مقدمة: أصبح الطب الرياضي يحتل مكانة محورية في المنظومة الرياضية العالمية ، فالوصول الى الكمال في الأداء الرياضي يتطلب متابعة دقيقة للممارس تشخيصا و تعبئة و أداء فمواكبة، فماهو الطب الرياضي ؟ و ما هي مجالاته ؟ أقسامه و غاياته؟ و ما هو واقع ممارسة المهنة بالمغرب ؟ وماذا عن وضعية العاملين في القطاع ؟
* تــعـــريــــف الـــــــطــب الـــريــاضـــــــــي :
يعرف الطب الرياضي بأنه ” أحد العلوم الطبية التي تدرس وظائف الأعضاء والحركة، وما يتأثر بها أو يؤثر فيها. وهو علم يدرّس في أغلب
جامعات العالم،وبداية ظهوره في أستراليا والولايات المتحدة الأميركية في الستينات من القرن الماضي. وهو أحد التخصصات الطبية الحديثة الذي يتم فيه تطبيق مختلف الفروع الطبية من خلال النشاط البدني عامة، والممارسة الرياضية خاصة، في حين أن مفهوم الطب العام يقول بعودة الفرد بعد الإصابة إلى حالته العادية، نجد أن الطب الرياضي يعود باللاعب بعد إصابته كما كان قبل الإصابة وبنفس درجة لياقته البدنية والفنية العالية. ويختص الطب الرياضي كعلم طبي حديث في بحث وعلاج التطورات والتغيرات الوظيفية والتشريحية والمرضية المختلفة في الجسم الناتجة عن نشاطه الحركي في الظروف العادية والمختلفة”. |
” كما أنه يبحث أيضاً العلاقات التطبيقية الوثيقة لمختلف الفروع الطبي في أداء وممارسة النشاط العادي والرياضي للفرد، وقد ساهم الطب الرياضي الحديث
في إثراء العلوم الطبية وفتح آفاق المعالجة بالحركة والطاقة كبدائل طبيعية من خلال مجموعة من البحوث والدراسات والمعلومات المفيدة. كما شارك
الطب الرياضي الحديث في تقييم وتطوير أساليب علم التدريب الرياضي، وبشكل عام ينقسم إلى قسمين رئيسيين، هما علوم الطب الرياضي التي تشمل كل
العلوم الطبية الفسيولوجية والبيولوجية والمرضية والعلاجية والوقائية الخاصة بطب الرياضة، أما القسم الثاني فيختص بإصابات الملاعب والعلاج الطبيعي التأهيلي،
ويشمل الجوانب الوقائية والتشخيصية والعلاجية وكل الجوانب التأهيلية فيما بعد الإصابة، تمهيداً لعودة اللاعب إلى نفس مستواه كما كان.و بشكل عام فإن علم الطب
الرياضي يعتبر مجالا ثريا، والمجتمع بحاجة ماسة ليتعرف عليه عن كثب للاستفادة منه وقاية وتأهيلاً ووعياً.يهتم علم الطب الرياضي بكل النواحي الطبية التي تتعلق
بالرياضة والرياضيين من وقاية وتشخيص وعلاج وتأهيل وعناية بالتغذية المناسبة ومقاومة لاستخدام العقاقير المنشطة. وتعتبر الإصابات الرياضية أحد فروعه الرئيسية،
إلى جانب فسيولوجيا المجهود البدني التي تضم الوظائف الحيوية للجسم، كعمليات التمثيل الغذائي وتوليد الطاقة أثناء ممارسة النشاط الرياضي. وتكمن أهمية الطب
الرياضي في نشر الوعي الصحي بين اللاعبين وفي الأندية وأماكن إقامة اللاعبين والبيئة التي يتفاعلون فيها”.
* هـــــيكــــــلــــــة قــــطـــــــــاع الطــــــــــب الــــــريــــــاضـــــي بـــــالمـــــغـــــرب :
ينظم قطاع الطب الرياضي بالمغرب المرسوم الصادر يوم 21 يناير 1986 و المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الشباب والرياضة كالتالي :
مهام قسم الطب الرياضـي :
1) وضع تقييم منتظم للخصاص المتواجد على مستوى البنيات التحتية الطبية المتخصصة، وبرمجة الاقتراحات اللازمة والضرورية في إطار ميزانية الوزارة الوصية؛
2) برمجة توظيف الأطر الطبية المختصة وتنسيق الأنشطة الطبية داخل المراكز الطبية الرياضية التابعة مباشرة لوزارة الشباب والرياضة أو للجمعيات الرياضية؛
3) اقتراح مشاريع قوانين في مجال التتبع الطبي للرياضيين ومحاربة التعاطي للمنشطات؛ بالتعاون مع الهيآت والمنظمات الدولية التي تسعى إلى مكافحة ظاهرة تناول
المنشطات في المجال الرياضي ونخص منها :
- الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات .
- اللجنـة الدوليـة الأولمـبـيـة .
- اللجنة العلمية لمنظمة للكونفجيس .
- اليـونــســكــو .
بالإضافة إلى بعض الهيئات الدولية والقارية التي تعمل في نفس المجال.
4) اقتراح ووضع اتفاقيات الشراكة والتعاون مع بعض الجامعات التعليمية، وتدريس تخصص الطب الرياضي داخل كليات الطب المغربية؛
5) المشاركة في الأنشطة والأوراش العلمية الرامية إلى التكوين المستمر للأطباء وللممرضين والمروضين،بتنسيق مع مختلف الجهات المختصة؛
6) السهر على تطبيق عقدة التأمين الخاصة بإثنى وعشرين(22) جامعة رياضية وطنية من طرف شركة التأمين.
ولضمان قيام القسم بمهامه، تم خلق مصلحتين تابعتين مباشرة لهذا القسم:
- مصلحة الطب الرياضي ومراقبة المنشطات.
- مصلحة التأمينات الرياضية.
و لتفعيل هذه الرؤية سعت الدولة الى انشاء مراكز مختصة وعيا منها بأهمية تواجد الوحدات الطبية المتكاملة والمجهزة داخل جميع الهيآت الرياضية محليا، جهويا ووطنيا.
* واقـــــع الطـــــــب الـــريـــاضـــي بالمـــغــــــرب :
رغم كون المغرب يقدم نفسه بكونه أمة رياضية بامتياز عربيا و قاريا ، الا أنه يبقى على مستوى الواقع متأخرا عن هذه النظرة و هذا ما يعكسه بجلاء واقع
الطب الرياضي، الذي رغم الاهتمام الاعلامي لازال لم يأخذ المكانة اللازمة و الضرورية داخل الحقل الرياضي المغربي ان على مستوى التنظير أو الممارسة ..
و اجمالا يمكن حصر مشاكل القطاع على النحو التالي .
على مستوى الهيكلة و التنظير :
– غياب تخصص أكاديمي في شعبة الطب الرياضي ينتج أطباء متخصصين في المجال.
– تركز أهم منشآت و مراكز الطب الرياضي داخل محور الدارالبيضاء – الرباط ، مما يعني أن باقي الجهات محرومة من خدمات مراكز كهذه .
– غياب قانون يجبر الفرق على توفير أطباء متخصصين في الطب الرياضي فأغلب الفرق تستعين بأطباء الطب العام أو ممرضين فقط ، وهناك
فرق يكون فيها المدرب هو طبيب الفريق.
على مستوى الممارسة :
– لا يتجاوز أطباء الاختصاص الرياضي فرق الصفوة ، يتقدمها فريق الجيش الملكي الذي يستفيد من خدمات و تجهيزات المستشفى العسكري
و ثلاث فرق أو أربع فقط ، أما الحديث عن ممارسة طبية بالمستويات الدنيا فيعد نوعا من الترف لغياب مقومات الممارسة الرياضية السليمة أصلا.
– ملفات اللاعبين الصحية تكون فب الغالب غير محينة ، و عمليات التتبع تكون في أحسن الأحوال على فترات متباعدة أو مناسباتية .
– غياب بنية طبية داخل الملاعب المغربية ، و حضور سيارات الاسعاف يبقى بدوره مناسباتيا .
– بالنسبة للأنواع الرياضية الأخرى يلاحظ غياب شبه تام لأي ممارسة طبية.
و عموما يبقى الحديث عن ظروف اشتغال مهنيي قطاع الطب الرياضي حديثا مغلوطا ، لغياب ممارسة بالمعنى المتعارف عليه ، فالقطاع غير مؤطر
لغياب الرؤية و الارادة لدى الجهات الوصية التي لا تتحرك الا عند الحوادث المؤسفة ، دون ان يتنج عن هذا التدخل تأسيس لممارسة مقننة و دائمة ،
فالنقاش الذي أثارته النهاية المؤسفة للاعب الوداد يوسف بلخوجة سرعان ما طوي و فتر الحديث عنه و ما تم الاتفاق بشأنه كان مجرد نوايا لم ترق الى
التفعيل. مما يشيع حالة من اليأس يجعل بعض أطر القطاع تختار الهجرة الى بلدان سبقتنا في هذا المجال كبلدان الخليج مع العلم أن المتخصصين لا يتجاوز عددهم
360 مختصا معترفا به 5 في المئة منهم فقط موظفون ،و هذا أمر غير صحي بالنسبة لبلد يسعى للقطع مع أساليب الهواية ،و دخول عالم الاحتراف.
ان الممارسة السليمة للفعل الرياضي لا بد أن توفر لها البنية السليمة ، فالرياضة المغربية تمارس بصيغة الهواية المنفلتة من المراقبة و المسؤولية ، و هذا
يعني أنه لا يمكن ضمان انخراط فعلي لجميع المكونات الرياضية من اجل اعطاء الطب الرياضي المكانة التي يستحق داخل المنظومة الرياضية ، و هو ما عبر عنه
الدكتور عبد المالك السنتيسي خلال ندوة حول الطب و الرياضة شهورا قليلة فقط بعد حادث يوسف بلخوجة ” أنه للأسف لا تزال الأندية متقاعسة في هذا الجانب،
وهناك فتور في تفعيل هذه القوانين الإلزامية ،رغم المطالب الملحة من قبل جمعية الطب الرياضي بإخراج عدد من التوصيات التي قدمناها للجامعة إلى حيز الوجود،
وخاصة توفير سيارات إسعاف طبية داخل الملاعب، إضافة إلى تنصل عدد من الفرق من إجراء الفحوصات الكاملة للاعبيها بحجة غلائها وعدم توفرها
على الإمكانيات المالية اللازمة،” مشددا على ضرورة الضغط على الأندية من أجل تطبيق القانون.
ياسر بن هلال