ذات يوم تساءل جورجي زيدان حول الرواية التاريخية وقال ما فائدة الرواية إذا لم تضف جديداً للتاريخ،او ما الفرق بين الرواية والتاريخ إذا!!؟؟ فبعد نهايتي من قراءة رواية منفي موكادور للدكتور امحمد لشقر
صراحة تشكلت عندي رؤية جديدة وواضحة مغايرة تماما عما كنت عليه قبل الإطلاع على هذا النص الروائي حول شخصية ارقايذ حدو لكحل البقيوي،الذي به ستفتح صفحات هذه الرواية نحن في عام 1948 يقول الراوي،أنا قائد حدو بن حمو لكحل ، النائب السابق لوزير خارجية جمهورية الريف،مؤسس وقائد جهاز مخابراتها، مؤسس القوات الجوية لحكومة دولة الريف ، طيار. عملت من 1921 إلى 1926 إلى جانب الفقيه عبد الكريم الخطابي،رئيس الجمهورية الريفية حتى آخر لحظة من عمرها في وقت لم ينفع معه شيئا سوى الإستسلام للفرنسيين حيث سلم الرئيس نفسه لفرنسا
اعتقلني الجيش الفرنسي في 27 مايو 1926 في تارجيست بالريف.
بقيت سجينا لبضعة أشهر في معسكر عسكري في أزمور،ثم وُضعت رهن الإقامة الجبرية في موكادور مع الحظر النهائي والمطلق لمغادرة المدينة وهذا الإجحاف في حقي مستمر حتى هذا اليوم.
إنها حقا الرواية التي تتبعت كل التفاصيل لشخصية حدو لكحل من جذورها الأولى لتعود بالقارئ إلى الماضي التاريخي، لتعقب مرحلة الحرب التحررية الريفية والمقاومة المسلحة بين فترة 1921/1926.من أجل التنقيب في الأحداث بمنظار البحث عن الحقيقة بمنهجية علمية وبتمعن ودراسة وتحليل نقدي، وهنا سيتضح وسيبدو كل العمل الجبار والمجهود الرائع للأستاذ الدكتور امحمد لشقر، القائل أنه ليس مؤرخا وأن تجربته في الكتابة حول الذاكرة والتاريخ ستأخذ كل الوقت الكافي في السرد،والحكي،ليخبرنا من خلال الرواية عن أدق التفاصيل قد تبدو لنا غير مهمة ولكنها اكيد ستمنح الراحة الخاصة والصدق والإخلاص إلى الرواية،روايتنا، قصتنا فاللجوء إلى الرواية في كتاباتي هو الذي سوف يعطي النكهة الخاصة ويسمح لي باستعادة الحقيقة ، حقيقتي حول الأحداث التي أتحدث عنها في هذه الرواية
.من خلال الوثائق التي اطلع عليها،لجمع كل المعلومات عن القائد حدو لكحل،من وثائق، وشهادات، ومستندات، وسجلات تاريخية سمحت لي بتصعيد البحث إلى حده الأقصى في محاولة لمعرفة شخصية الرواية، دور القائد حدو لكحل في هذه المرحلة التاريخية بالتحديد،هذه المرحلة التي ستمكن كاتب الرواية في الإستدلال بما هو معروف عما هو مجهول، محاولا بكل تفاني الكشف عن الجوانب الغامضة لتاريخ حرب الريف التحررية والمقاومة المسلحة لصد الهجوم،توغل الإستعمارين الإسباني والفرنسي في الريف.
بتحرر تام من كل ما يمكن أن يضع الباحث الروائى في موقف التحيز،بوعي مسبق عن أن فساد المادة التاريخية أو التاريخ يرجع أساسا في كثير من حالاته إلى أهواء المؤرخين و ميولاتهم وهذا ما نجح وتوفق فيه الباحث الأستاذ والدكتور امحمد لشقر في روايته التاريخية منفي موكادورمصورا لنا تاريخ الريف وجسده بطريقته الفنية اشد تأثيرا من بعض كتب التاريخ الجافة التي جعلت من تجربة الريف التحررية مثابة مادة تجارية فقط
فرواية منفي موكادور،من خلال قراءتي الأولية هي حقا أقرب للحقيقة التاريخية من بعض كتب المؤرخين،لأنها جعلت بالدرجة الأولى الشخصيات التاريخية في حرب الريف والتجربة الريفية في المقام الأول وتقيدت
الرواية ثانيا بحقائق التاريخ التي لا غبار ولا جدال فيها،اعادت القارئ لإحياء ذكرى الماضي بامجاده،وانتصاراته،بخيباته وانكساراته دائما في قالب الصدق التاريخي والنزاهة والشفافية والتحيز في السرد للوقائع والأحداث يكون الراوي فيها أقرب من شخص المؤرخ لما فيه من احساس وشعور بالمصير يبعث في الذاكرة الشعبية المعاصرة تلك الظلال العظيمة،والتذكير باللحظات المجيدة من تاريخ الشعب الريفي العظيم،فهذا هو التزاوج الذي احدثه الكاتب بين الرواية والتاريخ،تزاوج انجب كائنا ورقيا يحمل إسم على مسمى منفي موكادور.
محمد أجطار