يعتبر العنف ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ عصورها الأولى، له مفاهيم ومستويات وأنواع كثيرة وخطيرة ..غير أنه -كأي ظاهرة-لا يمكن أن ينفصل عن القيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية بوجه خاص.
ونظرا لتعدد أسباب العنف وعوامله المنتجة له فإنه يبقى قضية المجتمع الأولى لأنه مرتبط بهوية المجتمع وبشكل رؤيته للحياة أو للعلاقات بين الأفراد والجماعات. وكما تساهم طرق التربية الخاطئة وأساليبها في خلق ظاهرة العنف ، تساهم كذلك التفاوتات الطبقية بنفس الشكل أو أكثر، كما أن لغياب العدالة نصيبا في توليدها ..فإن للفقر أيضا تدخلا في هذا المجال.. وهكذا تتعدد الأسباب والعنف واحد.
- لكن للعنف ..أشكال عديدة…:
فكما يكون العدوان والعنف متجهين إلى الذات قصد إيذائها. يكونان كذلك متجهين إلى الغير في مظاهر وأشكال متعددة تتراوح بين القوة والشدة وبين الضعف واللين..ومن هذه الأشكال نذكر:
- النظرة التي تتجاوز الحدود وترمي إلى الإيذاء.
- السخرية والتهكم على الآخر.
- النكتة التي تسقط الفرد على شخوصها عداءه وعدوانه.
- فعل مقصود ومباشر يلحق بموجبه المعتدي أذى واضحا بالآخر يستخدم من خلاله بعض الوسائل كالأدوات والأسلحة.
- الحركة والتنقل الزائد والمبالغ فيه والتي يقوم بها بعض المراهقين يوميا في الشوارع والأزقة.
- ارتداء بعض الألبسة الغريبة وغير المحتشمة والتي تكشف عن تفاصيل الجسد لدى المراهق أو المراهقة.
- أخطر أشكال العنف..العنف المدرسي…
قد بلغت ظاهرة العنف في المؤسسات التربوية والتعليمية أقصاها ومداها، خصوصا في السنين الأخيرة، وبتنا نسمع يوميا عبر وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي عن أحداث العنف التي تعرفها المؤسسات التعليمية. بل ونعايشها يوميا بحكم وظيفتنا التربوية. وهذا يدل على أن تلك الهالة والقداسة التي كانت للمؤسسة التعليمية ولطاقمها التربوي قد بدأت تنهار وتزول وتتساقط أوراقها. كما تبين أن أكثر المراهقين العدوانيين هم مرضى نفسانيين يجدون صعوبة في التأقلم مع الوسط المدرسي والتكيف مع القوانين والأعراف الأخلاقية المعمول بها الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب سلوكياتهم وأفعالهم فيتمردون على سلطة المدرسة والمدرسين، بل ويوجهون عدوانيتهم لذواتهم أولا ثم إلى المحيطين بهم من أفراد أسرتهم وزملائهم وأقرانهم ومدرسيهم ثانيا، وذلك بوسائل مادية ومعنوية مختلفة، نذكر منها:
- السلوك الإنسحابي أو العزوف عن الدراسة واللامبالاة وعدم الاهتمام داخل الفصل.
- الالتزام بالصمت المستمر كموقف عدائي وعدم المشاركة.
- الإقدام على بعض الأفعال التخريبية لأثاث الحجرات الدراسية أو أشجار الساحات أو تحطيم سيارات المدرسين وإلحاق الضرر بهم.
- الالتجاء إلى بعض العدوانيات اللفظية التي يعبرون عنها بواسطة الكتابة على السبورة أو على جدران الفصل أو الطاولات أو بيت النظافة.
*وللعنف المدرسي …أسباب وعوامل…
هناك أسباب كثيرة ومتعددة يمكن إجمالها في عاملين رئيسيين:
أولا: العامل الاجتماعي: تتجلى هذه المشاكل في العلاقات الأسرية وما ينتج عنها من مشاكل تؤثر سلبا على المراهق فينعكس هذا على سلوكياته وتصرفاته منها انتشار البطالة والفقر وتعقد الحياة وركود النمو الاقتصادي. فضلا عن تغير القيم التقليدية والأخلاق الفردية والجماعية، وتغير نظرة المجتمع إلى دور المدرسة بسبب الإحباط واليأس الذي أصاب المتمدرسين. ولا ننسى هنا الظروف السكنية غير اللائقة مع ما تعرفه بعض الأحياء السكنية الهامشية من اكتظاظ مهول.
ثانيا: العامل التربوي: ويكمن في بعض المشاكل التربوية كفشل بعض المؤسسات في تطبيع المراهقين اجتماعيا ونفسيا الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة في التواصل بين المدرس والمتعلم وبين المدرس وآباء وأولياء أمور المتعلمين علاوة عن النقص في حماية العاملين بالمؤسسات التعليمية من طرف الإدارة. ولا ننسى هنا التقدم التكنولوجي الذي حصل في المجال الإعلامي والمعلوماتي كالأنترنيت والهاتف المحمول…
- حلول واقتراحات…:
عندما نريد التفكير في إيجاد الحلول المناسبة لهذه الظاهرة المتفشية لابد من فتح المجال أمام الوظيفة النفسية والاجتماعية للمدرسة حتى تلعب دورها الهام، ذلك أنها تعتبر قنطرة التلميذ المراهق ومعبره إلى الاندماج في المجتمع، غير أنه ليس كل منهاج دراسي بقادر اليوم على القيام بهذه المهمة الصعبة والمستحيلة والاضطلاع بها على أحسن وجه.
إن المراهق بحاجة إلى نظام مدرسي يتفهم حاجاته ومتطلباته، يوفر له فرص التدرب على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات والتوازن المناسب والتخطيط للمستقبل والتعود على إقامة العلاقات التواصلية السليمة مع الآخر، بدل نبذه وتهميشه وتعنيفه.. فالبرامج والمقررات الدراسية ينبغي أن تنتج على أسس تراعي المرحلة العمرية وطبيعتها، وتكون قادرة على إكساب المتعلمين المراهقين غنى ونضجا في شخصيتهم وتشجيعهم ومنحهم الثقة في النفس واحترامهم وتحسيسهم بهويتهم وانتمائهم الاجتماعي والثقافي.
د نجيب محمد الجباري