حين يأخذنا الحديث إلى الطب والأطباء، والداء والدواء، تجدنا نتساءل عن الطب النفسي، ولِمَ لا يواكب التقدم الذي عرفه العالم في عدة مجالات.
وغالبا ما نخرج بنتيجة واحدة، هي أن الأمراض العصبية والنفسية، لم تجد من يعالجها، أو يصف الوصفة المناسبة لها، بوسائل عصرنا هذا، وأن النفس عصِيَّةٌ على الفهم، لا يستطيع سبر أغوارها وفك طلاسيمها، إلا الراسخون في العلم، والمتمكّنون منه.
فأنت إذا استنجدتَ بطبيب نفسي، فإنه لا يملك إلا أن ينصت إليك، ويطيل الإنصات، وقد تستغرق مدة الإنصات ساعة كاملة من الزمن، تخرج بعدها بوصفة قوامها المُسكنات أو المهدئات التي ستجعلك طريح الفراش، خاملا خامدا، لا تستطيع أن تحرك ساكنا، أو تُسكّن متحركا.
ومع الأيام، تصبح مدمناً لهذه الأقراص المخدرة، فتصاب في ذاكرتك، وتصاب في حواسك كلها أو بعضها، وتؤثر العزلة، وتفضل البعد عن الحياة والأحياء.
دليلي أو شاهدي على ما أقول، هذه الأم التي أصيبت في ولدها، فلمْ تتحمَّل المصاب، وأخذت صحتها تسوء يوما بعد يوم، فلما نصحها الأقرباء بزيارة طبيب نفسي، ازدادت حالتها تدهورا.
والعُقدة التي كان يمكن استكشافها أو الكشف عنها في الجلسات الطبية، التي خضعت لها، هي عقدة الخوف، الخوف من المجهول، الخوف من الغد، الخوف من قلة ذات اليد، الخوف من الحسد، الخوف من أن تمتدّ يَدُ الغدر إلى ابنها الثاني، الخوف من لا شيء، ومن كل شيء.
لو وضع الطبيب يده على هذه العقدة، وحاول تفكيكها بما آتاه الله من حكمة وفصل الخطاب، لما وصلت المسكينة إلى ما وصلت إليه.
وأعود فأقول: إننا نخرج من هذه الدردشات بحصيلة واحدة، هي أن الطب النفسي لم يواكب التطور الهائل الذي عرفه العالم في ميدان التسلح، أو في وسائل الاتصال والمواصلات، أو في ميادين أخرى.
وأنا هنا لا أتحامل على هذا التخصُّص أو أتهم المتخصصين فيه – كان الله في عونهم- بالتقصير، وإنما أتطلع إلى المستقبل القريب، علّه يأتينا بالجديد، لتسليط الضوء على هذه البقعة العميقة الغور من نفوسنا، واستخراج أسرارها ومكنوناتها.
وما هذا على همم أطبائنا بعزيز.
مصطفـــــــــى حجاج