مع المصالح البيطرية و بإشراف للسلطات المعنية كانت تنظم دوريا، بوسائلها الخاصة، حملات جد دقيقة للقضاء على الكلاب الضالة بهدف تخليص المدينة من خطرها المحدق على السلامة الصحية و على نفسية الكثير من الناس، أطفالا ونساء ورجالا، الذين يعانون من رهاب الكلاب.
إن معالجة “ظاهرة” الكلاب الضالة، في غياب جمعيات مختصة للعناية بالحيوانات، بات من باب التدخلات ذات الأولوية حاليا، أما ضمان حقوق الحيوان، فإن لا أحد ضده لكنه يستدعي تعبئة إمكانيات هائلة من أجل جمع الحيوانات الضالة و تخصيص أماكن لها والعناية بها صحيا و مأكلا ومشربا، وهو ما يكلف حتى الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا الميدان و يدعمها في ذلك مجتمع مدني مناصر لحقوق الحيوان؛ قوي خطابا وديناميكي ومبادر ممارسة.
ومجمل القول هو أن أمر القضاء على الكلاب الضالة ليس أمرا هامشيا في تدبير الشأن المحلي أو أمرا يدخل في باب الهزل، وإنما هو قضية جدية من اللازم أن تؤخذ بعين الاعتبار من طرف مدبري الشأن المحلي لأنها تندرج في صميم الأمن الصحي والنظام العام، كما تندرج في إطار صيانة جمالية المدينة التي يعتبر القطاع السياحي أهم القطاعات المحركة لعجلة اقتصادها..
عبد الحي مفتاح