اعتقدت دائما أن المرة الأولى والحقيقية، التي انتبه فيها والدي لوجودي، كانت حين نشرت أول محاولة شعرية لي بإحدى صفحات جريدة
«العلم »، في الفاتح من يناير سنة 1992
خرجت من الثانوية فترة الظهيرة، فوجدت والدي بانتظاري، محملا بصندوق ثقيل من الكتب والمعاجم والمجموعات الشعرية. أسعدني ذلك
كثيرا وأحزنني أيضا. أسفت لأنه لم يفعل ذلك من قبل، لم يفكر أنني بحاجة إليه هو، وأن حياتي كانت قاسية في غيابه.
كنت مراهقة تكتب وتنشر محاولاتها البسيطة، كي تلفت انتباه والدها وتدفعه للتفكير في صيغة جديدة لتوثيق الصلة بينهما.
وهذا ما حدث جزء منه ، كان أبي يحتفظ بقصاصات لمحاولاتي الشعرية والقصصية، ويتناقش بشأنها مع أصدقائه المثقفين في محله لبيع
التحف القديمة.
لم تكن لي طموحات كبيرة حينها بشأن الكتابة. كنت فقط أطمح أن أكون مرئية وموجودة في هامش من حياة والدي.
بعد فترة بدأت أتضايق من متابعته لي. لم أتقبل معاتبته لي حين أتكاسل وأهمل الكتابة والنشر. لم يكن ذلك ما أردته فعلا . كنت أريد من
خلال الكتابة، أن اجعله ينتبه لي كابنة تعيش حالة يتم حقيقي في وجوده.
كل نصوصي وكتاباتي- حتى الآن- ممهورة بالحزن والحرمان والفقدان. ترددت كلمة «الأب » عندي بصيغ متعددة وصور شتى. اعتقدت
صادقة أو واهمة، أنني التحفة الحقيقية التي لم يستطع والدي أن يحوزها عنده.