تقديم:
يعدّ البحث في تراجم الرجال واستقصاء أحوالهم، وكشف مسارات حياتهم من الأهمية بمكان، ذلك أنّه يدخل في الكتابة التاريخية، التي صنّف فيها العلماء، واستفرغوا فيها جهدهم، وسال بسببها مدادهم، فبفضل هذه الكتابات حفظت لنا أخبار أقوام مضى تاريخيهم، وانمحت آثارهم، فصاروا طيّ النسيان، وكثير ما هم.
ومن التراجم المحلية التي لم تُسلّط عليها الأضواء بالشكّل المطلوب، ولم تُعط حقّها في الدراسة، ترجمة العالم الموسوعي، والمفسر الكبير، والصوفي الشهير، سليل أُسرة العلم والمجد والرئاسة، سيدي عبد الوهاب بن محمد بن عبدالوهاب لوقش الأندلسي أصلاً، التطواني داراً ومنشأ، الطنجي هجرةً ووفاةً (ت: 1341هـ)، وهو العالم الذي وصلنا تفسيره الكبير (نصرة الإسلام في إخراج مقامات الدين من القرآن)، والذي بفضله استطعنا أن نصل إلى عمق شخصيته، وغزير علمه وفكره.
ولمّا كان هذا العالم الكبير المتوفى بمدينتنا عروس الشمال (طنجة)، من الأعلام الذين لم يُكتب عنهم بما يليق بشخصهم، كتابة مستوفية لعناصر ترجمته، أحببنا أن نتحف قُرَّاء جريدة (الشمال) الرائدة، بترجمة مفصلة عن سيرته ومسيرته.
…تابع
-3- الفقيه الحاج عبد الكريم لوقش، وقد كان من الشجاعة والفضل بالمحلّ الأرفع، ولاّه السلطان سيدي محمد بن عبد الله عمالة تطوان، نحو ستّة أو سبعة أشهر. وتوفّي نحو عام 1220هـ، ودفن باب المقابر من تطوان[1].
-4- ولده عبد الوهاب بن عبد الكريم لوقش، الفقيه العلاّمة الأديب، الطّبيب الماهر النطاسي، رقيق محبّة آل البيت النبوي. (ت: 1262هـ) وقد وصفه العلاّمة أحمد الرهوني بأنّه (كان يتعاطى أنواع العلوم، وخصوصاً علوم الطّبّ وأعمال الصيدلية، ويخدم كاتباً مع القائد محمد بن عبد الرحمن أشعاش في ديوانة تطوان، ثم سافر للحجّ، فقضى آخر حياته بأشرف البقاع بعد المدينة المنوّرة)[2].
-5- محمد العربي بن علي لوقش، كان من الفقهاء العدول بتطوان، واستمرّ عدلاً من عام 1251هـ إلى عام 1272هـ، وكان إماماً بضريح سيدي السعيدي، وتوفي في طريقه للحج عام 1272هـ، قبل وصوله مكة[3].
-6- ولده العلاّمة المشارك، الطّبيب النّطاسي، والعالم الميقاتي محمد بن عبد الوهاب لوقش. (والد المفسّر) ولد رحمه الله عام (1229هـ) مدينة تطوان، (ت: 1320هـ). وستأتي ترجمته ضمن شيوخه.
-7- ولده الفقيه المفسّر الصّوفي، العلامة عبد الوهاب لوقش، وهو المقصود بالترجمة (ت:1341هـ) بطنجة.
هؤلاء من بين أشهر أفراد أسرة لوقش، التي كان لها في وقت ما، الفضل والشهرة، والثراء، والوجاهة. والإحاطة بجميع أفراد الأسرة والكلام عليهم فرداً فرداً يحتاج إلى جزء مستقل، وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق.
المبحث الثالث: بيئته ونشأته.
عاش العلاّمة عبد الوهاب لوقش في وسط علمي، صوفي بامتياز، فقد كانت تطوان في وقته تعجّ بالزوايا، وشيوخ التّربية، كان من أبرزهم الشيخ الصّوفي السيد عبد السلام بن ريسون الذي كان خاتم شيوخ التربية الصوفية في القرن الثالث عشر الهجري.
كما تعتبر أسرة لوقش العريقة في العلم والرئاسة، والمناصب السامية، وبذلك صارت أكبر معين له لينشّأ نشأة علمية صافية، ويتربّى في وسط امتزج فيه العلم بالتصوّف والجاه، ولكنّ طفولته وبراءته كانت شاهدة على حرب تطوان التي يسمّيها الإسبان (حرب إفريقيا)، فحضر على مأساة الحرب، وخروج أهل تطوان فارّين بدينهم وأبدانهم، في حالة ملؤها الذّلة والضعف والقهر من طرف الإسبان.
كما لا نغفل أنّ عصر المترجَم عرف كثيراً من الاضطرابات والفتن، التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، والتي حكم فيها السلطان الحسن الأول وثلاثة من أبنائه، وهم: السلطان عبد العزيز، وأخوه عبد الحفيظ، وأخوهما يوسف. وكانت فترة حرجة جدّاً.
المبحث الرابع: دراسته وشيوخه.
- شيوخ الدّرس:
-1- (والده): العلاّمة المشارك، الطّبيب النِّطَاسِي، والعالم الميقاتي محمد بن عبد الوهاب لوقش (1320هـ)[4]:
وقد تحدّث الابن عن والده في التفسير، وروى عنه أخباراً[5] تتعلّق بأهل الله وخاصته، وأموراً اخرى لها علاقة بتاريخ تطوان، وهو في هذا كلّه يصفه بأوصاف أهل العلم المرموقين. ومن ذلك قوله: “حدّثني والدي الفقيه الثّقة، الأنبه الحازم الضابط، محمد بن عبد الوهاب لوقش، التطواني المغربي”[6]. ومن ذلك قوله الدال على بروره بوالديه: “فقد توفّى الوالد والوالدة رحمهما الله، وقد زادا على التّسعين، وهما في تمام العقل والدّيانة واليقظة التّامّة”[7].
-2- الفقيه العلاّمة المقرئ عبد السلام الدّهري (ت1322هـ)[8]:
هو الفقيه العلاّمة العدل، الأستاذ المقرئ المجوّد، الخطيب الميقاتي الموسيقي، سيدي عبد السلام بن عبد الرحمان الدّهري، التّطواني، كلّ هذه الأوصاف اتّصف بها لمكانته وعلمه.
وهذا الشيخ درس عليه العلامة عبد الوهاب لوقش علم القراءات، وهو عمدته فيها، لتفرّده بمعرفة هذا الفنّ في وقته، وقد صرّح بالأخذ عنه في تفسير قوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)، حيث قال: “وراء ذراعيه مرقق لورش من أجل الكسرة قبله، وهو الذي في أكثر التّصانيف، وبه قرأ الدّاني على فارس والخاقاني، وأخذ جماعة فيه بالتّفخيم من أجل العين بعده، وبه قرأ الدّاني على أبي الحسن والأخذ عندنا بالأوّل، ومثله سراعاً، وذراعاً، وأقول: والأخذ عندنا عن شيخنا الأستاذ سيدي عبد السلام الدّهري رحمه الله بالثاني”.
وواضح إعجاب لوقش بشيخه في القراءات وترجيح قوله على القول الثاني، ثم إنّه حلاه بالشيخ الأستاذ مما يدل على ملازمته له، وأنه عنده من المحقّقين.
-3- العلاّمة المحقّق محمد بن أحمد البقالي (1336هـ)[9]:
هو الفقيه العلامة النّفاعة القاضي الشريف، سيدي محمد بن أحمد البقالي، ينتسب للعائلة البقالية الشريفة المشهور.
وقد صرّح العلامة عبد الوهاب لوقش بأخذه عنه، وذلك في رسالة التعزية التي أوردها العلامة المرير في كتابه النّعيم المقيم، والتي ورد فيها: (فعظّم الله أجرنا وأجركم واحد، وسائر الشرفاء والسادات البقّاليين، وأهل المحبّة والصّدق في دين الله، في شيخنا شيخ الجماعة، وأخينا وأخيكم في ذات الله، العلاّمة الدرّاكة، المشارك المحصّل، الهيّن الليّن، سيدي محمد ابن الأستاذ البركة، سيدي أحمد البقالي، ورحمه الله على الأبد، وجزاه بمحمده، على الدّين وأهله، شهادة كاملة يكون بها مع سيّد الأولين والآخرين، وكبار أهل البيت والصحابة، وجميع المنعم عليهم من النبيئين والشهداء والصّالحين، آمين، ولا حرمنا أجره، ولا فتننا وإياكم بعده. وحيث لم يبق أحدٌ يعمل بعلمه ونصحه، فالله أولى به، والله يرزق أولاده وأهل الصّدق من أحباب الله، الصبر عليه وعلى من مضى من أمثاله، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، فيا أسفى على الدّين وغربة أمثاله، لكن الملك لله وحده، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)[10].
-4- الفقيه العدل، العلامة المفتي سيدي محمد النجّار (1322هـ)[11] (صهره):
هو الفقيه العلاّمة المفتي، العدل الرّضى، أبو عبد الله محمد بن أحمد النّجار التطواني، أحد أساطين العلم الأخيار في وقته، منعوت بحسن السيرة، وجمال السريرة، وقد وصفه العلاّمة الرهوني بقوله: (شيخنا الفقيه العلاّمة المحقق، المحصّل الدرّاكة الفهامة، الورع الزاهد، النّاسك العابد، الصّارف لعمره فيما يعنيه، الطيّب الأصل والنّجار، أبو عبد الله سيدي الحاج محمد النّجّار)[12].
والفقيه النجّار صهر عبد الوهاب لوقش على ابنته، فلا يستبعد عندي أن يكون جلس في حلقاته، مادام أنّه من أساطين العلم كما وصفه العلامة الرّهوني، وهذا مؤشّر واضح في التلمذة له، فكيف وقد اجتمعت المصاهرة والعلم؟.
-5- العلاّمة القاضي محمد التهامي أفيلال (1339هـ)[13].
هو الفقيه العلامة، العدل القاضي محمّد التهامي أفيلال، ينتمي لأسرة أفيلال المعروفة بالمجد والعلم، والتخطيط في الوظائف العالية من قضاء زغيره، وهم من الشرفاء العلميين، العبدالسلاميين[14]. وصفه العلاّمة المؤرّخ أحمد الرّهوني بقوله: (متّيطي أوانه، وابن عتّاب زمانه، بل سحنون مصره، وشمس عصره)[15].
وهذا العالم لا يبعد عندي أن يكون شيخاً لعبد الوهاب لوقش، وقد حدّثني حفيده بأن لوقشاً كان مقرّباً عنده، يستشيره في كثير من الأمور، وكان لا ينصّب أحداً في منصب إلا بعد استشارته وتزكيته له، وقد نصّ على هذه العلاقة العلامة المؤرّخ محمد داود في مذكّراته (على رأس الأربعين)، وذلك في ترجمة الفقيه سيدي محمد بن عبد النبي بناني، حيث قال ما نصّه: (وكانت للفقيه –يعني بناني- معرفة سابقة بالفقيه الشيخ الحاج عبد الوهاب لوقش، فتوسّط له لدى القاضي سيدي التهامي أفيلال، فسمح له هذا بتعاطي حرفة العدالة)[16].
وهذا مؤشر واضح أيضاً على قربه منه، ووثيق الصلة به، فلا يستبعد عندي أن يكون أخذ عنه، ما دام أنه درّس بالزاوية الريسونية، وهي الزاوية التي دفن والد لوقش، والتي جلس بها وتبرك بها من الشيخ عبد السلام بن ريسون كما سيأتي.
[1]– ترجمته في: نزهة الإخوان: 37. عمدة الراوين: 2/64-65. 3/225. مختصر تاريخ تطوان: 104. تاريخ تطوان: 3/176.
[2]– عمدة الرّاوين: 3/226.
[3]– نفسه: 7/6.
[4]-ترجمته في عمدة الرّاوين: 1/231. 3/75-138-140-141-228. 4/23-155-189. 5/76. 6/3-53-54-2414. 8/176. 7/7.
[5]– انظر على سبيل المثال: تفسير نصرة الإسلام: 4/206.
[6]-تفسير نصرة الإسلام: 1/247.
[7]-نفسه: القسم الخطوط. ص 257.
[8]-ترجمته في: عمدة الرّاوين: 2/24. 3/156.5/240.6/17-30-197. تاريخ تطوان لداود: 5/228, معلمة المغرب: 12/4090.
[9]-ترجمته في: عمدة الرّاوين: 6/18-21. على رأس الأربعين: 132-134. النعيم المقيم: 2/116-194. معلمة المغرب: 4/1303.
[10]-النعيم المقيم: 2/192.
[11]-ترجمته في: عمدة الرّوين: 6/188-189. مختصر تاريخ تطوان: 328.
[12]-عمدة الرّاوين: 6/188.
[13]-ترجمته في: عمدة الراوين: 4/150-232. 6/19-83. ومعجم الشيوخ: 128-131.
[14]-معجم الشيوخ: 128.
[15]-عمدة الراوين: 4/150.
[16]-على رأس الأربعين: 154.
د. يونس السباح