أسرة اعجولو:
أسرة اعْجُولُو من الأسر الأندلسية التي هاجرت واستقرّت بحوز تطوان، وبالضّبط بمدشر القلاّلين، وقد انتقل منها إلى تطوان جدّ المترجَم، الحاج محمد اعجولو الموتوفّى بها عام 1268هـ، عن ولَده، المعلّم العربي اعجولو والد المترجَم له.
اسمه ونسبه وولادته:
هو الفقيه الأديب، العدل الرضى، المدرّس الخيّر، الفيلسوف المعمّر، سيدي محمد بن العربي بن محمد اعجولو، الأندلسي أصلاً، التطاوني مولداً وقراراً، ثمّ الطّنجي وفاةً وإقباراً.
ولد بمدينة تطوان في صفر الخير عام 1303هـ/ دجنبر 1885م، حسب ما أرّخ له به صديقه الفقيه المؤرّخ محمد داود، ووجدت في بطاقة تعريفه أنه ولد عام 1893م، وقد يكون من أغلاط التأريخ الإداري، وإلاّ فالفقيه داود تعوّدنا منه الدقّة والتّحرّي، وأخذ المعلومة من منابعها الأصلية، (ومن حفظ حجّة على من لم يحفظ).
ولد الفقيه محمد اعجولو في أسرة متوسّطة، تشتغل بالحرف والتّجارة، فوالده السيّد العربي رحمه الله، أحد شيوخ النّظر في تطوان، اشتهر بحرفة البناء داخل البلَد، وكان من المولَعين بالطّرب الأندلسي، وأحد العازفين على آلة الرّباب، وقد هاجر من تطوان إلى طنجة رفقة أسرته الصغيرة عند دخول المحتلّ الإسباني لمدينة تطوان، شأنه شأن العديد من الأسر التي أبت البقاء تحت حكم المحتل، وبطنجة توفّي عام 1340هـ/1921م، عن ولدَيه السيد محمد المتَرجم، وأخوه السيد مصطفى الذي كان جزّراً بطنجة، والمتوفّي بها بعد أخيه المترجم بأشهر، وذلك عام: 1397هـ/1976م، والمقبور بمقابر مرشان.
وأمّا والدته: فهي السيّدة رقية بنت علي المؤذّن الجزائري، من الأسر الجزائرية التي هاجرت واستقرّت بتطوان، وقد كان والدها زنايدي حرفة أي: صانع أسلحة، وقد توفّيت هذه السيّدة بطنجة عام 1347هـ/1928م.
طلبه للعلم بتطوان:
تعلّم الفقيه محمد اعجولو الكتابة والقراءة، وحفظ القرآن الكريم في سنّ مبكّرة على يد الفقيه البركة، السيّد اليزيد الكتّاني، وهو عمدته. ثمّ انتقل إلى المرحلة الثانية من الدّراسة، فأخذ جلّ العلوم المعروفة من نحو وصرف وبلاغة وفقه…عن علماء تطوان الكبار، منهم:
- شيخ الجماعة سيدي أحمد الزّوّاقي.
- أخوه العالم الأديب القاضي سيدي محمد الزواقي.
- العلامة الوزير سيدي أحمد الرهوني.
- الفقيه القاضي أحمد العمراني (الفقيه الغماري).
- العلامة الفقيه سيدي أحمد البقالي السّمْسِي.
- الفقيه العالم القاضي الشريف مولاي الصّادق الريسوني.
وحدّثني صديقه العارف بأحواله، شيخنا الشريف سيدي محمد بوخبزة، عن المترجم له، أنّه حضر بعض مجالس الفقيه المفتي سيدي أحمد السلاوي في الفقه بجامع الكبير، والعلامة قاضي تطوان سيدي التهامي أفيلال ومن في حكمهما.
استقراره بطنجة ومزاولته التّجارة بها:
هاجر الفقيه اعجولو رفقة أسرته لمّا احتلّت مدينة تطوان كما تقدّم، وقد تعاطى التجارة مع والده وأخيه الذي كان جزاراً بـ (السوق دبرا)، ورغم اشتغاله بالتّجارة هذه الفترة، إلاّ أنّه بقي متّصلاً بالعلم والعلماء، يحضر مجالسهم، ويستفيد منهم، وهو الرجل الطّلَعة، المشارك في كثير من ضروب المعرفة، وكان ممن جلس إليهم بطنجة:
- الشيخ العلامة الصوفي سيدي محمد بن الصدّيق، والد العلماء الأشقاء. وقد انتفع بمجالسه، وقد انبهر بمحفوظاته، وقوّة عارضته، وتمكّنه في العلوم، فكان يثني عليه وعلى طريقته دائماً.
- سلطان المغرب العالم الجليل، المولى عبد الحفيظ، وقد حضر له دروساً في الأجرّومية بجامع القصبة بطنجة في تلك الفترة التي استقرّ بها. وممّا يتّصل بهذه الدّروس، ما حدّث به المترجَم صديقه سيدي محمد بوخبزة، أنّ السلطان عبد الحفيظ كان يعطي ريالاً لكلّ من حضر الدّرس تشجيعاً على طلب العلم، فكان العديد من الطلبة يقصدون مجلسه لهذا الغرض.
كما حضر دروس العلامة عبد الله السنوسي، والفقيه الخصاصي الكبير، وتزامن وجوده بطنجة مع وجود الفقيه الفرطاخ الذي كان له به صلة قويّة. وكذا رفيقه السيّد امحمد الزكاري، الذي اتخذ منه أخاً وصديقاً وفياً، وفي هذه الفترة تزوج سيّدة ثمّ فارقها بعد مدّة قصيرة، ليعود لطلب مرّة أخرى بفاس.
رحلته إلى فاس للطلب العلم وشيوخه بها:
ارتحل الفقيه محمد اعجولو إلى مدينة فاس، عاصمة العلم والعلماء، قصد الدراسة بجامع القرويين العامر، رفقة صديقه السيد امحمد الزكاري التطواني الذي كان بمدينة طنجة، وذلك سنة 1338هـ/1929م، وبفاس سكن بمدرسة العطّارين، وقد لحق ورافق كوكبة من طلبة تطّاوين الذي ارتحلوا لطلب العلم في هذه السنة على مراحل، وهم السّادة:
محمد بن مخوت- محمد طنانة- عبد الكريم الدلّيرو- عبد الرحمن اليعقوبي- محمد الزكاري- أحمد بن إدريس- أحمد الفرطاخ- محمد الحجام- محمد القاسمي- علي الذّهبي- امحمد بنونة – محمد الكحاك- مصطفى بن مفتي- عبد الخالق الطرّيس (وكان المشرف عليه هناك)- الطيّب بنّونة.
ومن شيوخه بفاس العلماء السادة:
- أحمد بن الخيّاط.
- أحمد بن الجلالي.
- الفاطمي الشرّادي.
- بوشعيب الدّكالي.
- الراضي السناني.
- الحسين العراقي.
- عبد الرحمن بن القرشي الإمامي.
وغيرهم من علماء فاس على كثرتهم، لأنّه سلخ بفاس نحو عشر سنوات أو أكثر، وخالط أهلها، وأصبح تاريخها الحافل يمشي على رجلين، وكان له فضل كبير على مجموعة من طلبة تطوان الوافدين على فاس للدّراسة، بحكم سبقه، وطول مكثه، يأخذ بيدهم، ويسهّل لهم طريق المعرفة، ويرشدهم لما فيه خير لهم، فقد كان أسنّهم، والوارث الذي يرث عنهم لوازم الدّرس والإقامة لما يعودوا إلى تطوان، وقد كان أصدقاؤه يعرفون له هذا الفضل، ويقدّرونه لما له من أياد بيضاء، وفي هذا الصّدد يقول صديقه محمد داود: (والفقيه اعجولو من أصدقائنا القدماء، ومن رفقائنا الخواص أيّام الدّراسة في القرويين بفاس، وله عليّ يد لا أنساها له، لأنّه هو الذي سهر على راحتي ومعالجتي أثناء مرضي الخطير بفاس، جزاه الله خيراً).
وخلال مقامه الطويل بفاس اشتغل الفقيه محمد اعجولو بالتّجارة، كما كان مقصوداً لدى الطلبة والأعيان لتدريس العربية بنحوها وصرفها وبلاغتها، ومن أجل تمكّنه فيها اتّخذه باشا فاس السيد عبد السلام اعبابو مؤدّباً لأبنائه، ولأجل هذا القرب من الباشا عرف لدى الفاسيين كثيراً، وأصبح كأحد منهم.
ولمّا عاد الفقيه اعجولو إلى مسقط رأسه تطوان، وبعد أن قضى فيها مدّة عمله، عُيّن السيّد محمد اعبابو أحد أبناء الباشا المذكور باشا على مدينة تطوان، والتقى بشيخه (اعجولو)، وأكرمه، وأحسن إليه نظراً لما كان بينهما من صداقة وقرب.
عودته إلى تطوان ووظائفه بها:
عاد الفقيه محمد اعجولو إلى مدينة تطوان، بعد رحلة طويلة في طلب العلم، وذلك في صفر 1348هـ/غشت 1929م، ونظراً لطبيعته الحرّة، التي لا تقبل التقيّد بالوظيف، كان يتقلّب من وظيف إلى آخر، فلم يكن يصبر على طعام واحد، ومن الوظائف التي تقلّدها: العدالة: ولكنّه سرعان ما تحوّل عنها إلى الكتابة مع محتسب تطوان، والباشا فيما بعد، السيد محمد بن محمد أشعاش، ثمّ اختير للتّدريس بالمدرسة القرآنية الحسنية، ومديراً بمدرسة البنات رقم: 3. ثمّ مدرّساً مدرسة سيدي علي بركة. وأخيراً بثانوية جابر بن حيان إبّان افتتاحها، وقد درّس بها المواد التالية (حسب برنامج بدفتره): النحو-المطالعة-الإملاء-المحفوظات…وقد كان الفقيه اعجولو ينتقل من مكان لآخر لأدنى سبب، بمساعدة صديقه العلامة المؤرّخ محمد داود مديراً للمعارف، والذي كان يراعي فيه علمه وفضله…
حالته:
عرف عن الفقيه اعجولو أنه كان صاحب خصال حميدة، وأبرز ما تتميّز به شخصيته:
الفكاهة: فقد كان فقيهاً فكهاً، يألف ويؤلف، كثير البسط والانبساط، يقول عنه عارفه سيدي محمد بوخبزة: (كان من عجائب الدّهر في الانبساط وحفظ الأشعار والنّكت والطرائف)، وقد اتّخذ شعاره قوله تعالى: (إنّما الحياة الدّنيا لعب ولهو)، فلا شيء يستحقّ أنّ ينغّص على الفقيه عيشه…
الذكاء: كان الفقيه اعجولو من الأفراد في الذكاء والنّباهة، وأوتي فلسفة خاصة في نمط عيشه وفكره، وحفظت عنه أقوال تنمّ عن تيقّظه، ومن ذلك قوله: (ينبغي للعاقل أن لا يَشغَل بالَه بما يقوله الناس من خير أو شر ولا يبالي بذلك وإن كانت مظاهر عدم مبالاته هي في باطنها مبالاة أي مبالاة). وفي هذا الصّدد نورد شهادة لصديقه محمد داود: الذي قال فيه: (..هو من الأذكياء الذين تؤثّر حدّة ذهنهم على علمهم وحياتهم وسعدهم أيضاً، فلا يستفيدون من الدنيا بقدر عقلهم وذكائهم واستعدادهم، والكمال لله وحده).
وحدّثني الأستاذ البحّاثة الشريف سيدي محمد الحبيب الخرّاز، وهو من تلاميذه، وله مع والده صداقة متينة، أنّه (سمعه ذات يوم يحاضر في قضايا شائكة تتعلق بالإرث وموقف الإسلام من الحكم في توزيعه بالفريضة التي أوجبها القرآن الكريم فكان ذا باع طويل في الشرح والتفصيل ما أسكت الجميع وأثنى عليه الجميع. إنّه رجل المواقف الوطنية والغيرة على الإسلام والمدافع عن القيم والأخلاق والمربي المقتدر).
حبه للأدب: سألت أستاذنا الفقيه سيدي محمد بوخبزة ذات مرة: هل كان الفقيه اعجولو أديباً؟ فأجابني بقوله: (كان يتذَوّقه). وحكى لنا أيضاً أنّ كتاب نفح الطيب للمقّري يكاد يستظهر نصوصه لإكبابه عليه، وثمّ زاد بأنّه (أي: اعجولو) كان يختار بعض القطع الشعرية الرقيقة ويطلب مني (أي: محمد بوخبزة) تخميسها، فكان عمله هذا باعثاً لتدرّبي على قول الشعر، ولمّا يخمّس القطعة بطلب منه، تكون مادة جاهزة لمناقشتها من جوانبها المختلفة. وعلى العموم، ترك الفقيه اعجولو مجموعة أقوال ومختارات ونوادر وحكايات حفظت عنه، والفضل في تدوينها وجمعها والتنبّه لها، يرجع لأستاذنا العلامة سيدي محمد بوخبزة، الذي لا يكاد يخلو كناش من كنانشيه منها.
الفقيه اعجولو (شيخ الشّباب): عاش الفقيه اعجولو طيلة حياته عزباً، وقد تقدّم أنّه تزوّج قبل رحلته إلى فاس لطلب العلم وفارق، وقضى حياته عزباً، كان بيته (بالشّريشار) ثمّ (بحي سيدي طلحة) من نوادي العلم والأدب والظرف، مقصوداً من محبّيه وعارفيه، يختلط فيه الجدّ والهزل، وفي آخر عمره أناب إلى ربّه، وحسنت حاله، وأصبح حلس بيته، يقضى سحابة يومه في مطالعة كتب التفسير، وتلاوة القرآن، ومن طريف من يحكى عنه، أنّ أحد أصدقائه سلّمه مبلغاً لشراء بعض الملابس، فاشترى به تفسير الآلوسي، ولمّا سئل أجاب بأنّه اشترى سراويل لعقله قبل بدنه.
الفقيه اعجولو وحرفة الأدب:عاش الفقيه محمد اعجولو حياته محروفاً، فكان أحد من أدركتهم حُرفة الأدب، وكان يعيش بفضل الله ثمّ بمساعدة بعض من يقدرون أهل العلم، وفي هذا الصّدد كتب عن نفسه:
(ومما يصدق على حالتي الراهنة قول أبي فراس:
فإن حلّ هذا الأمر فالله فوقه == وإن عظم المطلوب فالله أعظمُ
يَئِسْتُ من الإنصاف بيني وبَيْنَهُم == ومن ليَّ بالإنصاف والخَصْمُ يحكم؟
قال صاحبه أستاذنا الفقيه محمد بوخبزة رحم الله معقّباً على قوله هذا: ولعله يشير إلى نكبته–وغيره-التي أصيب بها غداة (استقلال) المغرب حيث عزلوا من مناصبهم في التعليم على فقرهم وكانوا كثيرين منهم في تطوان: الفقيه أعجولو- العربي الخطيب-عبد السلام ابن عجيبة وغيرهم. لا لشيء إلا لأنهم تجاوزوا السن القانوني للإحالة على المعاش أو: التقاعد، ولم يرحموا شيبتهم ولا ضعفهم ومرضهم، ثم إنهم بعد سعي حثيث وتدخل كبير من الأعيان تركوا لهم مبلغاً زهيداً لا يشبع ولا يغني من جوع…).
مختارات من أسلوبه:
- ما هو الإسلام؟
للأستاذ محمد اعجولو
الإسلام هل هو هذا الذي نراه مطبّقاً في بعض البقاع الصحراوية حيث لا سموّاً ولا ارتفاعاً في المقاييس الخلقية والاجتماعية…؟
أم هو الذي نراه في طوائف المتصوّفة وأذكارهم…؟
أم هو الذي نراه في طوائف انتسبت إلى السّنّة…؟
أم هو الذي نراه واضحاً على سمات المتزمتين المتعصّبين…؟
بل –وبكلمة واحد- ليس هذا هو الإسلام، فالإسلام ليس ملكاً لأحد، ولا لجماعة ولا لأمّة.
إنّ الإسلام كتاب كريم، مطهّر محفوظ، لا يتغيّر ولا يزول، ولا يدنو منه تحريف، ولا يتطاول إليه عبث، (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون)، (كتاب احكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيم عليم)، (ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء)، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).
هذا الكتاب الرّبّاني هو للإسلام، وعلى أعقابه واثره سيرة رسوله العظيم، وسننه وأحكامه، عليه صلوات الله وسلامه، يقول الصادق الأمين: (تركتكم على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك)، ويقول: (تركتُ فيكم ما إن أخذتم به، لن تضلّوا، كتاب الله وسنّة رسوله.
(فطرة الله التي فطر النّاس عليها)، ودينه الذي ارتضاه لعباده، ليحكم بين النّاس بالقسط ويقيمهم على الصراط المستقيم.
الإسلام هو عقيدة تعبّديّة، وقانون تشريعي، ونظام اقتصادي، ورسالة للأخلاق، وعدالة اجتماعية، هو دستور شامل كامل، تتّسع آفاقه لكلّ ما تتطوّر إليه المجتمعات الإنسانية، والثقافات العلمية أيّاً كانت زماناً أو مكاناً.
الإسلام جاء ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور، ومن جَوْر الحكّام إلى عدالة القرآن، ومن ضيق الكفر إلى سعة الإيمان.
الإسلام هو الذي حرّر الفرد الفرد ضميراً ووجداناً، وقولاً وعملاً، وحرّر كلّ شيء، سواء أكان مادياً أم روحياً بكلمة واحدة، وهي الكلّ في الكلّ، كلمة التّوحيد: لا إله إلاّ الله.
الإسلام هو الذي جعلَ المال مال الله، وعباده الأغنياء إنّما جعلهم مستخلفين فيه لخيرهم وخير الناس، وموظّفين للخير العام لتأدية الحقوق التي عليهم للمحرومين والعاطلين والعاجزين، وخاطب المؤمنين الذين يعرفون: (وفي أموالهم حقّ للسّائل والمحروم).
الإسلام هو الذي فرض لكلّ إنسان بيتاً وزوجة وعملاً ليقوم بحاجته كساء وغذاءً ودواءً، فإن لم يجد فبيت المال يقوم به وبأسرته حتّى يهيّئ له الدّولة عملاً.
الإسلام هو الذي جعل فريضة مقرّرة في بيت المال لكلّ مولود يولد في الإسلام، ويمشي الأجر معه حتّى يبلغ أشدّه، ويأخذ حظّه من التّعليم أو الصّناعة أو الجندية.
الإسلام هو الذي حدّد وظيفة الحاكم. انتهى ما وجد بخطّه.
- مراجعات في التربية
للأستاذ محمد اعجولو
مدير مدرسة البنات رقم: 3 تطوان
يمكن تلخيص التربية الصحيح في أنها تهيئ لنا رجالاً بل أسَراً صالحين يغرفون معنى الحياة ويطلبون ما لهم ويؤدون ما عليهم ويحبون غيرهم مع احترامهم لأنفسهم، فالتربية الحقة ما قامت على إنكار الذات وكل ميول النفس الخبيثة، ويتجنب فيها التعسف والضعف الذي يسبب النفور، والكراهية والعداء، والتربية الحقة أيضا ما قوت الروح، وأشعفت الميول الخبيثة حتى يكون عمله بإرادة الروح لا بحكم الجسد أو هوى النفس.
واعلم أيها المربي أن الحدة والنزق ليكونان على أشد حالاتهما في بدء الحياة والشباب، فإن لم تكن هناك قوة من الإرادة تكفل كبح ذلك الجماح اختل توازن الطفل، وظهر ضعف تربيته وسوء خلقه. فمهمة التربية قائمة تقريباً على تعهد الإرادة وتقويتها في نفس الطفل وتطهيرها من كل ميل فاسد ونزوح إنساني للادخار من القوة في نفسه ما لا ينفعه، بل يزيد مع طول العمر بغير شذوذ، فحينئذ يكون العمل إذ ذاك نتيجة الإرادة والفعل والروح، لا طوعا لإرادة أخرى أو استسلاما لسلطة خارجية.
ولا يتأتى تحكيم العقل والروح وتسلطه على النفس والعواطف إلا بالتجاوز من المرئيات الظاهرية وسبر غور حقيقة الوجود والغرض منه، وتمتين الروابط الكثيرة التي تربط الإنسان بالإنسان، والتَّرفُّق به، والعناية بشأنه وحب الخير له في كل غاية وسبيل.
ولا يكفل تحقيق هذه الغاية إلا العناية بالأطفال ودرء كل مؤثرات الفساد، لأن الإنسان معرض لفساد الأخلاق من تأثير المؤثرات والبيئات والعدوى الأخلاقية، ومن استسلام النفس للميول وتغلب الأهواء على العقل والروح والضرر الخارجي الذي ينشأ من استبداد المربين وسوء تصرفهم العظيم الخطِر، وليس هناك من ينكر فساد تسلط القوة على الضعف لمجرد أنها قوة.
وعليه، فالواجب أن لا تكون التربية وقفا على رغبات الوالدين وسيراً مع ميول الطفل وأهوائه، لأنه لم يخلق متاعا لأبويه ولا التطوح مع أهوائه، وإنما خلق للحياة، فيجب أن يربى وفقا لمقتضيات الحياة.
والغرض من التربية هو صيرورة الطفل عضواً عاملاً في الهيئة الاجتماعية، متشبعاً بالإنسانية والإخاء ونفع الغير، وكلّ تربية لا ترمي ولا تُوصل إلى هذه النتائج تكون عقيمة فاسدة، ينتج عنها خلق المشاكل والاضطرابات، وتقوض لأركان الراحة والسلام.
والطفل في الصغر قاصر عن إدراك حقيقة الأشياء، والحالة هذه هو ناشئ تحت رحمة ذويه وكفالة مربيه، فهم المكلفون بتوجيه المناهج التي يحسن اتباعها، وبإرشاده إلى ما يزيح عن عينه غشاوة الجهل ليرى الغرض الذي خلق من أجله، وكل من فكر قليلا يرى أن تأثير التربية ليس قاصرا على العائلة والمربي، بل هو واقع على مجموع الأمة وكل الهيئة الاجتماعية لتضمن للطفل جلب المنافع والمصالح العمومية.
- النشاط المدرسي في العهد المغربي
للأستاذ محمد اعجولو
النشاط المدرسي من العوال التي توجه الطلبة في مستقبل حياتهم، ويظهر عواطفهم وميولهم التي لا يمكن ظهورها بين الكراسي والكراسة، كما أنه عامل روحي حيث يبعث روح الأخوة والوئام بين الطلبة أثناء النشاط المدرسي حينما يتفقون على شيء ما بعزيمة رجال المستقبل المنتظر منهم تدبير شؤون الأمة.
وقد طال عهدنا بحضور الحفلات المدرسية التي يتمثل فيها النشاط المدرسي وعمل الطلبة أثناءه، وإهمال هذه الناحية لا شك أنها إذ لم تكن في قائمة جدول الدراسة فإن الطلبة سوف يملون حياة التعب المدرسي اليومي ويضطرون لمغادرة المدرسة أيام الحفلات الرياضية والسينيمائية وغيرها، مما ينتج عن ذلك خلل في سير النظام الدراسي لدى الإدارة التي في استطاعتها أن تتفاداه بتخصيص يوم في الأسبوع أو في الشهر أو في مناسبات خاصة للنشاط المدرسي.
وفي أيام عيد المولد النبوي الشريف أحيا طلبة المعهد المغربي للدراسة الثانوية بتطوان سهرة أدبية لطيفة احتفالا بذكرى مولد النبوي العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم، كانت غاية في الإتقان والإخراج، حضرها أساتذة المعهد وبقية أساتذة أقسام المعهد الفني وطلبته.
ابتدئت الحفلة بكلمة شكر وتقديم برنامجها ألقاها الطالب عبد الوهاب العمراني، ثم محاورة هزلية بين التلميذين الكبداني والشعرة، ومناظرة تحت عنوان: (أيهما المسئول عن فساد المجتمع المنزل أم المدرسة؟) بين التلميذين اليحمدي والبقالي، ثم قصيدة رقيقة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلّم، ألقاها ناظمها الطالب الأديب أحمد البقالي.
وختم برنامج الحفلة بمسرحية صغيرة لفرقة الواحة تحت عنوان: (المنجم والمرأة) كان المنجم فيها الدحروش والزوجة بولعيش، والزوج الشعرة، وهي من إخراج الدحروش انتهت بتصفيقات حادة. وهكذا مرت هذه السهرة في جو روحي ضم الأساتذة والطلبة وخرج الجميع مسروراً من عمل التلاميذ.
وفاته ومقبره:
بعد عمر عامر، وحياة عاشها الفقيه محمد اعجولو طولاً وعرضاً، وبعد أن أعياه المرض، وبلغ منه الجهد، انتقل إلى جوار أخته التي كانت مرافقته في هذه المحنة، وقد انتقل معها إلى بيتها بحي السّواني بطنجة، ولم تمرّ إلاّ أشهراً قليلاً حتّى ودّع هذه الدّنيا. وفي كناش للفقيه الشريف سيدي محمد بوخبزة: (توفّي يوم السبت 5 رجب 1396هـ/ 1 خوليو 1976م ليلاً، أخونا وجارنا الفقيه المنيب إلى الله، السيّد محمّد بن العربي اعجولو الأندلسي الأصل، التّطواني المولد والمنشأ، والطّنجي الوفاة والقبر، بعد مرض ألزمه الفراش شهرين أو ثلاثة، وقد ناهز 95 سنة). ودفن بمقبرة السّواني التابعة لجامعها المعروف، رحمه الله رحمة واسعة.
يونس السباح.