تابع المبحث الثاني: النور/الهدى
– النور/الهدى:
استعمل “النور” في العنصر السابق بمعنى الهدى والإيمان، ولكن تم التركيز هنالك، لمقتضيات التحليل، على هاجس الفقدان على مستوى الذات والموضوع. أما هنا فإن الأولوية ستكون للإشارة إلى دلالة المصطلح على الهدى والإيمان؛ وهذه مواضعه في شعر المتن:
-الأمراني:
القصيدة المجوعة الشعرية ص
1-أحلام حفيد صاحب الرأس القصائد السبع 10
2-أنا سيد العاشقين الزمان الجديد 52
3-الموقف ………… 59
4-صلوات المستضعفين ………… 93
5-السنبلة ………… 157
6-وحيدا أصلي مملكة الرماد 17
7-مقام الحزن ………… 77
8-أطفال سراييفو يتحدون الحصار جسر على نهر درينا 59
9-عجز الأيام يا طائر الحرمين 37
10-قصيدة الإسراء قصيدة الإسراء 18
11-مكابدات ابن عمر سآتيك بالسيف والأقحوان 74
12-آي الرماد …………… 106
13-ومضات المجد للأطفال والحجارة 20
14-الزلزلة …………… 62
15-ريش الجليل …………… 100
-الرباوي:
1-ورقة من ملف الاعتراف أطباق جهنم 36
2-سبو سيد العشاق الولد المر 35
3-العصافير تنتفض ………… 52
4-العاشق الملحاح الأحجار الفوارة 31
-بنعمارة:
1-الرسم بلادي وأناشيدي السنبلة 43
2-المحراب ………… 75
– الأمراني:
في تعامل الأمراني مع “النور” كرمز للهداية؛ يمكن التمييز بين ما هو ذاتي يتحدث فيه الشاعر عن نور متعلق بنفسه، وبين ما هو موضوعي حين يتعلق الأمر بنور يخص موضوعا خارج هذه الذات. دون أن يعني هذا التقسيم انعدام التفاعل بين هذا وذاك؛ فما الأول إلا طريق إلى الثاني وما هذا إلا وسيلة لجذب الأول وإثارته كما سيتضح من خلال بعض الأمثلة. الذاتي تمثله النماذج (1،6،7،9،12،14)، والبقية للموضوعي في توازن ظاهر بينهما. يقول في المثال الأول:
آتيكَ مشبوبَ الإراده
آتي وأنوارُ اليقين تفيض من قلبي
وفي شفـَتـَيَّ تراتيل العباده
هذا دمي متوهجا يا معشر الأحباب
من أين الطريق إلى عراجين الشهاده
الخطاب موجه هنا إلى “الفجر” حسب السياق القريب لهذا المقطع، لأن الشاعر لم يرد أن يكون مثل أولئك الذين لم يستجيبوا للفجر فكان مصيرهم كما وصفهم قبل هذا المقطع:
أآن يوم الْمَعادْ
أم أنه الطوفان عاد
أم أنه الموت الكبير يلف في بُردَيه
مَن لم يستجب للفجر واتشحَ السواد؟
فهذا الصنف الذي يتشح “السواد” ويلفه الموت في “برديه” يزداد عمىً عن رؤية الفجر لكثافة الحجب التي تحول بينه وبين رؤية النور. أما الشاعر فبعكس ذلك يجعل قلبه موصولا باليقين الذي يُفيض على قلبه من أنواره ويجعل دمه متوهجا تواقا إلى الشهادة. فالنور كما هو واضح هنا يرمز به الشاعر للإيمان والاهتداء إلى سواء السبيل. وفي موضع آخر يقوم الشاعر بنفسه بشرح المقصود من النور؛ يقول في النموذج رقم(6):
وفي نور جرحي اكتشفتُ طريقي المقدس:
هذا هدى.
وفي النوع الثاني يرتبط “النور” في شعر الأمراني بالصحوة الإسلامية على الخصوص([1]) وإن كان ذلك لا يستفاد من السياق بطريقة مباشرة، وذلك مثل قوله في النموذج(2) مخاطبا ما يمكن اعتباره تلك الصحوة:
وأنتِ التي بين خطين تحترفِين التوهج:
خط الخروج خط الوصول
ألا ما أشد حنيني إليكِ وأنتِ بقربي
أنت مَن يحمل السيف غِبَّ السفر
ومن يسكب النور في الأفئدة
وتمرين شامخة الرأس لا تركعين
ويُبصر أنوارَك الحرسُ الملكي
فترتعد الأعمده
كيف أرادوكِ فينا غرابا؟
وفي كل الحالات فالمهم أن النور هنا لا يشع انطلاقا من الشاعر، وإنما يأتي من الخارج ويجذب الشاعر إليه في الوقت الذي يثير الرعب في أعمدة القصر.
2-الرباوي:
يرتبط النور عند الرباوي، كما عند الأمراني، بما هو ذاتي وموضوعي. ففي مجال الذات يشير الرباوي إلى اهتدائه ومعاناته من الغربة (بمفهومها الإسلامي) فيقول مخاطبا ذاته، على الأغلب، في النموذج(4):
تريدين
يؤلمني أن تظلي هنا
في السما
قمرا يتلألأ نورا
وليس يشاركه في السما
حزنَه نجمةٌ واحدة
أما نماذجه الباقية (1،2،3) فواضحة الارتباط بنور موضوعي؛ ففي النموذج (1) مثلا يشير إلى اهتدائه بعد ضلال طويل؛ وكان سببَ اهتدائه رؤيتُه ل”نور” أنقذه ورسم فوق ذاته ربيعا من الومضات[الرمل]:
وتـَـراءيــتِ أخيــرا مـوجـــةً من ضياء وجلال الحركات
أيْقَظَتني حملَــــــــتني من يـدي نقشَت فوقي ربيع الومضات
ثم حطّتْني على سطح المنى عاشقا يـلقاك في كـل صلاة
وفي النموذجين (2،3) يرى الرباوي نورا آتيا يكتسح القلوب ويحتل المواقع؛ في إشارة منه إلى الصحوة الإسلامية المعاصرة. وفي النموذجين معا يرد ذكر النور مقرونا بالأشجار التي تشير إلى أسطورة الزرقاء للدلالة على معنى الزحف وملء الفضاء وتحقيق النصر. يقول في النموذج (2) وقد ربط النور بالهدى:
ها هي الأشجارُ تلتف هنا، تحمل في أغصانها
الرعبَ وتمشي، تحمل الأحجارَ في أوراقها الخضر
وتمشي، تحمل النار وتمشي، النورَ، تمشي هي
ذي تدنو من القلعة فجرا…
فجميع هذه الاستعمالات على المستوى الذاتي والموضوعي لا تخرج عن معنى الهدى بمعناه الديني وإن كان الشعر يضفي عليها من غرابته، حين يجعل من الأنوار، بما يضيفه إليها على سبيل المجاز، أشياء وكائنا يَحمل ويُحمَل.
3-بنعمارة:
أما بنعمارة فيظهر بأنه أقل اهتماما بمصطلح “النور” من الشاعرين الأمراني والرباوي، وقد استعمله على الأقل مرتين مغلبا في هذا الاستعمال الجانب الموضوعي لتتسنى له المقابلة بينه وبين ظلمات الذاتي؛ يقول في نموذجه(1):
يستدير الغبار
وتسكنني دهشة الظلمات
ووجدة وجه مجرد وجه
-عبرت المدى ورائحة الموت تتبعني كالنسور
عبرت المدى وبين يديك ينابيع نور
ويقول في نموذجه(2) وقد استعار النور للبسملة:
ها هو الآتي من الطين
يشق الجسم نصفين
تطل الآن منه السنبله
تنحني
فيضيء الليلَ نورُ البسمله
[1] – قد يرتبط لديه بالقرآن الكريم كما في قصيدته “تاج محل” من مجموعته الشعرية “يا طائر الحرمين” في قوله:
لا وحق المسجد الجامع والنور الذي أنزل من قبل
ما كنت لأبغي قمرا غيرك في ليل وجودي – ديوان المغرب الشرقي؛ 45.
د. المختار حسني