الفقيه محمد بن أحمد الرغيوي وجهوده في تدريس العلوم ببادية أنجرة
جريدة الشمال – بقلم: بدر العمراني ( محمد بن أحمد الرغيوي )
الخميس 25 يناير 2018 – 12:24:14
• إنّ بادية أنجرة بشمال المغرب كانت موئلا للعلم والعلماء تدريسا وإقراءً، لذلك حفلت مجالسهم بالإفادة. منهم :
– الفقيه المفضل الرغيوي (ت 1343هـ).
– الفقيه أحمد بن علي اغزيل (ت 1348هـ) .
– الفقيه عبدالسلام بن عبدالقادر بنعجيبة (ت 1353هـ).
– الفقيه محمد السعيدي الكبير (ت 1360هـ).
– الفقيه أحمد بوزيد الحمراوي(ت 1382هـ).
– الفقيه محمد بن عبدالسلام بن عجيبة (ت 1417هـ).
– الفقيه محمد بن أحمد الرغيوي (ت1427هـ).
وهذا الأخير كان له أثر بالغ في التدريس من خلال تأليفه الذي رام به تذليل العلوم وتيسيرها للطلبة وعلى هذا الأساس نُدِيرُ رحى البحث، ونكشف اللثام عن مكنونه. عبر مبحثين:
المبحث الأول: ترجمة الفقيه الرغيوي
المبحث الثاني: جهود الفقيه الرغيوي في تدريس العلوم
خاتمة: بها النتائج المستفادة
المبحث الأول: ترجمة الفقيه الرغيوي ( )
اسمه ونسبه:
هو الفقيه العدل المفتي محمد بن أحمد بن عبد الكريم الرغيوي الرّماني الأنجري.
الرغيوي بها عُرفت أسرته نسبة إلى قبيلة رغيوة بإقليم تاونات، ويُقال بأن أحد أجداده قدم منها قديما وسكن أنجرة.
الرُّمّاني نسبة إلى مدشر الرّمان، دائرة ملوسة، من قبيلة أنجرة.
وأسرته أسرة علم منهم:
• الفقيه المفضل الرغيوي (من أقران الشيخ عبدالسلام بن عجيبة) هو جدّ زوجة المترجم، رحل إلى جامع القرويين ودرس على شيوخها.
كان محبّا للكتاب جمّاعة لأعلاقه ونوادره، جمع مكتبة حافلة بالمخطوطات، لكنه لما توفّي أحرقتها زوجته وجعلتها طعما للفُرْن، وقد عاين ذلك الأستاذ الشاعر محمد الرغيوي (ولد المترجم) لما كان صغيرا…
توفي حوالي سنة 1343هـ/1924م.
• محمد بن عبدالسلام الرغيوي المعروف ب: استيتو، ولد بمدشر تافوغالت، بدائرة ملوسة.
بينه وبين المترجم رابطة خـؤولة. وهو أيضا قرينه في الدراسة والرحلة إلى جامع القرويين بفاس.
امتهن خطة العدالة بطنجة، إلى أن توفي حوالي سنة 1982م.
ولادته:
ولد بمدشر الرّمان من قبيلة أنجرة سنة 1336هـ /1917م وفق وثائقه الرسمية، لكن تلامذته ومعارفه يؤكدون بأنه ولد قبل هذا التاريخ، ويقدر ذلك بالفترة ما بين: 1327هـ/1909م و1330هـ/1912م.
نشأته:
نشأ يتيما في حجر أمه، ورغم الفقر الذي عمّ تلك الفترة، وقساوة العيش التي كان يعانيها المجتمع المغربي وبالخصوص في البوادي، اعتنت به والدته المرأة الصالحة والمربية الناجحة، فأدخلته الكتاب، وجادت به في سبيل العلم، عوض أن تقذف به في أتون الحياة يخوض معاركها من أجل الظفر بالمراد المادي وتسديد الحاجات الاجتماعية الصعبة.
دراسته:
حفظ القرآن الكريم على: الفقيه المختار السعيد الأنجري، والفقيه عبد السلام الشعيري، والفقيه محمد ابن الهاشمي البقاش، فأتقنه رسما وأداءً، ثم تفرغ لدراسة العلوم الشرعية من أساسها بقريته أولا على:
– الفقيه العلامة القاضي محمد بن عبد السلام ابن عجيبة.
– الفقيه المفتي محمد السعيدي.
– الفقيه القاضي أحمد بن محمد بوزيد.
ثم انتقل إلى طنجة وهي تعج بمجالس العلم، أيام كانت تزدهي ببركة الشيخ محمد ابن الصديق الغماري ونفحات زاويته الصوفية، فنهل من حياض علمائها أمثال:
– الفقيه العدل محمد بن العياشي السكيرج.
– الفقيه العدل الحسن بن محمد اللمتوني.
– الفقيه النحوي أحمد بن عبد السلام بوحساين.
– الفقيه عبد السلام أبارغ.
– الفقيه الأمين بن محمد بوزيد.
– العلامة الأديب عبد الله كنون.
وخلالها انتسب للزاوية الصديقية، وانتفع بشيخها ومؤسسها الشيخ محمد ابن الصديق الغماري.
بعدها رحل إلى فاس وانتظم في حلقات جامع القرويين، فأخذ عن:
– العلامة الفرضي أبي الشتاء الصنهاجي.
– العلامة المعقولي والفقيه الأصولي العباس بناني.
– الفقيه القاضي محمد السائح الرباطي.
– الفقيه عبد الله الفضيلي.
– الفقيه عبد العزيز بن أحمد ابن الخياط الزكاري.
لكنه رحمه الله لم يكد يروي غليله من طلب العلم هناك حتى طُرد من فاس سنة 1940م مع جملة من الطلبة بسبب الإضراب المدَبّر في وجه سياسة المستعمر وخططه اتجاه نظام التعليم بالقرويين.
تدريسه للعلم وقيامه به:
رجع إلى مسقط رأسه، وهو يراود نفسه على إخراج زكاة العلم الذي تعلمه، فنذر نفسه لتعليم الطلبة، وعزم على أن لا يرتبط بوظيف يصرفه عن هذا التخطيط، حسبة لله تعالى، درءً لكل شبهة، وكم دُعي مرارا للتدريس بالمدارس التي يشرف عليها الاستعمار الإسباني، وخاصة مَيْتَم ملوسة، فأبى، كي لا يكون أداة في يد المستعمر، رغم فقره وقلة ذات يده ..
فشارط بقبيلته على الإمامة وتحفيظ القرآن لمدة سنة، ثم انقطع بعد ذلك لتدريس العلوم الشرعية بمدشر المخفي الذي أسس به مدرسة علمية، جمع فيها نجباء الطلبة، واعتنى بهم، بتدريس كتب كثيرة من مختلف الفنون العلمية، مثل: الأجرومية والألفية ولامية الأفعال في النحو والصرف، والبيقونية في مصطلح الحديث، والجوهر المكنون في البلاغة، وتحفة الحكام لابن عاصم في أحكام القضاء، ونظم السلم المرونق في المنطق، الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية في الحديث والسيرة، والوثائق الفرعونية في الفقه، والمنتخب في آداب العرب في الأدب…
وظل على هذه الحال معتكفا في محراب العلم لمدة 21 سنة إلى أن انخرط في سلك العدالة.
وظائفه:
– العدالة: انخرط في سلك العدالة بموجب مرسوم خليفي سنة 1373هـ/1954م، وظل بها إلى أن توفي.
– مهمة مشيخة قبيلة أنجرة لمدة سنتين 1962-1964م بطلب من القائد العربي بنونة، والقصد من ذلك تنقية القبيلة وتنظيفها من بعض الأضرار والمفاسد التي لحقتها كالسرقة جراء السياسات الفاسدة والمتبعة من طرف القواد السابقين. وقد أدى الشيخ مهمته بنجاح، وظل يشكر عليها مدى الدهر.
وهذا القائد ما أَسْنَدَ للمترجم هذه المهمة حتى حفّظ ملفه العدلي بحيث إذا أراد الاستقالة من هذه المهنة يمكنه الرجوع إلى المهنة الأصلية بسهولة ودون عراقيل. فكان الأمر كذلك لمّا رجع للعدالة سنة 1964م.
هذه وظائف إدارية اشتغل بها، وهناك وظائف أخرى تطوعية كالتدريس والإفتاء. وهناك وظيفة كان سينخرط فيها، وهي خطة كتابة الضبط في المحكمة، فإنه اجتاز اختبارها سنة 1956م بطنجة، وأعرب له القضاة الممتحنون عن نجاحه وفلاحه، لكن لما وضعوه تحت مجهر البحث نقموا عليه علاقته بحزب الوحدة للمكي الناصري ومعاشرته لبعض أعضائه. فلم يُقْبل. وحمد الشيخ هذا القرار بعد ذلك وتقبّله، وله في ذلك خطاب للشيخ عبدالله كنون يخبره بالقضية، محفوظ بالخزانة الكنونية.
خصاله وأخلاقه:
كان المترجم رحمه الله دمث الأخلاق، طيب العشرة، عليه مسحة الوقار والتواضع، حييا في أدب جَمّ، جريئا في الحق، ذا أنفة لا يقبل الضيم، ويترفع عن الضّعة، قنوعا يرضى بالقليل مما حباه الله عزّ وجلّ، ولا يتطلّع إلى ما في أيدي الناس..
ولأجل ذلك لهج الناس بالثناء عليه، وحظي بالثقة لديهم، وعلى رأسهم العلماء من معاصريه، أمثال:
– الشيخ عبد الله كنون وقد كانت بينهما علاقة ودية، ومراسلات سنية، كم من مرة رغب في تقديم خدمة له، فأبت نفسه إلا القناعة والرضا بالقدر الإلاهي.
– الحسن ابن الصديق كان يقدّره، ورضيه ذات يوم لخلافته في الخطابة.
– الفقيه العدل محمد الخصاصي كان دائما يرغب في مصاحبته للشهادة والتوثيق، ويفضّله على غيره من الأقران.
– شيخه الفقيه العلامة المفتي محمد بن عبد السلام ابن عجيبة كان يقدّر علمه، ويُشِيد به، ومثال ذلك أنّهما اختلفا في فتوى طُلبت منهما حول مسجد بعين الرمل، وأفتى كل واحد حسب اعتقاده ورأيه دون علم بالآخر، ولما اطلع شيخه على فتواه حمدها وأجاز العمل بها. وهذه غاية في التواضع والنبل والتقدير من الشيخ اتجاه تلميذه.
– شيخه الفقيه المقرئ محمد بن الهاشمي البقاش، قال عنه في كتابه “نبذة من حياتي” حين ذكر تلامذته: ومنهم العلامة سيدي محمد بن أحمد الرغيوي الرماني استفدنا منه حتى صار لنا شيخا نقلده في عدة أمور.
– تلميذه الأستاذ عبدالسلام البقاش حلاه بقوله: ومن المؤلفين العلامة محمد بن أحمد الرغيوي من قرية الرمان…
كتـابـاتـه و تـآليفـه :
الشيخ رحمه الله لم يكن من فقهاء البادية الخاملين في ميدان الكتابة والتأليف، بل كان من الناشطين فيها، والسبب في ذلك اشتغاله بمهمتين هما: التدريس والإفتاء، فالأولى تدفعه للكتابة من أجل تذليل مصاعب ومشاكل الطلبة، والثانية تدفعه من أجل حل مشاكل الناس الاجتماعية من الناحية الشرعية، وكل منهما واجب لا بد منه. وممّا خطّه يراعه في هذا الباب:
– دانية الثمرة لطلاب المعمرة، أوالمأدبة لأطفال المكتبة، وهو كتاب مختصر اشتمل على قواعد الإسلام، وأحكام الفرائض الخمس، وآداب العلم والتعلم، كتبه بإشارة من شيخه المقرئ محمد بن الهاشمي البقاش لأطفال الكتاب بأسلوب سلس، وعبارة مختصرة.
– تقاييد في مسائل مختلفة، مثل: المسح على الجبائر، مسائل من البدع المحدثة، السيرة المحمدية.
– فتاوى فقهية.
– سؤال وجواب من نظم ابن عاصم في المعاملات يطرح سؤال النازلة ثم يجيب عنه بنص بيت ابن عاصم.
– مراسلات مع الشيخ عبدالله كنون محفوظة بخطه بالخزانة الكنونية.
– أشعار يُمكن أن تُجمع في ديوان صغير:
• قصيدة في وصف ومدح مسقط رأسه قرية الرمان، مطلعها:
أم الجمال قرية الرُّمانِ ** يحدو بها كل عاشق نشوان
هو المديح فلا تسل عن علة ** في نظمه محبّة الأوطانِ
• قصيدة في مدح شيخه الفقيه محمد بن الهاشمي البقاش.
• قصيدة في مدح شيخه الفقيه محمد بن عبدالسلام بن عجيبة.
– أنظام تعليمية، مثل:
• نظم في تاريخ المغرب، يقول في مطلعه:
فذي لمحة تفي بالأرب ** لكل نشيط من المغربِ
تحدّثه عن عصور مضت ** بأسلوب يُغْني عن الكُتُبِ
• نظم فيما يظن فيه سجود السهو ولا سجود فيه. سيأتي في المبحث الثاني.
وفاته :
توفي رحمه الله فجر يوم الثلاثاء 5 ربيع الأول 1427هـ موافق 4 أبريل 2006م، صُلِّيَ عليه عصرا بمسجد مرشان، ودُفِنَ بالمقبرة المجاورة له، وقد كانت جنازته حافلة بالمُشَيِّعِين، حضرها رجال التعليم، والعدول، وأهل العلم والخطباء، أمثال الشيخ عبد الله التليدي والشيخ أحمد الشراط …