تمهيد:
شهدت الصحراء المغربية حركة علمية وأدبية متميزة إبّان القرنين الثالث عشر والرابع عشر هجريين التاسع عشر والعشرين ميلاديين، ويمكن اعتبار هذه الفترة من أزهى مراحل الأدب التي عرفتها المنطقة، نظرا من جهة للعدد الهائل لأعلام الفكر والأدب الذين أنجبتهم، ومن جهة ثانية لما رافقها من غنىً وتنوعٍ على مستوى الإنتاج والتأليف، في مختلف صنوف العلم وشفوف المعرفة؛ من قراءات وفقه وحديث وتفسير وتصوف وأدب وشعر وطب وفلك وغيرها …
ويعد فن الشعر من أبرز الأنماط الأدبية التي عرفت ازدهار كبيرا على مدى هذه الفترة، فقد تم طرق مختلف الأغراض الشعرية من غزل وفخر ومدح ووصف ورثاء وغيرها. غير أننا سنركز في هذه القراءة على شعر المديح النبوي، الذي اهتم به شعراء المنطقة أيما اهتمام، فقلَّ ما تجد شاعرا صحراويا لم يبدع قصيدة في مدح خير البرية عليه أغلى الصلاة وأزكى السلام؛ شأنهم في ذلك شأن بقية المغاربة الذين تميزوا بعشقهم الأزلي للنبي الكريم ﷺ وعُرفوا بتفانيهم في حبه، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين.
وقد جعلت مقالتي المقتضبة هذه، مبنية ـــ بعد هذا التمهيد ـــ على المحاور الآتية:
- المحور الأول: تحديد المفاهيم الرئيسة؛
- المحور الثاني: بعض عوامل شيوع وازدهار شعر المديح النبوي في المنطقة؛
- المحور الثالث: السمات الفنية لبنية القصيدة النبوية المعينية؛
- المحور الرابع: مضامين ودلالات القصيدة النبوية المعينية؛
- المحور الخامس: نفي ” الغلو ” عن النبويات المعينية؛
ثم أنهيتها بخاتمة.
المحور الأول ــــ تحديد المفاهيم الرئيسة:
المدائح النبوية جمع مِدحة أو مديحية؛ نسبة إلى المديح النبوي، وهي القصائد الشعرية التي تُنظم في جناب النبي الكريم محمد ﷺ إيمانا به وحبا له وثناء عليه، وتغنيا بما تحلى به ﷺ من خصال حميدة وإشادةً برسالته المنيفة، وتشوقا إلى زيارة روضته الشريفة.
ويدخل أيضا ضمن المدائح النبوية ” شعر المولديات ” نسبة إلى المولد النبوي الشريف، وهي القصائد التي تُدبّج خصيصا للاحتفاء بهذه الذكرى الغالية على قلوب المسلمين عامة والمغاربة على وجه الخصوص وغالبا ما يتم الجمع فيها بين مدح النبي ﷺ ومدح السلطان الذي يقام الاحتفاء بالمولد في حضرته. كما يدخل ضمن شعر المديح النبوي ما يعرف بقصائد ” مدح النعل النبوية الشريفة “[1]
أما المعينية فنسبة إلى القطب الرباني والعالم المجاهد الكبير، والعلاّمة النحرير؛ محمد المصطفى بن محمد فاضل بن مامّين، الملقب بالشيخ ماء العينين (ت 1328ه/1910م)[2] فمنه تنحدر الأسرة والقبيلة، وإليه تنتسب المدرسة والزاوية.
بخصوص العنوان الفرعي، فالمقصود بالقراءة هنا تقديم توصيف وملاحظات حول ما تتميز به بنية هذه المدائح من سمات فنية وخصائص شعرية. والبنية أي الهيئة والصيغة التي جاءت عليها من حيث معمارها العام ولغتها الشعرية، وفي البنية أيضا سنبحث نهج كل شاعر معيني وطريقتَه الخاصة في التعبير عن موضوعات نبويته. أما الموضوعات فجمع موضوع، وهو مادة هذه المديحيات ومقصديتها، وما اتخذته مدارا لمتنها.
المعينية إذن، هي تلك النبويات التي نظمها شعراء مدرسة السمارة ــ العاصمة العلمية والروحية والجهادية للأقاليم الصحراوية المغربية ــ وبصفة خاصة ممن اسمه أو لقبه ” ماء العينين “[3] وهم في غالبيتهم كما هو معروف من أنجال وأحفاد الشيخ ماء العينين، حيث ذاع استخدام هذا الاسم أي ” المعينية ” في مختلف الأدبيات التي تتعلق بالشيخ ومدرسته أو زاويته؛ فنقول: الزاوية المعينية، الطريقة المعينية، المدرسة المعينية، الرحلة المعينية، الشعر المعيني … وعلى هذا المنوال وَسَمْنا هذه النبويات بالمعينية.
فما الذي جعل اسم ” ماء العينين ” من الأسماء الغالبة ذائعة الصيت والشهرة في العالم بصفة عامة وفي المغرب وأقالِيمه الصحراوية على وجه الخصوص؟ وكيف انتقل من اسم لمسمى إلى مفهوم متدوال يتجاذبه الفكر والأدب والتصوف والتاريخ؟
لا شك أن الأمر لم يأت عبثا ولا مُصادفة؛ بل تحكمت فيه عدة عوامل، وتمظهر من خلال عدة تجليات من أبرزها:
أ ــــ حفظ أعلام الأسرة المعينية لهذا اللقب وتعلقهم به أشد التعلق، وتوارثهم له، وتسلسله في بنيهم وحفدتهم؛ تقديرا للشيخ ماء العينين وتيمنا وتبركا به، وكيف لا؟ وهو كما يقول والده الشيخ محمد فاضل بن مامِّين (ت 1286 ه/1869م) في شأن تلقيبه بماء العينين « رجوتُ الله أن تكون ماء العينين: عين يمر بها الوارد فتسقيه، وعين تمر بالوارد فتسقيه »[4] أي أن تكون مباركا ويجري الخير على يديك أينما حللت وارتحلت.
وهكذا تجد بأن الوالد يسمي نجله ماء العينين ويوصيه بأن يسمي حفيده ماء العينين، بل أكثر من ذلك، فقد تجد من اسمه ماء العينين وكنيته ماء العينين؛ حتى أن الأمر أصبح يطرح إشكال الائتلاف، ويقتضي دقة التمحيص للتمييز بين هذا العلم وذاك[5]
ب ــــ أن آل ” الشيخ ماء العينين ” ينتسبون إلى أسرة / قبيلة شريفة الحسب والنسب، عُرف أفرادها بالعلم وتبوّأوا المناصب العالية من قضاء وخطابة وتدريس، وكانت وما تزال كغيرها من قبائل الصحراء تُعامل معاملة حسنة متميزة من سلاطين الدولة العلوية؛ وذلك لارتباطها الوثيق بالعلم والعلماء من ناحية، والحث على طلبه ونشره بين الأنام، ولدفاعها المستميت عن الوحدة المذهبية والوطنية والترابية للمغرب من ناحية أخرى، ناهيك عن الدور الطليعي لأدبائها وشعرائها المبدعين في إغناء وتعزيز ثقافة الصحراء وتراثها العلمي. وهي كما يقول عنها المؤرخ محمد المختار السوسي « أسرة علمية، لا يطاولها في هذا المجد العلمي في كل شمال إفريقيا إلا السنوسية في برقة »[6]
وصدق ابن الأسرة المعينية وشاعرها الشيخ محمد الإمام (ت1389هـ/1970م)[7] حينما قال واصفا ومفتخرا بآله وذويه:
أُولَئِكَ آلُ الجِيهِ مِنْ خَيْرِ مَعْشَرِ | مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ يَمَّمَهُ رَكْبُ | ||
أَلَمْ يَكُ مَاءُ العَيْنِ مِنْهُمْ وَمِنْهُمُ | أَبُوهُ أَبُو الأَقْطَابِ سَادَتُنَا النُّجْبُ | ||
مَتَى جِئْتَهُمْ لَقُوكَ أَهْلاً وَمَرْحَباً | وَيَلْقَاكَ فِي مَغْنَاهُمُ السَّعْدُ والرَّحْبُ | ||
أَسَاتِذَةٌ فِي مَجْلِسِ العِلْمِ وَالهُدَى | وَإِمَّا تُرَافِقُهُمْ هُمُ الأَهْلُ وَالصَّحْبُ[8] |
ج ــــ المكانة الاعتبارية التي حظي بها الشيخ ماء العينين بين أهله وذويه ومريديه، ولدى كافة أعلام الفكر والأدب والتصوف، حيث مدحه الداني والقاصي، بل عُدَّت مدائحه ظاهرة في حد ذاتها، فمدحه أبناؤه وإخوته ومريدوه، وغالبية شعراء المغرب في تلك الفترة؛ أمثال عبد الرحمان بن جعفر الكتاني، وعبد الرحمان بن زيدان والشاعر محمد بن مسعود المعْدْري، والطاهر الإفراني، وغيرهم كثير، ومن ضمن من مدحه أيضا بعض سلاطين الدولة العلوية وعلى رأسهم السلطان الحسن بن محمد.
وقد حاول غير واحد إحصاء المدائح التي قيلت في الشيخ، لكن تعذر عليهم ذلك، فهي مما لا تكفيه العقول ولا تحصيه النقول. يقول الشيخ محمد العاقب بن مايابي الجكني[9] «حاولت أن أحصي جميع ما بأيدي التلاميذ من ذلك في هذا اليوم، بقطع النظر عما قيل قبله، وعما خرج من تحت أيديهم، أو غاب عن حضرتهم في هذه الساعة، فسألت تلميذا واحدا عمَّا بيده من القصائد، وعن قدر عددها، هل يبلغ سبعين قصيدة ــ مثلا ــ أو يقارب السبعين؟ فقال لي: ينيف على المائة، ولا يبلغ المائتين فعلمت أن لا طاقة لي على حصرها، واعترفت بالعجز عن قدرها »[10]
وها هو الشاعر والفقيه محمد مولود بن اغشممت المجلسي[11] يصوّر هذا العجز في بيتين من جميل القول يمدح فيهما الشيخ ماء العينين، ويبين أنه مهما قيل فيه من قصائد، فسيبقى قاصرا عن الوفاء بحقه وفضله على العلم والعلماء والدين والأمة.
حَوَائِجُهُ عَنْ حَصْرِهَا القَوْلُ قَاصِرٌ | كَمَا القَوْلُ عَنْ إِمْدَاحِكُمْ قَاصِرٌ حَقَّا | ||
فَلَمْ يَحْصِهَا جَمْعُ الجَوَامِعِ كَثْرَةً | وَلَوْ كَانَ مَعْ شَرْحٍ وَحَاشِيَةٍ نَسْقَا[12] |
المحور الثاني ــــ بعض عوامل شيوع وازدهار شعر المديح النبوي في المنطقة:
لقد أسهمت عدة عوامل في شيوع وانتشار شعر المديح النبوي بين شعراء المنطقة بصفة عامة والمدرسة المعينية على وجه الخصوص؛ من أهمها هذين العاملين:
أولا: تشبع شعراء المنطقة بتربية دينية؛ أساسها حفظُ القرآن الكريم والمتون الفقهية، والانكباب دراسة وتدريسا على كتب السيرة والشمائل النبوية العطرة.
وفي هذا السياق يمكننا أن نشير إلى ما شكله كتاب ” الشفا في التعريف بحقوق المصطفى ” للقاضي عياض السبتي (ت544هـ/1149م) من دور كبير في تشكيل رؤاهم الشعرية؛ حتى « أن علماء الصحراء وشيوخها وأئمة الهدي المحمدي فيها، عبروا عن تعلقهم المتين بهذا الكتاب، بل ودأبوا على تدريسه وقراءته وختمه في المواسم الدينية، وحرصوا على أخذ الإجازة به، واتصال السند بمؤلفه، وخصصوا له مجالس عامرة تعرف بمجالس ” الشفا ” واتخذوه مرجعا يعودون إليه في مؤلفاتهم وبحوثهم »[13]
ثانيا: خصوصيات المرحلة التاريخية التي نُظمت فيها هذه النبويات؛ وهي المرحلة التي تميزت ببسط الاستعمارين الفرنسي والاسباني لسلطتهما على المنطقة، الشيء الذي أدى بالشعراء المعينيين إلى التمسك بعقيدتهم أكثر من أي وقت مضى، والاحتماء بسيرة المصطفى ﷺ واستخلاص المواقف والعبر منها واستلهام ما تميزت به حياته ﷺ من صبر وتحمل للأذى في سبيل إعلاء كلمة الحق؛ فكان اللجوء إلى المديح النبوي باعتباره سُلوةً للأنفاس، وحصنا منيعا وملاذا آمنا في مواجهة التحديات الأجنبية.
يقول الشيخ ماء العينين في هذا السياق:
أَهْلاً بِشَهْرٍ بِالنَّبِيِّ مُشَرَّفِ | وَلَهُ الظُّهُورُ ظُهُورُهُ لَمْ يَخْتَفِ | |
فِبِجَاهِهِ نَرْجُو الظُّهُورَ عَلَى العِدَا | وَظُهُورَ مَنْ مِنَّا عَلَى وَالمخْتَفِي[14] |
المحور الثالث ــــ السمات الفنية لبنية القصيدة النبوية المعينية:
إن المتأمل لبعض ما أنتجه شعراء المدرسة المعينية في باب المديح النبوي[15] ستثير انتباهه عدة ملاحظات تهم معمار القصيدة المديحية؛ يمكن أن نجملها فيما يلي:
أ ــــ أنها تتأرجح بين الطول والقصر؛ فمنها النتفة المؤلفة من بيتين أو القطعة التي تقل عن ستة أبيات إلا أن هذا قليل عند الشعراء الذين اشتغلنا بدواوينهم في هذه المقالة، فلم يتكرر الأمر سوى اثنتي عشرة مرة ضمن واحد وأربعين نبوية، ومنها المطولة التي تتجاوز مائة بيت وتكرر هذا الأمر مرتين، ومنها دون ذلك وهذا هو الغالب.
ب ــــ اعتماد ما يمكن تسميته بالتشكيل الصوتي للحروف الألفبائية وتوزِيعها كاملة على أبيات القصيدة مما يضفي على هذه المديحيات مسحة جمالية، ويسهم في تأثيث بنائها الداخلي، ويبرز في الآن نفسه الكفاءة اللغوية لدى المعينيين من الشعراء، وقوة قرائحهم الشعرية.
مثال ذلك ما نجده عند الشيخ ماء العينين الأشهر الأكبر (ت 1328هـ/1910م) عندما جعل على رأس كل بيت حرفا من حروف الهجاء؛ حيث يقول في البيتين الأول والثاني من إحدى نبوياته:
أَنُورٌ لأَنْوَارِ المعَارِفِ سَاطِعُ | أَمِ البَرْقُ مِنْ صَوْبِ الأَحِبَّةِ لاَمِعُ | ||
بَلَى إِنْ يَكُنْ نُوراً فَذَا الحَقُّ وَاضِحٌ | وَإِنْ يَكُ بَرْقٌ فَالسَّحَابَةُ هَامِعُ |
إلى أن يقول في البيت الأخير:
وَصَلِّ صَلاَةً مَعَ سَلاَمٍ عَلَيْهِ مَا | أُنِيلَتْ لَدَى الأَطْمَاعِ مِنْكَ مَطَامِعُ[16] |
وفي سياق هذا التشكيل الصوتي نسوق مثالا أكثر جلاء ووضوحا سواء من الناحية الكمية أو الكيفية فها هو الشاعر الشيخ بن العتيق ماء العينين (ت 1376ه/1957م)[17] يبدع ديوانا كاملا في مديح المصطفى ﷺ نظمه عام 1349ه/1930م وسماه ” مطالع الأنوار في مديح المختار ”
إن المثير في هذا الديوان أنه يتألف من ثمانية وعشرين قصيدة بعدد حروف الهجاء، وكل قصيدة تتكون من ثمانية وعشرين بيتا، وكل بيت يفتتحه الشاعر بحرف من حروف الهجاء مرتبة على التوالي من الألف إلى الياء، والقصيدة الأولى تبتدئ بحرف الألف ويكون الألف رويا لها، والثانية تفتتح بحرف الباء ويكون رويها باء كذلك، وهكذا إلى آخر حروف الهجاء.
ولن نكون أبلغ وأصدق في وصف الديوان من صاحبه الذي يقول في تصديره له: « … وقد منَّ الله علي بقصائد خدمت بها جنابه الكريم، في بعض المستطاع من مدائح قدره العظيم، نظمتها على أسلوب لم أر من سبقني إليه[18] (…) وذلك أني جعلت كل قصيدة منها ثمانية وعشرين بعدد الحروف، وكل بيت من القصيدة أفتتحه بحرف على حسب الترتيب المعروف، وجعلت عدة القصائد ثمانية وعشرين كذلك، وكل واحدة تخص برويها من الحروف على المتابعة كما هنالك، وأفتتح بالحرف الذي هو روي القصيدة بيتها الأول (…) والتزمت في كل قصيدة بحرا تيامنا بإكمال الأرب، حتى أكملت البحور الخمسة عشر التي استعملها العرب (…) وسميتها ” مطالع الأنوار في مديح المختار ” راجيا من الله أن يُنور بها بصائرنا وأبصارنا، ويقضي بها مآربنا وأوطارنا، ويغفر مآثمنا وأوزارنا، ويجعل إلى الجنة منقلبنا واستقرارنا، وأن يتقبلها تعالى ويجعلها خالصة لوجهه الأعظم، وأن يشملنا ببركاتها من بركاته صلى الله عليه وسلم »[19]
فمثلاً؛ القصيدة الأولى جعلها في بحر الطويل، ويبدأ بيتها الأول بحرف الألف، وتقوم على روي الألف. يقول:
أَثَارَ الهَوَى بَعْدَ الحِبِيبِ أَدَاؤُهُ | فَوَجْدِي بِهِ حَقٌّ عَلَيَّ أَدَاؤُهُ |
والبيت الثاني يبتدئ بحرف الباء، يقول:
بِأَنْ أَبْكِيَ الرَّبْعَ المحِيلَ بِجَنْبِهِ | فَحَتْماً عَلَى عَيْنِ المعَنَّى بُكَاؤُهُ [20] |
أما القصيدة الثانية فجعلها في بحر البسيط، وبدأ فيها بحرف الباء، الذي جعله رويا لها كذلك وهكذا دواليك حتى بلغ ثمانية وعشرين قصيدة، بثمانية وعشرين حرفا، يكون الحرف الذي على رأسها هو رويها في الآن ذاته.
من وجهة نظرنا فهذا الأسلوب الفني لا يدخل في إطار الشعر المصنوع المفتعل أو المتكلف فيه، ذلك الذي غايته التنميق والتلاعب اللفظي أو الشكلي؛ وإنما غاية الشاعر هنا إرضاء نفسه العاشقة المحبة؛ فهو يسعى ما استطاع إلى ذلك سبيلا أن يقدم نبويات على أسمى مرتبة من التهذيب والتجويد والتنقيح؛ حبا في النبي الكريم ﷺ وتشوقا إلى زيارة روضته الشريفة، واستجلابا لبركته والتماسا لشفاعته « ولا شك أن عظيم الوسائط من تعظيم الموسوط، وهو أعظم واسطة لله تعالى في فضله المبسوط »[21] وهذا ما أكده شاعرنا أيضا في ذات التصدير بقوله « وأن من أحب الوسائل إلى الله وأرجاها للقَبول، وأقوى الأسباب لنيل المعارف والوصول، صرف الهمم والأفكار واشتغال الظواهر والأسرار في نشر محاسنه ﷺ ومآثره، وذكر معرفة ممكنة عن شمائله ومفاخره، لما في ذلك من كمال محبته ﷺ »[22]
ج ــــ محاكاة النماذج الشعرية العربية القديمة، واحتذاء مقوماتها الفنية؛ حيث إن معظم النبويات المعينية جاءت هي الأخرى مبنية على قسمين أساسيين: القسم الذاتي الذي يتجلى في النسيب والوقوف على الأطلال، وفيه يعبر الشاعر عن وجوده النفسي وعواطفه الخاصة، قبل أن يتخلص إلى القسم الغيري الذي يخصصه للموضوع الرئيس / المديح النبوي.
ولا بد لنا هنا، وقبل أن نسوق بعض النماذج الشعرية؛ من وقفة نتساءل عبرها عن العوامل التي أدت بشعراء المدرسة المعينية إلى النظم على منوال القصيدة العربية القديمة، ونبحث من خلالها في تجليات ومظاهر هذا الاتِّباع.
إن تجسيد شعار العودة إلى الذاكرة والتراث، واستيحاء المخزون الذهني في مدائح أعلام المدرسة المعينية شأنهم في ذلك شأن كافة أعلام الفكر والأدب في الصحراء المغربية؛ لم يكن وليد الصدفة والتقليد؛ بل على العكس من ذلك، تحكمت فيه مجموعة عوامل من أبرزها:
أولا ـ الوسط الطبيعي: حيث إن بيئة صحراء المغرب، لا تختلف كثيرا عن طبيعة وجوّ الصحراء العربية قديما يقول عباس الجراري في هذا السياق « فالبيئة الصحراوية في جوها وأشيائها تذكر بالبيئة الجاهلية. والطبيعة الصحراوية كان لها تأثير على الشعراء وعلى تشكيل عالمهم الشعري، وتوضيح فضاء لا حدود لآفاقه وأبعاده من أطراف مترامية وكثبان رملية وجبال صخرية مع رؤوس ونتوءات. ثم إن هذه الطبيعة أفضت إلى صفاء في الذهن وصدق في الوجدان وتلقائية في التعبير، وقدرة على التعامل مع المحيط والبيئة »[23]
وقد أسهم هذا التناظر بين البيئتين، في تماثل كبير بين قصائد شعراء المدرسة المعينية، وقصائد شعراء العصور العربية الأولى؛ الجاهلي منها والأموي والعباسي، فظهرت قدرتهم على طرق مختلف أغراض وموضوعات الشعر العربي القديم، إلاَّ أن ذلك لم يكن لأجل المفاخرة والمباهاة، بل لأنها قصائد تعكس واقعهم المعيش وتجسد قيمهم حول الجَمال والإنسان والحياة.
ثانيا ــــ العامل المعرفي الثقافي: حيث إن شعراء مدرسة السمارة المعينية، تلقوا ثقافة عربية خالصة، مكنتهم من حفظ قصائد المعلقات، ومختلف دواوين فحول الشعراء القدامى، وقد ساعدهم في ذلك مسامراتهم الشعرية ومساجلاتهم الأدبية الكثيرة والمتنوعة.
أما بخصوص نماذج النبويات التي استلهمت التقاليد الفنية للقصيدة العربية القديمة؛ ابتداءً بالوقوف على الطلل وذكر الديار والدمن والآثار، ووصف الرحلة والنسيب، ثم وصولا إلى الغرض الرئيس، فسنكتفي بنموذجين فقط؛ الأول للشاعر الشيخ مربيه ربه (ت 1361ه/ 1942م)[24] حيث يقول في مطلع نبويته الحائية:
سَقَى اللَّهُ المرَابِعَ وَالبِطَاحَا | وَيَا رَبْعَ الهَضِيبَةِ عِمْ صَبَاحَا | ||
أَلاَ هَلْ مَنْ يُبَلِّغُهُ سَلاَمًا | غَدَا يَطْوِي المفَاوِزَ وَالبِطَاحَا |
إلى أن يقول متخلصا:
فَتِلْكَ شُمُوسُ خَيْرِ الرُّسْلِ لاَحَتْ | مَطَالِعُهَا فَقَارَنَتِ الفَلاَحَا[25] |
والنموذج الثاني للشاعر الشيخ محمد الإمام (ت 1389ه/1970م) حيث يقول في مطلع إحدى نبوياته:
أَثَارَ رَسِيسَ الشَّوْقِ قَسْراً لِخَلْفِهِ | لُمُوعٌ كَلَمْحِ الطَّرْفِ إِيمَاضُ خَطْفِهِ | ||
فِبِتُّ أَذُوذُ العَيْنَ عَنْ سِنَّةِ الكَرَى | أُكَفْكِفُ دَمْعاً لاَ يَدَ لِي بِكَفِّهِ | ||
ذَكَرْتُ رُبُوعاً بِالقُرَيْزِمِ أَقْفَرَتْ | سَقَاهَا مِنَ الوَسْمِيِّ مَنْهَلُ وَطْفِهِ |
إلى أن قال متخلصا:
فَعَمَّا قَرِيبٍ تَنْجَلِي سُدَفُ النَّوَى | بِإِشْرَاقِ شَمْسِ الحَقِّ مِنْ تَحْتِ سِجْفِهِ | ||
بِطَلْعَةِ خَيْرِ الخَلْقِ أَحْمَدَ مَنْ بِهِ | تَرَوَّتْ عِطَاشُ الكَوْنِ مِنْ سُحْبِ وَكْفِهِ[26] |
إن المتأمل لهذين النموذجين، والذي له اطلاع على ثقافة وأدب المنطقة سينتبه لا محالة إلى عنصرين مهمين لا بد من الإشارة إليهما:
ــــ العنصر الأول: يتعلق بهذه الأطلال والمغاني التي وقف عليها المعينيون من الشعراء؛ إذ نستشف أنهم كانوا بعيدين تماما عن التقليد المشين؛ فاستحضروا نزعتهم الذاتية وعبروا عن ارتباطهم الحميمي والوثيق بهذه الآثار الدارسة؛ التي لم يسمعوا عنها فحسب، ولم يستعيروها من الموروث الشعري القديم كما هو الحال بالنسبة لرواد حركة إحياء النموذج في المشرق؛ بل وقفوا عليها حقيقة ورأوها بأم أعينهم، وبكوا واستبكوا أمامها؛ ويتضح ذلك جليا من خلال ذكر أسماء بعض الأماكن والبقاع المعروفة في الصحراء من قبيل (البطاح الهضيبة، القريزم) كما في النموذجين أعلاه، و(العطف، الزمول، ذو الأوتاد، تيرس) في نماذج أخرى متفرقة من قصائد المعينيين وبقية شعراء المنطقة.
كل هذا يؤكد أن ظاهرة الوقوف على الأطلال في شعر المدرسة المعينية قديمة الرسوخ أصيلة المنشأ وتختلف كثيرا عن نظيرتها في المشرق العربي، وظلت إلى حد بعيد كما ذهب إلى ذلك مفدي أحمد « حقيقة قائمة نشأت عما يعتور الصحراء من الهدم والأمحال، فهي تحتل في ذاكرة الشعراء المغاربة / المعينيين القيمة نفسها التي كانت تحتلها في ذاكرة الجاهليين. أما شعراء البعث ــ في مصر ــ فلم يعيشوا التجربة، وإن حملوها في نفوسهم »[27]
ــــ العنصر الثاني: يرتبط بميل شعراء المدرسة المعينية إلى الألفاظ البدوية، واللغة الفخمة الجزلة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى درجة الغامض الذي لا سبيل لفك عويصه ـــ على الأقل في وقتنا الراهن ـــ من دون الرجوع إلى قواميس اللغة ومعاجمها. ومن ذلك مثلا بعض الألفاظ المذكورة في النموذجين أعلاه من قبيل (المفَاوِزَ، رَسِيسَ، لُمُوعٌ، إِيمَاضُ خَطْفِهِ، وَطْفِهِ، سِجْفِهِ، وَكْفِهِ) ومنه أيضا ألفاظ (المِغْشَمُ، مَلْعًا، رَاتِكَةٌ، وَخْدًا النَّصَّ) كما في هذين البيتين من قول الشيخ ماء العينين (ت 1328ه/ 1910م) في نبويته الرائية:
بَعْضٌ هُمَامٌ أَرِيبٌ مُنْجِدٌ فَطِنٌ | وَالشَّهْمُ فِيهِ وَفِيهِ المِغْشَمُ الصَّبِرُ | ||
وَفِيهِ عَانِقَةٌ مَلْعاً وَرَاتِكَةٌ | وَخْداً وَرَاسِمَةٌ وَالنَّصَّ لاَ يَذَرُ[28] |
وعلى أية حال فلهذا الأمر ما يبرره؛ حيث أسهمت الطبيعة البدوية الصحراوية والعامل الثقافي في بروز هذا الميل إلى البدوي الصعب، فتجد بأن الشاعر المعيني نشأ وشبَّ متمرِّسا بقواميس ومعاجم اللغة العربية، يمتح منها دون تكلف أو تصنع أو خروج عما ألفه. إنه باختصار الذوق العام الذي ميز حياة المعينيين من الشعراء كغيرهم من شعراء الصحراء الذين عايشوا بيئتها ومختلف مكوناتها الطبيعية من إبل وبيداء ورمال ونعام وغيرها فهم « لا يصدرون في إكثارهم من الكلمات الغامضة والألفاظ الغريبة عن تمحل، أو تقليد لبعض شعراء البادية كذي الرمّة ورؤبة وغيرهما، ولكنهم يعبرون في ذلك عن عالمهم الصحراوي الخشن وحياتهم البدوية القاسية فصعوبة لغتهم هي صورة لثقافتهم الرصينة القائمة على حفظ المتون اللغوية ودواوين الشعر القديم »[29]
ولقد نبّه العلامة عباس الجراري أيضا إلى هذه الحقيقة عندما أجرى مقارنة بين المدرستين الصحراوية والمصرية، فرأى بأن « مدرسة الإحياء المصرية حين حاولت بعث الشعر القديم، كانت عاجزة عن تذوقه ونقده ومن ثم قنعت بقراءة بعض نماذجه والانفعال بها. ويبدو أن طبيعة الشعر القديم، ولا سيما من حيث اللغة كانت تطرح صعوبات على شعرائها، ولهذا رأيناهم يُهملون الشعر الجاهلي والأموي، ويتجهون للعباسي وللسهل منه، وهي ظاهرة لا نلاحظها عند شعرائنا الصحراويين الذين كانت ثقافتهم اللغوية والأدبية لا تطرح عليهم مثل تلك الصعوبات »[30]
[1] القصائد التي قيلت في وصف وتصوير نعال النبي ﷺ، راجع فتح المتعال في مدح النعال لأبي العباس أحمد بن محمد المالكي المقري التلمساني (ت1041ه)، تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2006.
[2] هو الشيخ محمد المصطفى بن الشيخ محمد فاضل بن مامّين، الملقب بالشيخ ماء العينين. ولد بمنطقة الحوض شرقي بلاد شنقيط عام (1246ه/ 1830م) من أبرز وأشهر علماء الصحراء المغربية، من مؤلفاته ” نعت البدايات وتوصيف النهايات ” توفي بتزنيت ودفن بها عام (1328ه/ 1910م)
[3] ترتيب الأعلام والشعراء بحسب أسمائهم هو ترتيب قائم الذات يصطلح عليه الترتيب الاسمي، سبق وأن سار عليه بعض مؤلفي معاجم التراجم المتأخرين حيث يتم تقديم من اسمه محمدا، تيمنا وتبركا واحتراما للنبي الكريم ﷺ كما عند البخاري (ت256هـ/869م) في كتابه ” التاريخ الكبير ” والخطيب البغدادي (ت463هـ/ 1071م) في ” تاريخ بغداد ” وعند ابن يوسف القفطي (ت 646هـ/1248م) في كتابه ” المحمدون من الشعراء وأشعارهم ” أو تقديم من اسمه عبد الله قبل غيره من الأسماء المركبة مثل عبد الرحمان وعبد الملك … في حرف العين كما عند الصفدي (ت764هـ/ 1362م) في ” الوافي بالوفيات ” وعند ابن حجر العسقلاني (ت852هـ/ 1448م) في ” تهذيب التهذيب ” أو تقديم عمر على عثمان، وذكر علي بعد عثمان مباشرة، في حرف العين أيضا، تقديرا واحتراما للخلفاء الراشدين أصحاب الفضل الجلي والقدر العلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم كما عند البرتلي محمد (ت 1219ه/1815م) في” فتح الشَّكور “.
[4] الشيخ ماء العينين، محمد المصطفى. مبصر التشوف على منتخب التصوف، تحقيق: الظريف محمد وعيناق محمد، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ط 1، د ت، مقدمة التحقيق، ص 16.
[5] من ذلك مثلا التشابه بين علمين من أعلام الأسرة المعينية يحملان اسم ماء العينين ماء العينين، فالأول هو القاضي الأديب المزداد سنة 1948 وصاحب كتاب ” في الأدب والمقاومة ” ورواية ” أنشودة الصحراء الدامية “، أما الثاني فهو الشاعر الشاب المزداد سنة 1981، حفيد الشيخ ماء العينين بن العتيق ونجل الشاعرة خديجة ماء العينين.
[6] السوسي، محمد المختار، سوس العالمة، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 1414هـ/1984م، ص 140.
[7] هو الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين، شاعر وعلامة، وأديب أريب، ولد في أكريزيم شرق وادي الساقية الحمراء عام (1310ه/1892م) من مؤلفاته ذائعة الصيت” الجأش الربيط في النضال عن مغربية شنجيط وعربية المغاربة من مركب وبسيط ” الصادر عام 1376هـ/1957م، توفي بتزنيت ودفن إزاء أبيه عام (1390ه/1970م)
[8] الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين، الديوان، ماء العينين، الشيخ محمد الإمام، الديوان، جمع وتحقيق ودراسة: ماء العينين العالية، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، رقم 17، مطبعة بني إزناسن، سلا، الطبعة 1، 2004.
[9] هو العلاّمة المشارك المتبحر، الأديب الأريب، والشاعر المفوّه المُجيد، ” مَا يَابَى ” نسبة إلى جده الذي اشتهر بسخائه الكبير، فكان لا يرد سائلا حتى لقب ” ما يأبى ” أما ” الجكني ” فنسبة إلى ” تَجَاكَانتْ ” قبيلة العلم والكرم، التي شهد لها الشناجطة وعلماء الصحراء بالحفظ والضبط والتدقيق والتحقيق؛ حتى قيل ” العلم جَكَنِي ” ولد بولاية الحوض في شنجيط عام 1275هـ/1858م. من مؤلفاته” مجمع البحرين في مناقب الشيخ ماء العينين ” توفي ودفن في فاس عام 1327هـ/1909م. ترجم له: بن الشمس أحمد، النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية، الجزء الثاني، ص 95 ــــ 102 و 122 / اليعقوبي سيدي محمد ولد بزيد، مُعجم المؤلفين في القطر الشنقيطي، ص 64 ـــ 66.
[10] ابن الشيخ مامينا، الطالب أخيار. علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية، مطبعة المعارف الجديدة، ط 2، الرباط، 2011، الجزء الأول، ص 515.
[11] هو العالم الجليل والفقيه النبيل مولود بن أغشممت المجلسي، و أغشممت لقب اشتهر به، وهو اسم منهل كان يألفه كثيرا فغلب عليه وبه عرف. توفي عام 1327هـ/1908م. ترجم له ابن الأمين الشنقيطي، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط والكلام على تلك البلاد تحديدا وتخطيطا وعاداتهم وأخلاقهم وما يتعلق بذلك، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، الطبعة 6 1429هـ/2008 م، ص 356 ـــ 358.
[12] محمد الأمين خليفة، ديوان مدح الشيخ ماء العينين، تقديم وتحقيق، رسالة لنيل دبلوم السلك الثالث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس الرباط، إشراف: د. أحمد شوقي بنبين، السنة الجامعية 1993 ـــ 1994، الجزء 1 ص205.
[13] راجع: العلوي، محمد الكبير « كتاب الشفا في الصحراء المغربية» مجلة ” دعوة الحق ” تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، السنة 22، عدد 3، رجب 1401هـ/ ماي 1981م، ص 49 ـــ 65.
[14] الشيخ ماء العينين، محمد المصطفى، ديوان الشيخ ماء العينين، تحقيق بسام محمد بارود، إصدارات الساحة الخزرجية، ط 1 أبو ظبي، 1429هـ/ 2008م، ص 128.
[15] اشتغلنا هنا بواحد وأربعين (41) قصيدة من إنتاج ستة من شعراء المدرسة المعينية؛ باعتبارهم عينة لموضوع الدراسة، ويتعلق الأمر بكل من الشيخ ماء العينين الأشهر الأكبر، الشيخ أحمد الهيبة، الشيخ مربيه ربه، الشيخ محمد الإمام، الشيخ بن العتيق ماء العينين، الشاعر محمدِ بن الشيخ أحمد الهيبة. أنظر تراجمهم ضمن هوامش هذه الدراسة، وراجع: مرزوك، سمير. أعلام الحركة الأدبية والفكرية في الصحراء المغربية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، أطروحة دكتوراة، تحت إشراف د. عبد الله المرابط الترغي، وعبد اللطيف شهبون، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان، 2015، القسم الأول.
[16] الشيخ ماء العينين، محمد المصطفى، الديوان، م س، ص 123 ـــ 125.
[17] هو ماء العينين بن العتيق؛ الفقيه والشاعر والأديب الأريب، حفيد الشيخ ماء العينين من أمه العالية أم، ولد في الساقية الحمراء عام (1307ه/1887م) من أبرز مؤلفاته رحلة حجازية بوسم ” الرحلة المعينية ” توفي ودفن بمراكش عام (1376ه/1957م)
[18] هذا الأسلوب الذي يرى الشيخ بن العنيق ماء العينين بأنه لم ير من سبقه إليه؛ في حقيقة الأمر تم النظم على منواله من طرف سابقيه من الشعراء المشارقة والمغاربة على السواء، مع اختلافات بسيطة بين هذا الشاعر وذاك، ومن أقدم ما وصلنا من ذلك ” القصائد الوِترية في مدح خير البرية ” لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن رشيد البغدادي المتوفى عام 662 ه؛ حيث نظم تسعة وعشرين قصيدة على عدد حروف المعجم باعتبار ” لا ” حرفا إذ تبتدئ جميع أبيات القصيدة بحرف من حروف المعجم ويكون هو الروي. كما وقفت على أسلوب مشابه عند الشاعر محمد بن صالح الصحراوي الروداني (ت 1241هـ/1826م) ضمن ما يعرف أيضا بالوِتريات النبوية؛ حيث قال في التمهيد لها: « (…) فنظمت بعون الله وتوفيقه ثمان عشرة قصيدة، ست عشرة منها في كل بحر من بحور الشعر العربي الستة عشر (…) وافتتحت كل قصيدة من قصائد البحور الستة عشر باسم بحرها أذهى منه كالوليدة، ليغني ذكرُه في أولها عن البحث عمن يريده (…) » ترجم له محمد المختار السوسي في المعسول، مطبعة النجاح الدار البيضاء 1382ه/1962م، الجزء السادس، ص 23 ـــ 52.
[19] بن العتيق، ماء العينين. الديوان، جمع وتحقيق وتقديم محمد الظريف، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، رقم 18، مطبعة بني إزناسن، سلا، الطبعة الأولى، 2004، ص 446.
[20] نفسه، ص 449.
[21] نفسه، ص 445.
[22] بن العتيق، ماء العينين، الديوان، م س، ص 445.
[23] الجراري، عباس. شعر الصحراء، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1988، ص 14.
[24] هو الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين، العلاّمة المجاهد والشاعر والمصنّف، ولد عام 1298هـ/1879م بموضع يسمى أزمول الطيحة ببادية تيرس. له عدة مؤلفات في موضوع الجهاد أبرزها ” لُبانة المجاهدين وبُغية الطالبين ” و” العسل المصفى في عدد من استشهد زمن المصطفى ﷺ، توفي بتافودارت شرق عيون الساقية الحمراء عام 1361ه/1942م.
[25] الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين، الديوان، جمع وتحقيق وتقديم ماء العينين النعمة علي. منشورات وزارة الثقافة، دار المناهل، الرباط 2007، الجزء 1، ص 256 ـ 260.
[26] الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين. الديوان، م س، أنظرها كاملة ص 207 ـــ 211.
[27] مفدي، أحمد. الشعر العربي في الصحراء المغربية: جذوره التاريخية، ظواهره وقضاياه، أطروحة لنيل دكتوراة الدولة في الأدب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، إشراف: د. عباس الجراري، السنة الجامعية: 1989 ـــ 1990، الجزء الثالث، ص 553.
[28] الشيخ ماء العينين، محمد المصطفى، الديوان، م س، ص 48.
[29] الظريف، محمد. الحياة الأدبية في زاوية الشيخ ماء العينين، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، مطبعة بني إزناسن سلا، الطبعة 1، 2003، ص 303.
[30] الجراري، عباس. الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة 2 1402هـ/1982م، الجزء 1، ص 181 ـــ 182.
د. سمير مرزوك