الصيف هو الموسم الذي تتحرك فيه نسبة هامة من البشر داخل كل بلد على حدة وكذا بين البلدان والقارات، كما أنه هو الموسم الذي تنظم فيه أكثر الأعراس و الحفلات والعروض الخاصة والعامة، وبالتالي فهو زمن الحصاد و جني الحصائل بامتياز حيث فيه ترتفع وتيرة الأرباح و الاستهلاك..
وعطلة الصيف لذلك هي التي تتبوأ حقيقة مكانة الفترة الزمنية الفارقة اجتماعيا و اقتصاديا خلال السنة وإن كانت أعياد نهاية السنة تحتل رمزيا الفاصل الزمني بين سنة وأخرى جديدة.
في السنة الماضية خلخل فيروس كورونا المفجع النظام الذي سار عليه العالم، حيث اضطرت الدول إلى التكيف داخليا وفيما بينها مع هذا الضيف الثقيل و المربك، فتقلصت نسبة الحركة بشكل عام، وكان موسم الصيف في كثير من البلدان والبلدات فاترا على غير العادة وسبب معاناة اقتصادية واجتماعية ومالية لا يزال مفعولها ساريا لحد الآن و لاتزال جراحها ندية..
وموسم الصيف لهذه السنة يطل علينا الآن حيث لا يفصلنا عنه إلا أقل من شهر، وكثير من دول العالم، مع دخول المعطى الجديد في معادلة الوباء و المتمثل في توفر اللقاح و تسارع عمليات التلقيح، تهيئ بشكل منفرد أو جماعة، ولو بغير قليل من الحذر، مواطنيها لكي تترقب، على أحر من الجمر، الصيف وتخطط له بتحديد الوجهة و الحجز، حيث، على سبيل المثال، عمل الاتحاد الاوروبي ترتيبات لإخراج جواز صحي من أجل تسهيل السفر و تحريك السياحة، وفي نفس الإطار تقوم أيضا العديد من الدول منفردة خاصة تلك التي تعتمد على السياحة كمصدر اقتصادي رئيسي للمداخيل، كاليونان وإيطاليا..، بالدعاية المكثفة لجذب السياح باعتماد وسائل جديدة للإغراء تتكيف مع الظرف الوبائي الحالي الذي تعيشه البشرية. كما ستقوم دول باستثمار الجواز الصحي داخليا للتشجيع على الإقبال على العروض الثقافية والثقافة والرياضية… و التحفيز على الاستهلاك بصفة عامة.
في بلدنا لم تعلن الحكومة لحد الآن عن أجندة خاصة للتخفيف من القيود خلال موسم الصيف، في حين أن وتيرة التلقيح تسير بشكل لا يمكن وصفه لا بالبطيء ولا بالسريع، لكن المحتمل جدا هو أنه عند حلول الصيف لن نكون في أحسن الأحوال قد وصلنا إلى تلقيح ثلثي الكتلة المستهدفة من عملية التلقيح (سن 17 فما فوق)، في حين أن العديد من الدول غيرت، في الأيام الأخيرة، استراتجياتها التلقيحية حيث تعول على تلقيح أكثر من 80 في المائة من سكانها لتحقيق المناعة الجماعية و الحد من تنقل الفيروس إلى الحد الأدنى، وبالتالي فإنها بعضها شرع أو سيشرع في الشهور المقبلة في استهداف الفئات التي عمرها 12 سنة فما فوق كذلك.
الإيجابي في بلدنا هو أن أرقام الوباء في منحنى ثابت منذ عدة أسابيع، إلا أن الضبابية تسيطر على المشهد، إذ لا نعرف أهمية الإقبال على التلقيح بالنسبة لكل الفئات العمرية التي استهدفت عبر مراحل ( إجمالا ما يقارب 8 م/ الجرعة1 و 5 م الجرعة2)، كما لا نعرف تقديرات تتعلق بالحائزين على المناعة بعد التعرض للمرض (رسميا ما يفوق 517 ألف حالة)، ثم إن الفئة الشابة تحت 45 سنة لم تشملها عملية التلقيح بعد، كما أن فتح البلد على الخارج عامة ، وأمام الدول التي تقطن بها جاليتنا خاصة لم يتم البت فيها حاليا. وإذا اعتمدنا على تجربة السنة الماضية فإن موسم الصيف و عيد الأضحى الذي تصادف معه كما سيتصادف معه في السنة الحالية، كان هو الفترة التي شكلت إرباكا للجميع دولة و مجتمعا وبالتالي فإن من الاستشراف الحساب لهما تنظيميا حتى لا يتكرر ما لاينبغي أن يتكرر.
فهل سنستطيع دولة و مجتمعا ملء الفراغات والتغلب على الهفوات و تجاوز النواقص التي وقعنا فيها السنة الفارطة لننجح موسم الصيف والعيد هذه السنة أم سنترك الحال يسير على حاله و الأمور تسير على طبيعتها و هواها؛ فلربما ننزع كثيرا إلى بذل الوقت والجهد في التخطيط على الورق، فيتجاوزنا الواقع بميكانيزماته الخفية و قوانينه العصية، فنضطر إلى اللحاق به ومداراته في كثير من الأحيان بعدما نفشل في التحكم فيه بما خططناه على الورق سدى؟ !.
عبدالحي مفتاح