بسم الله الرحمان الرحيم
الترسل هو نوع من الإنشاء الأدبي، أخذ مكانته الكبيرة إلى جانب الشعر والخطابة، لحاجة المجتمع العربي الماسة إليه. وتحفظ لنا المصادر القديمة العديد من الأسماء التي لمعت بشكل لافت في هذا الميدان
أمثال عبد الحميد الكاتب، والجاحظ، وشهاب الدين محمود وغيرهم كثير.
والرسائل أنواع كثيرة، منها الرسالة الصوفية، يبعثها الشيخ إلى مريديه الذين يشقون طريق التصوف، حيث يكون مضمونها هو نصح هؤلاء المريدين وإرشادهم وتذكيرهم بفضائل الطريق، وحثهم على التمسك بالأخلاق والآداب.
ويعتبرالشيخ سيدي الحاج أحمد بن عبد المومن الغماري، رحمه الله تعالى، أحد أعلام الفكر الديني بالمغرب. ويجمع الذين تحدثوا عنه أنه كان شيخا جليلا مهابا، سخيا، زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، كثير الذكر والمذاكرة ، اجتمع له علم الظاهر والباطن والمشاركة في مختلف العلوم. وعلى الجملة، فلم يكن له نظير في زمانه.
وسأعرض نموذجا من رسائله الصوفية، حاولت دراسته وتحليله، كي تكتمل الصورة لدينا عن هذا الجانب الفني في أدبنا العربي والإسلامي عامة، والمغربي خاصة. وهذا نصها:
” إخواننا في الله وأحباؤنا في ذاته، السادات الكرام الأجلة ،الأعلام البررة الأحلام، حومة واد الرشاشة، عمّرها الله بأهلها وكثّر عددهم، وقوّى مددهم، من مدينة فاس، أمنها الله من كل بأس خاصا وعاما، كبارا وصغارا، ممن عرفنا اسمه كسيدي الحاج علي الرامي، وسيدي المهدي بن سليمان، وغيرهم ممن لم نعرف اسمه. سلام على جميعكم ورحمة الله تعالى و بركاته و بعد:
أكرمكم الله بما تقربه أعينكم من دينكم و دنياكم، وعاملكم من فضله فوق ما تؤملونه، وإليه مأواكم ، فموجبه إليكم لحاجة السؤال عن أحوالكم أجراها الله على غاية مرادكم و تجديد العهد و المودة، وتحريك الأسباب الموصلة والمحبة، أدامها الله بيننا إلى لقائه بلا علة ولا فتور. وأوصيكم وإياي بالتقوى، وترك الشكوى، وارتكاب الدعوى، والصبر على البلوى، والرضى عن الله فيما به يتجلى. وبعمارة مسجدكم بالذكر والصلاة والتلاوة، وسائر القرب من التعلم علم الإخلاص الذي به يقع الخلاص، ويثبت الاختصاص. وبالاجتماع على الله بأدبه الذي هوالاستماع و الاتباع و تعظيم أمره وتفخيمه، إذ على قدر التعظيم يقع الانتفاع، فمن عظم الله بقلبه، و امتثل أمره، واجتنب نهيه، بظاهره وباطنه، قذف في قلبه حبه الخاص به، وزهّده في كل ما سواه، وسهل عليه مفارقة الشهوات، و الملذوذات حتى لا يضيع له وقت من الأوقات في غيرعبادة الله، ولو كان في سوقه وطلب معاشه، لانجماع همه على الله وإيثاره ذكره على من سواه، ولايقصد بحركاته إلا التقرب إلى الله، ولا يبخل بنفسه، ولا بما تعلق بها في جانب الله، إذ لا ينال أحد البرمن الله حتى ينفق ما تحب نفسه في سبيل الله، وأقرب الأحبّاء إليه نفسه، فمن أنفقها لا يكبرعليه سواها، ويأخذ ثمنها في الآخرة والأولى، ففي مقره جنة المعارف، وفي الآخرة الزخارف، والنظر إلى وجه الله الكريم.
وحضروا العلم في عادتكم لتدخلوها في عبادتكم، ولا ترجعوا القهقرى، وواسوا الفقراء، وآثروا صحبة أهل الله، المحبين لله لعباده وعباده إليه، وتقربوا إليهم بالبذل والإصغاء، واغتنموا أوقاتكم فإنها لا عوض لها، وإياكم والتسويم فإنه بطالة. ولا تغفلوا عن ذكر الله في أنفاسكم ولحظاتكم، فإنكم تجدون لذلك بركة لم تخطر لكم ببال. واعلموا أننا لازلنا على محبتكم، وعهدكم و شكر إحسانكم و السلام. و قد بلغنا ما أنتم عليه من الثبات، زادكم الله وكثر خيركم، ومرادكم، وجزاكم خيرا عنا و عن أنفسكم، وسلموا على الجميع سلامكم دعاة الخير. عدده سيدي الحاج أحمد بن عبد المومن الغماري الله وليه ومولاه في : 2 من صفر الخير عام 1263.”
توجد هذه الرسالة، ضمن مخطوط، توجد منه نسخة واحدة، بالخزانة العامة بتطوان. وهو عبارة عن مجموعة رسائل لمؤلفها ” أحمد بن عبد المومن الغماري”.
يتكون جسم هذه الرسالة من ثلاثة أقسام :
أ / الابتداء أو الاستهلال
ب / العرض والاستدلال : ويتضمن؛ إظهار سبب المكاتبة من الشيخ لمريديه، والمتمثل في ضرورة سؤال الشيخ عن أحوال مريديه، وتجديد عهد المحبة والمودة بينهم. ثم نصائح الشيخ لهم.
ج / الختام : بالدعاء لمريديه، وتجديد العهد لهم، ودعوتهم إلى الثبات على ما هم فيه.
تتعدد الحقول الدلالية في النص، وتصب كلّها في نواة دلالية كبرى، هي سؤال الشيخ عن أحوال مريديه وتوجيه النصائح اللازمة لهم، بما يراه مناسبا والطريق التي سلكوها، وينبغي عليهم عدم تضييع حقوقها وواجباته . وهكذا نجد الحقول الآتية:
* حقل دلالي تنظيمي: وتمثله العبارات والألفاظ الآتية ) فموجبه إليكم لحاجة السؤال عن أحوالكم أجراها الله على غاية مرادكم وتجديد العهد والمودة، وتحريك الأسباب الموصلة، والمحبة أدامها الله بيننا إلى لقائه بلا علة ولا فتور) وقوله ( واعلموا أننا لازلنا على محبتكم وعهدكم).وفيه نجد الموضوعات الآتية:
1ـ السؤال عن الأحوال: وهو الموجب لإرسال هذه الرسالة من الشيخ إلى أتباعه من المريدين. فهو يؤدي حقا لهم عليه يراه واجبا في تفقد أحوالهم، وذلك حال الراعي مع رعيته في الإسلام، مصداقا للحديث الشريف: ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” على صاحبه أفضل الصلاة والسلام . وهو بذلك يضرب لهم المثل أيضا، في ضرورة السؤال عن بعضهم البعض وتفقد أحوال بعضهم بعضا، مصداقا للحديث الشريف: ” مثل المؤمنين في وتوادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
2ـ تجديد العهد والمودة: وفي الثبات على العهد ضمان من الانحراف والزيغ وتفرق الكلمة، مصداقا لقوله تعالى: ” والموفون بعهده إذا عاهدوا “، وللحديث الشريف: ” مثل المؤمنين فيما بينهم كمثل البنيان يمسك بعضه بعضا، أو يشد بعضه بعضا”.
*حقل دلالي تصوفي: ونجد فيه الموضوعات الآتية:
1ـ الذكر: وهو من المواضيع الرئيسية في الفكر الصوفي، ونجده في قوله: ” وبعمارة مسجدكم بالذكر” وفي قوله: ” لانجماع همه على الله وإيثاره ذكره على من سواه “، وقوله: ” ولا تغفلوا عن ذكر الله في أنفاسكم ولحظاتكم”. وتكرار الدعوة إليه بهذا الشكل، يبين أهمية الذكر في المبادئ الصوفية، مصداقا لقوله تعالى:” فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا”، فهو يدعوهم إلى أن يكون الذكر هو زادهم الذي لا تتوقف ألسنتهم عنه في كل نفس يتردد من أنفاسهم، لأن في دوامهم على الذكر، ضمان لاستحضارهم الدائم لله تعالى في قلوبهم، مما يدفعهم إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتطهير أنفسهم من شهوات الدنيا وأدرانها التي تجرهم إليها، بينما الله يريد منهم أن يضعوا الآخرة نصب أعينهم ومدار حركاتهم وسكناتهم” فمن عظم الله بقلبه، وامتثل أمره، واجتنب نهيه، بظاهره وباطنه قذف في قلبه حبه الخاص وزهده في كل ما سواه، وسهل عليه مفارقة الشهوات والملذوذات حتى لا يضيع له وقت من الأوقات في غير عبادة الله”، مصداقا للحديث الشريف: ” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”، وللحديث الشريف: ” أيما امرئ اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر الله له “.
3ـ الصلاة: فهي عماد الدين الأول، والصوفي حريص كل الحرص على أن يقوم بواجباته الشرعية على أحسن الوجوه ” وبعمارة مسجدكم بالذكر والصلاة والتلاوة “. فاجتماع ذكر الله في المسجد مع الصلاة وتلاوة القرآن والأوراد، أمور من شأنها أن تمنح الصوفي حصانة كبرى ضد كل نزغات الشيطان، مصداقا لقوله تعالى: ” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين “، وللحديث الشريف:” وما جلس قوم مجلسا يتلون كتاب الله عز وجل ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.
4ـ التقوى والصبر: وهما سلاح المريد في الطريق الصعبة والشاقة التي نذر نفسه لها، ويظهر ذلك في قوله: ” وأوصيكم وإياي بالتقوى، وترك الشكوى، وارتكاب الدعوى، والصبر على البلوى، والرضا عن الله فيما به يتجلى”. فعلى المريد أن يتسلح بتقوى الله في كل وقت وحين، وألا يشتكي من سوء أصابه، وأن يرضى ويسلم بقضاء الله وقدره، وأن يصبر في كل أحواله، مصداقا لقوله تعالى: “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” وقوله أيضا: ” وبشر الصابرين”، وقوله تعالى: ” والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون”.
5ـ الإخلاص: ونجده في قوله: ” وسائر القرب من التعلم علم الإخلاص، الذي به يقع الخلاص، ويثبت الاختصاص”. والإخلاص هو أن يريد العبد بعلمه وعمله وجه الله تعالى دون غيره، فيستحضره في كل أعماله الدينية، بل والدنيوية الخاصة جدا ” حتى لا يضيع له وقت من الأوقات في غير عبادة الله، ولو كان في سوقه وطلب معاشه، لانجماع همه على الله وإيثاره ذكره على من سواه، ولا يقصد بحركاته إلا التقرب إلى الله”، مصداقا للحديث الشريف: ” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما”.
* حقل دلالي جهادي: ونجد فيه الموضوعات الآتية:
1ـ بذل النفس في سبيل الله: ويتجلى ذلك في قوله: ” إذ لا ينال أحد البر من الله حتى ينفق ما تحب نفسه في سبيل الله، وأقرب الأحباء إليه نفسه، فمن أنفقها لا يكبرعليه سواها، ويأخذ ثمنها في الآخرة والأولى، ففي مقره جنة المعارف، وفي الآخرة الزخارف، والنظر إلى وجه الله الكريم”. فالجهاد في سبيل الله ببذل النفس والنفيس، هو من أوجب واجبات المسلم الحق، مصداقا لقوله تعالى: ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون “. وقول نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلم: ” سألت رسول الله أي العمل أفضل قال الصلاة على ميثاقها، قلت ثم أي قال ثم برالوالدين، قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله”.
2ـ الثبات على العقيدة: ونلمح ذلك في قوله: ” ولاترجعوا القهقرى”، وقوله: ” وقد بلغنا ما أنتم عليه من الثبات، زادكم الله وكثر خيركم، ومرادكم”. ذلك أن أخوف ما يخافه الصوفي، والمؤمن عامة، أن يعتري إيمانه فتور أو نكوص أو تراجع، فيحبط عمله، ويضل عن طريق الله، مصداقا للحديث الشريف الذي أوردته سابقا: ” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”.
* حقل دلالي اجتماعي: ونجد فيه المضامين الآتية:
1ـ مواساة الفقراء: ونلحظ ذلك في قوله: ” وواسوا الفقراء”. ويمكننا أن نأخذ هذا اللفظ بمعناه الضيق العائد على جماعة المريدين، الذين من أخص صفاتهم، حب الفقر والافتقار. كما يمكننا أن نأخذه بمعناه العام، الدال على عموم فقراء المسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم سئل: ” يا رسول الله: أي الناس أحب إليك؟ قال: أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه، أو تطرد عنه جوعا”.
2ـ صحبة أهل الله والبذل بين أيديهم: وذلك في قوله: ” وآثروا صحبة أهل الله “، ذلك أن صحبتهم تقوي إيمان النفس مما يشاهده المرء من حسن سلوكهم، وقوة إيمانهم، وحسن ثباتهم على الحق. وليس أصدق من محبة بين اثنين من محبة في الله سبحانه وتعالى، مصداقا للحديث الشريف:” وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله”.
3ـ حسن استغلال الوقت وتجنب الرذائل: ونجد ذلك واضحا في قوله: ” وامتثل أمره، واجتنب نهيه، بظاهره وباطنه ” وفي قوله: ” واغتنموا أوقاتكم فإنها لا عوض لها، وإياكم والتسويم فإنه بطالة”. فالشيخ يخاف على أتباعه أن يحلّوا ما حرم الله على عباده من المنهيات، مصداقا للحديث الشريف:” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”. ولقد بيّن لهم من قبل كيف يشغلون وقت فراغهم بذكر الله في المساجد، وفي كل الأوقات بألسنتهم وقلوبهم وحركاتهم، ذلك أن الفراغ مفسدة للنفس وللعمل إذا قضي في غيرما يرضي الله.
تلك بعض المضامين التي تضمنها هذا النص، على صعوبة الفصل بينها، ونسبتها إلى حقل دلالي دون آخر، ذلك أنها تأخذ بتلابيب بعضها البعض، في كونها منهاجا ودستورا على من أراد خير الدنيا والآخرة أن يضعه لنفسه شريعة ومنهاجا، قولا وفعلا، ظاهرا وباطنا، نصح بها الشيخ أتباعه ومريديه وأحبابه في الله، مصداقا للحديث الشريف:” الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.
هذا فيما يخص بالمحتوى، أما فيما يتعلق بالتركيب والأسلوب؛ فأول ما يستوقفنا في التركيب غلبة الجمل الفعلية القصيرة على النص، كقوله مثلا: (وحضروا العلم في عاداتكم لتدخلوها في عبادتكم، ولا ترجعوا القهقرى، وواسوا الفقراء، وآثروا صحبة أهل الله) والأمر يجد تفسيره في كثرة الأفعال التي يطلب الشيخ من أتباعه فعلها أو تجنبها، وتواترها على لسانه، قياما بواجب النصح والدعوة. كما تكثر الجملة الشرطية الموضحة للفعل: ” فمن عظم الله بقلبه، وامتثل أمره، واجتنب نهيه، بظاهره وباطنه ” وجزاء الفعل: ” قذف في قلبه حبه الخاص به، وزهد في كل ما سواه ” .
وفي الأساليب يغلب الأسلوب الإنشائي على النص المتمثل خصوصا في الأمر: ” وأوصيكم وإياي بالتقوى، وترك الشكوى، وارتكاب الدعوى، والصبر على البلوى” والنهي: ” ولا تغفلوا عن ذكر الله في أنفاسكم ولحظاتكم”؛ والأمر يجد تفسيره أيضا في طبيعة العلاقة التي تربط الشيخ بأتباعه والتي توجب نصحه لهم، وهي علاقة المريد بالشيخ أولا، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم ثانيا.
والنص يتخذ السجع أسلوبا له: ” وأوصيكم وإياي بالتقوى، وترك الشكوى، وارتكاب الدعوى، والصبر على البلوى” وذلك لتأثيره الموسيقي في النفوس من جهة، ولكونه كان الطابع الغالب على الأسلوب الإنشائي في عهد الشيخ.
وفي الختام ، لا بأس أن نشير إلى ما تحمله رسائل الشيخ سيدي الحاج أحمد بن عبد المومن من قيمة علمية وفنية فلقد تضمنت هذه الرسائل، كما رأينا في النص ــ النموذج الذي عملت على دراسته وتحليله، أبعادا علمية وتربوية هامة:
أ ـ فمن حيث البعد العلمي، تقدم هذه الرسائل نظرة واضحة عن الفكر الصوفي في الإسلام عامة، وفي المغرب خاصة، كما أننا نكتشف بين سطورها قواعد هذا العلم الجليل، من مثل ما ينبغي توفره في المريد حتى يصل إلى مبتغاه من العلم والمكانة الرفيعة في سلك المتصوفة، وما يستوجب من العلاقات الطيبة بين الشيخ ومريده، وما شاكل. ومن جهة أخرى فهي تقدم لنا فكرة واضحة عن الدور الذي لعبته الزوايا والطرق الصوفية المغربية في تحصين الشخصية الإسلامية في المغرب، خصوصا وأن العصر العلوي عصر تكالبت فيه الأطماع الأجنبية على المغرب. وهكذا حملت هذه الرسائل بين طياتها أبعادا تربوية هامة، عملت على نسج الشخصية المغربية المتدينة المتخلقة، التي تراعي في ظاهرها وباطنها اتباع طريق الحق، ووصايا الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، مسترشدة بالفطرة الدينية السليمة والعقل المدرك الرشيد.
ب ـ ومن حيث البعد الفني، فإن هذا النص يقدم لنا فكرة عن أسلوب الرسائل الفنية في المغرب، في بداية العصر العلوي، وكيف لم يخرج عن المألوف السائد في هذا الفن، من اتباع قواعد محددة في العرض والتنظيم، والافتتان بالأسلوب البديعي المسجوع.
دة. نبوية العشاب