تابع المبحث الثاني: النور في استعمال الشعراء
لم يكتف شعراء المتن باستعمال كلمة”النور” وحدها في شعرهم، وإنما كانت هنالك كثير من الألفاظ الدالة عليها بالإضافة إلى صيغها المختلفة؛ فهناك مثلا: السراج والاشتعال والتوهج والاحتراق والضوء والبرق واللمعان…وكلها تؤول إلى هذا المصطلح المحمل بدلالات صوفية في كثير من الأحيان. وفيما يلي مسرد بالمجموعات الشعرية والقصائد التي ورد بها هذا المصطلح:
ا- الأمراني:
I-القصائد السبع:
1-أحلام حفيد صاحب الرأس 10
2-القصعة 48
3-مزامير 53،56.
II-الزمان الجديد:
4-وأصلي لك أيضا أيتها الفاكهة المحرمة 17.
5-تسعة عشر 26.
6-توقيعات في زمن التحول المعاق 49.
7-أنا سيد العاشقين 52.
8- الموقف 59.
9- كأس اليقين 61.
10-الموت والمدينة الزاحفة 73.
11-صلوات المستضعفين 85،93.
12-السنبلة 157.
III-مملكة الرماد:
13-استغراق 11.
14-وحيدا أصلي 17.
15-من كل جهات الأرض 19.
16-كفلق الصبح 21،22
17-العطش 24.
18-إيكار 36.
19-مملكة الرماد 40،42.
20-معزوفة الغريب 72.
21-مقام الحزن 77.
22-مقام الظمأ 83.
23-مقام الحبيب ساعة التجلي 90.
IV-ثلاثية الغيب والشهادة:
24-المجنون 14،16،17،19،20،24،27.
25-البستان 37،39،42،44،45،46.
26-اعتذار إلى أبي أيوب الأنصاري 74.
V-جسر على نهر درينا:
27-أطفال سراييفو يتحدون الحصار 59.
VI-قصيدة الإسراء:
28-قصيدة الإسراء 17،18.
VII-يا طائر الحرمين(ديوان المغرب الشرقي):
29-عجز الأيام 37 30-تاج محل 44،45،47.
31-المسلم 68.
VIII-سآتيك بالسيف والأقحوان:
32-الدخول إلى حدائق إقبال السندسية 48،51،52.
33-نار سرنديب 63.
34-مكابدات ابن عمر 72،74،76،79.
35-حكاية الشيخ صنعان 85،86،88،89،91،92
36-من حراء 100،103،104.
37-آي الرماد 106،108،109.
IX-المجد للأطفال والحجارة:
38-ومضات 20.
39- الحان 27.
40-الزلزلة 62.
41-ريش الجليل 100.
ب-الرباوي:
I-أطباق جهنم:
1-ورقة من ملف الاعتراف 36.
2-حب 39.
II- البيعة المشتعلة:
3-الأربعون 15.
4-نحن من ماء 27.
5-قصائد في زمن الرعب 37.
III-الولد المر:
6-سبو سيد العشاق 35.
7-التهمة 39.
8-العصافير تنتفض 52.
IV-الأحجار الفوارة:
9-العاشق الملحاح 31.
10-لك الملك 53.
V-أول الغيث:
12-منطق الورد 7،9.
13-مغربنا وطننا 11.
14-كأس من رماد 22،23،24،25.
15-إغاثة الأمة بكشف الغمة 29.
ج- بنعمارة:
I-نشيد الغرباء:
1-أغنيات في حدائق شيراز 23.
2-غنائيات النوارس الحزينة 32.
II-السنبلة:
3-الرسم بلادي وأناشيدي 43.
4-من كلمات النهر 51.
5-مقام ترتيل الصمت 56.
6-المحراب 75.
7-هي الآن شراع يمشي 78.
8-التأويل 80.
يقف شعراء المتن من “النور” مواقف متعددة بسبب اختلاف السياقات التي ورد بها. وإن كان لا مجال للمقارنة بين حسن الأمراني من جهة والرباوي وبنعمارة من جهة أخرى من حيث كثافة الاستعمال وتنويعه، فكما هو واضح، فإن النور يشيع بشكل لافت في أشعار الأمراني وخاصة في مجموعتيه “ثلاثية الغيب والشهادة” و”سآتيك بالسيف والأقحوان”، مما قد ينبئ بوعي خاص، وقصدية ملحة على استحضار دلالات هذا المصطلح في شعره. وبالنظر إلى الوضعيات المختلفة التي أتى بها في شعره وشعر صاحبيه يمكن الحديث عن “النور” ضمن الموضوعات التالية:
-فقدان النور/-النور/الهدى/-النور وغير النور/-النور/المرأة/ -أنوار إلهية.
- فقدان النور:
نجد هذه الموضوعة موزعة في شعر الأمراني والرباوي على الشكل التالي:
1-الأمراني:
لقصيدة المجموعة الشعرية الصفحة مزامير القصائد السبع 53.
من كل جهات الأرض مملكة الرماد 19.
العطش ……… 24.
البستان ثلاثية الغيب والشهادة 42.
نار سرنديب سآتيك بالسيف والأقحوان 63.
من حراء ………………….. 100.
آي الرماد ………………….. 108.
الحان المجد للأطفال والحجارة 27.
2-الرباوي:
حب أطباق جهنم 39.
منطق الورد أول الغيث 7.
كأس من رماد ……… 22.
أما بنعمارة فلم يتضمن شعره شيئا عن هذه الموضوعة.
ففي “مزامير” يجعل الأمراني من انطفاء المصباح رمزا لاستتباب الظلمة وانغلاق سبل الهداية ويريد الشاعر أن يعبر بذلك عن تيهه وضلاله؛ وبدلا من أن يوقد مصباح قلبه بالإيمان سرق قطرة من حجر المعبد فلاحقته اللعنة:
فمن أين الطريق؟
انطفأ المصباح
وجف زيته، سرقتُ قطرة من حجر المعبد
لاحقتْ خطاي اللعنةُ الغضبى.
وفي قصيدة “من كل جهات الأرض” نجده مهتديا كما ينبغي أن يكون الاهتداء، بل إنه بعين الهداية هذه يرى كيف أن الحضارة المعاصرة، أو الأرض، تظمأ للنور وهي السابحة فيه! فهو قريب منها غير أنها لا تعرف كيف تهتدي إليه، ومن ثم لا تدري غايتها من المسير وخاصة في هذا الزمن الذي يقول عنه الشاعر إنه من شدة الضلال لا يعرف فيه المقتول قاتله ولماذا قتله:
من كلِّ جهات الأرض أجيء
تُزَملني التقوى
وتَراتيلي الصبوات المشتعلة
من كل جهات الأرض أجيء
لأعلنَ في الناس جميعا
أني ـ يا ضامئة للنور وسابحة في النورـ
أحبكِ في زمن
( لا يعرف فيه مقتول قاتله
ولماذا قتله)
أما في قصيدة (العطش) فيرجع الشاعر إلى ضلاله هو حيث يصف قلبه بأنه مشكاة ظامئة للنور:
قلبي مشكاة
قد ظمئت للنور
وأراني بين سراديب التيه
أطوف أركض كالمجنون
ولا يخرج الشاعر عن هذين الفضاءين حين يتحدث عن فقدان النور. فإما أنه يفتقده في ذاته ـ وهذا هو الأمر الغالب ـ وإما أنه يفتقده في الخارج. وفي كلا الأمرين يتعامل مع النور كدال على الهداية. ولا يذكر الشاعر دائما سبب فقدان النور إلا أن ذلك يستفاد من السياق العام كما في النماذج السابقة. وقد يعود ذكر السبب من عدمه إلى المعنى الذي يريد أن يجعله الشاعر في الواجهة. ومن ثم لا يعنيه استكناه الأسباب دائما. وفي النموذج الأخير “الحان” يذكر الشاعر عدوا من أعداء النور وهو “الغواية”. يقول:
برد الإيمان في قلبك يا قلبي
وغالت نورَك الوهاجَ أغلالُ الغـَواية.
وصياصي ذاتِك الشماءُ أضحت شِلوَ آية.
وعلى غرار الأمراني تأتي نماذج الرباوي للحديث عن الهداية المفقودة. لكن عند الرباوي على مستوى الذات وحدها. وقد جاء ذكر افتقاد النور تارة بأسلوب خبري وأخرى بأسلوب إنشائي يقول في قصيدة “حب” [البسيط]:
مولاي كان رؤوفا بي فأنقذني من بؤرة التيه في حقل بلا نور([1])
ففي هذا الخبر ما يدل على أن الشاعر كان مفتقدا للنور فأنقذه الله من الضلال. أما في قصيدة “منطق الورد” وهي متصلة بذات الشاعر أوثق اتصال؛ فبعد مشهد يصور فيه غرق هذه الذات وهبوب الرياح عليها من”الغرب”يقول:
هل يطلـع النور من غابة لـم يَمـُـرَّ بها الغيث، لم
تحتَـرق بِرُضاب غزالة هذا الصباح ؟ فأين اختفى وجهُ
هذي الغزالة
فهذه الذات التي تراكمت عليها الظلَم يستحيل، حسب الشاعر، أن تشع بالنور، ولا وجه لإنقاذها إلا بنور خارجي يحرق عنها العوالق التي تحول بينها وبين ملامسة النور. وهذا النور الخارجي يتمثل في الغزالة التي هي هنا الشمس([2]). وهي نور الهداية الإلهية التي يبحث عنها الشاعر.
ونفس المعاناة نجدها في “كأس من رماد” حيث ييأس الشاعر من زيارة النور لقلبه ما دام أسيرا لرغبات الجسد، أو للغواية حسب تعبير الأمراني السابق. وهنا نجد مقابلة بين الطين والنور كما سيأتي في بعض النماذج. والغلبة هنا للطين حيث يشكل مانعا(من الموانع التي ذكرها ابن الخطيب آنفا) للنور من التسرب إلى قلب الشاعر:
كيفَ يزورُ النور خَرائبَ هذا القلب
وما زالَ أسيرَ الصدأ المسنون.؟
فهذه النماذج تعكس معاناة الشاعرين من عوامل الضلال في الوقت الذي يرغبان فيه في التخلص منه؛ مما يعكس جوا من الصراع والتوتر الداخلي على مستوى الذات يعاني منه الشاعران بين الواقع القاتم والممكن الذي يحلمان به، مع تسجيل تميُّز خاص للأمراني الذي ينقل هذا التوتر إلى الخارج؛ حيث الذات المهتدية المستنيرة تواجه عالما أو أفئدة مظلمة غُلفا، كما في قصيدته السابقة “من كل جهات الأرض”، وكما في قوله مثلا من قصيدة “البستان”:
وما عاد للحب معنى
بعدما غاض نور السماوات في الأفئدة
يحذركم نفسَه
ثم ينذركم بماء وطين./.
[1] – نظمت القصيدة سنة 1972 وربما كانت من أقدم القصائد ذات الاتجاه الإسلامي عند الرباوي دون أن يكون له وعي آنذاك بمفهوم “الأدب الاسلامي”.
[2] وجاء في إحدى رسائل الشاعر إلى صاحب البحث أنه يقصد بالغزالة الشمس. وفي القاموس المحيط(غزل) أنه يقال لها كذلك “لأنها تمد حبالا كأنها تغزل”.
د. المختار حسني