الفهرسة موضوع المقالة نوع من التصنيف شاعت كتابته عند القدماء والمحدثين مشرقا ومغربا[1]، سنحاول من خلال هذه المقالة التعريف بهذا الفن الذي قد لا يكون سمع به البعض من قبل، فأكثرنا يعرف الفهرست وهو آخر ما يكون في الكتاب يتضمن مواد الكتاب مرتبة ترتيبا حسب الصفحات، فما هو تعريف الفهرسة؟ وما هي عناصرها؟ وماهي أنواعها؟
تعد دراستنا العليا تخصص الأدب المغربي على يد علماء أجلاء أول عهدنا بالتصانيف والتقاييد العلمية كالكناشة التي خصصنا لها مقالا سابقا وكتب الآداب العامة والكتب الموجهة والفهارس، ويرجع الفضل الكبير -بعد الله تعالى- للمرحوم الدكتور عبد الله المرابط الترغي في إثارة انتباهنا لدراسة الفهارس والتعرف على مناهجها وتوجهاتها، ويعد كتابه “فهارس علماء المغرب منذ النشأة إلى نهاية القرن الثاني عشر للهجرة منهجيتها تطورها قيمتها العلمية“[2] من أهم أشهر المصادر في دراسة وتحليل الفهارس المغربية.
عرف صاحب القاموس الفهرس بالكسر وهو الكتاب الذي تجمع فيه الكتب، قال د حجي “كلمة فارسية معربة، ولعل أقرب الصيغ إلى الأصل: فهرست بكسر الفاء والراء وسكون الهاء والسين والتاء” فِهْرِسْتْ
الفهرسة تصنيف شاعت كتابته قديما وحديثا، فكل عالم يأنس من نفسه درجة في العلم يرغب في أن يسجل لنفسه ولغيره شهادة يحدد بها مستواه ويعين ما حصل عليه من علم، فيلجأ إلى ذكر شيوخه الذين قرأ عليهم واحدا واحدا معرفا بأحوالهم ومستحضرا ذكرياته معهم.
الفهرسة ذكر الشيوخ والتعريف بهم مع عرض المقروءات والمسموعات المتحصلة عند أصحابها بواسطتهم، والفهرسة ذكر المصنفات وأسانيد ما تحمله المؤلف.
تكمن أهمية الفهارس في عملها على نقل النشاط التعليمي الخاص بالمؤلف خصوصا وكذا المتعلق بالعصر الذي عاش فيه عموما، كما تقوم الفهارس بنقل أخبار الرجال والعلماء مع التعريف بمؤلفاتهم وإنتاجاتهم، تفيد الفهارس باعتبارها جنسا تأليفيا في صيانة ونقل الحقائق التاريخية والوقائع الماضية. يقول في ذلك د الترغي “تنقل النشاط التعليمي المباشر، تذكر من أخبار الرجال وأحوالهم ونشاطهم العلمي والتأليفي، وتثير بعض الحقائق التاريخية مما لا يعثر عليه في غيرها”[3]
تعد الفهارس من المصنفات التي تضم مرويات عالم أو التعريف بشيوخه ولائحة المرويات الخاصة به، أو لائحة الشيوخ الذين أخذ عنهم أو اتصل بهم.
تفيد المصار التي بين أيدينا أن فهرسة أبي علي القالي ت 356هـ تعد أقدم فهرسة أندلسية[4]، كما تذكر المصار التاريخية بعض الفهارس القديمة أمثال فهرسة أبي محمد الباجي وفهرسة ابن عبيد الله القرطبي وفهرسة أبي بكر الحجازي
وتعتبر فهرسة القاضي عياض البداية الفعلية للفهارس المغربية التي تطورت مع تلاحق القرون، ويعتبر القرن الثامن الهجري 8هــ أكثر العصور إنتاجا للفهارس التي ألفها علماء من فاس ومراكش سبتة ومكناس.
وبالرجوع إلى الكتب التي اهتمت بالفهارس نجد أنها تتحدث عن السياق التاريخي لظهور هذا الجنس التأليفي وترجعه إلى بداية القرن الرابع 4 الهجري، وتعد فهرسة “إتحاف ذوي العلم والرسوخ بتراجم من أخذت عنه من الشيوخ” التي نشرها أحد أبناء آل ابن الحاج السلمي، من أول الفهارس التي تم طبعها.
تقوم الفهرسة على عناصر مهمة منها: المرويات والشيوخ والسند وطريقة الأخذ
- المرويات: هي جميع ما يأخذه الكاتب عن شيوخه من مختلف العلوم وهي أهم ركن من أركان الفهرسة، وتختلف طرق الرواية بين رواية ودراية، الرواية تتم عن طريق القراءة والسماع والمناولة والإجازة، والدراية عن طريق الدرس.
- الشيوخ: يعتبر الشيوخ عنصرا مهما من عناصر الفهرسة لأنه أصل كل رواية في الفهرسة، وقد يذكر المؤلف اسم الشيخ فقط وقد يسهب في ذكر حاله وأخباره، فالشيخ يلعب دورا مهما في حياة الطالب وهو السند الذي توثق به المرويات، لذلك يتسابق الطلاب إلى لقاء الشيوخ وملازمة مجالسهم العلمية.
- السند: الإسناد رفع الحديث إلى قائله، وبما أن الفهرسة تضم مرويات مرفوعة إلى أصحابها كان من الضروري وجود سند يْكسب الراوي شرعية حمل المرويات ونقلها إلى تلامذته.
- طريقة الأخذ: بين المؤلف وشيوخه علاقة علمية تحدد الفهرسة طرق التحصيل، سماع – قراءة – مناولة – كتابة – إجازة.
تتنوع الفهارس بحسب أنواعها وطبيعتها فمنها الفهارس الجامعة التي تضم كل المرويات والشيوخ، وفهارس انتقائية أو جزئية، ومنها فهارس طبقات الشيوخ، وفهارس الإجازات والفوائد، ونجد كذلك فهارس الرحلات التي يخصصها صاحبها لرحلاته العلمية أو الحجازية.
تتعدد الدوافع التي قد تدفع الشيوخ إلى تأليف الفهارس، ولعل الدوافع التعليمية المتمثلة في نشر العلم وإذاعته تعد أهم هذه الدوافع وأشرفها، فالفهرسة سبيل وطريق إلى نشر العلم بين الراغبين في الاستفادة منه والنهل من منابعه، كما أن هذا الدافع يساهم في خذمة العلم وأهله وحفظه وصونه.
ومن دوافع التأليف في هذا الصنف، التشبه بالعلماء وتقليدهم في تآليفهم.
وكذا يعد تأليف الفهارس من مظاهر الاغتباط والفرح بالعلم، فالمؤلف يحس بنشوة وفرح وهو يقيد أسماء شيوخه ويرفع مروياته فتتصل بسنده. ومن دوافع تأليف الفهرسة الاعتراف بجميل الشيوخ وفضلهم على المؤلف.
لابد أن للفهارس قيمة تتنوع بتنوع مضامينها ومشتملاتها، فنجد لها قيمة تعليمية وقيمة توثيقية وقيمة أدبية، فالقيمة التعليمية للفهارس تتمثل في كونها تعمل على رصد مراكز التعليم وتحديد المواد المدرسة ورصد طرق التدريس. أما القيمة التوثيقية فتنحصر في تحديد الطرق التي ينتقل بها المصنف وتوثيق أصول الرواية.
قد يميل الفهرس إلى كونه مؤلفا له علاقة بالأدب ومادته، فأول ما يدل على علاقته بالأدب هو أسلوب الكتابة التي تتميز بها الفهارس وصيغ كتابة مقدماتها، كما أنها تضم نصوصا أدبية شعرية ونثرية.
ويجدر بنا في هذا المقام التمييز بين أجناس تأليفية تتداخل مع الفهارس وتتشابه معها إلى حد كبير، منها البرنامج والمعجم والمشيخة والثبت، فالبرنامج كلمة فارسية -برنامه- عربها العرب واستعملوها اصطلاحا للدلالة على “النسخة التي يكتب فيها المحدث أسماء رواته وأسانيد كتبه المسموعة .. الكتاب الذي يسجل فيه العالم ما قرأه من مؤلفات في مختلف العلوم.”[5]
ولا يفرق ابن عبد الملك في كتابه الذيل والتكلمة بين الفهرسة والبرنامج فهما “للدلالة على المصنف الواحد”[6]
المعجم ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان كمعجم الطبراني، والمشيخة لائحة الشيوخ.
تركز الفهرسة على عنصر من العناصر سالفة الذكر، ومنه فقد استنتج الدكتور الترغي رحمه الله ثلاث طرق لتبويب الفهارس وهي:
- اعتماد المرويات والتركيز عليها.
- الاعتماد على ذكر الشيوخ والتعريف بهم.
- الاعتماد على الشيوخ من جهة والمرويات من جهة أخرى.
بعد هذا التعريف الموجز بفن الفهرسة سأختم المقال بسرد بعض المؤلفين للفهارس وذلك للتعرف والإستئناس:
- صلة الخلف بموصول السلف للروداني
- فهرسة أبي بكر بن خير الإشبيلي
- فهرسة أبي القاسم التجيبي السبتي
- فهرسة أبي العباس الورزازي
- فهرسة دوحة الناشر لابن عساكر
- فهرسة أبي عبد الله التاودي بن سودة
[1] فهارس علماء المغرب لعبد الله الترغي ص 6
[2] مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 1999
[3] فهارس ص 6
[4] فهارس علماء المغرب لعبد الله الترغي ص 100
[5] فهارس ص 32
[6] فهارس ص37
د محمد التويرة -شيشاوة-