الزمن السبت صباحا، المكان “سوق دبارا ” و “سوق الرمل المعروف ببلاصا جديدة” والنسوة ينتظرن قدوم رب بيت لأخد إحداهن للذهاب للاشتغال.
فاطمة واحدة من تلك النسوة صاحبة 60 عاما، أكدت في تصريحات ل “جريدة الشمال” والدموع في عينيها:” أشتغل في المنازل، منذ الساعات الأولى للصباح “كنخدم”، عملي في إحدى العمارات ينطلق من الطبقة السادسة للمبنى إلى آخر طبقة منه، عمل شاق بالتأكيد، مع انعدام المصعد فالأمر يصعب كثيرا، سكان “العمارة ماكيعطيونيش سوارت باش نطلع فيه” وبنبرة حزينة أردفت فاطمة: “كنعيا حانيا على جوج دريال، طرف الخبز صعيب ابنتي”.، فاطمة واحدة من النساء اللواتي يعانين من الظلم والعبودية، نتيجة المعاناة المجتمعية الدونية للخادمات في طنجة خاصة والمغرب عامة.
يعامل مجتمعنا خادمات البيوت بقسوة واحتقار وكأن الخادمات لسن بكائنات بشرية، فأغلبية النسوة الخادمات لا يتمتعن بأدنى الشروط الإنسانية وكأنهن خرقة بالية.
مجتمعنا اليوم لم يقتصر على تشغيل النسوة البالغات فقط، بل أضحت الخادمات القاصرات من شروط أرباب البيوت الضرورية. تبدأ “حياة” (18 سنة) عملها يوميا في أحد المنازل بمدينة طنجة، مع ساعات الصباح الأولى. مهمتها الأولى تحضير وجبة الفطور لصاحب المنزل وأبنائه الأربعة، الذين يستعدون للخروج للعمل والمدرسة، فيما سيدة المنزل لا يبدو أنها ستستيقظ قبل ساعتين على الأقل من الآن لتجد فطورها هي الأخرى جاهزا.
تقول حياة في تصريحات لجريدة الشمال وهي بنت 18 عاما تقدم من البادية للاشتغال: “منذ نعومة أظافري وأنا أشتغل ك “خدامة فالديور مخليت مدوزت”، آخر منزل كنت أشتغل فيه، كان أصحابه يعاملونني بطريقة سيئة، كانوا “كايتعاداو عليا بالضرب والمعيور”. وأشارت حياة في معرض كلامها: “رغم معاملة أصحاب المنازل السيئة لي، إلا أنني أتحمل “على قبل الفلوس”، نظرا لكوني المعيلة الوحيدة للأسرة “واليديا ماخادامينشي انا ليكنصرف”.
مقتضيات قانونية في جهة والواقع في جهة ثانية
جاء مشروع القانون 19/12 المتعلق بالعاملين والعاملات، بثلة من المقتضيات والنصوص القانونية، والتي منع في بعض نصوصها على بعض الأشياء، ك “منع تسخير العامل او العاملة لأداء الشغل قهرا أو جبرا”. غير أن ما نلاحظه على أرض الواقع يختلف جملة ومضمونا، فجل المقتضيات التي منعها القانون، سارية المفعول على أرض الواقع.
ولم تتمكن الحكومات المغربية المتوالية من وضع قانون واضح يحمي الأطفال من تشغيلهم في سن مبكرة، بل على العكس تمت المصادقة في البرلمان المغربي شهر ماي 2018، على قانون يُجيز تشغيل الأطفال دون سن الـ 18 سنة، بشرط الحصول قبل التشغيل على موافقة ولي أمر الطفل، بدعوى أن عدد من الأسر في حاجة إلى تشغيل أبنائها.
ودخل قانون حماية العمال المنزليين الذي تُشكل النساء والفتيات النسبة الأكبر منهم حيز التنفيذ في أكتوبر 2018 ونصّ على أنّ الحدّ الأدنى لسن تشغيل الأشخاص بصفتهم عاملات أو عمالاً منزليين في 18 سنة، غير أنّه يمكن (في فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ) تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، بصفتهم عاملات أو عمالا منزليين، شريطة أن يكونوا حاصلين من أولياء أمورهم على إذن مكتوب مصادق على صحة إمضائه، قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهم. إلّا أنّ هذا الاستثناء أثار انتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية، إذ سيظل ساريا لغاية 2 أكتوبر 2023. وأن تشغيل الأطفال أقل من 18 سنة لن يصبح ممنوعاً إلّا بعد هذا التاريخ.
الفقر وعدم اكتراث الوالدين
يعد الفقر من بين الأسباب الرئيسية، التي تجبر معظم العائلات على تشغيل بناتهن في سن مبكرة جدا، كخادمات في البيوت، دون أن يكترتوا لما سيتعرضن له من معاملة سيئة.
فمعظم الفتيات القاصرات اللواتي يتم تشغيلهن يعانين في صمت، يشتغلن بين 12 و15 ساعة يوميا كما يعانين من “قلة النوم وقلة الأكل”، يتعرضن لاعتداءات جنسية ويتقاضين مبلغا زهيدا يستخلصه الوالد رأس كل شهر.
تبقى ظاهرة تشغيل الخادمات في المغرب من بين الظواهر الشائكة في المجتمع، فهن يعانين في صمت، بسبب ضغوطات أسرهم وضغوطات المجتمع التي لا ترحم.
سهيلة أضريف