خلد فرع اتحاد كاتبات المغرب بطنجة الذكرى الأولى لرحيل الدكتورة هدى المجاطي رحمها الله يوم الجمعة رابع وعشري ذي القعدة 1443 هـ – رابع وعشري يونيو 2022 بمقر مندوبية وزارة الثقافة، بحضور أفراد أسرتها الكريمة وجمهور مثقف ضم فضليات وأفاضل من الحقل التعليمي والثقافي.
شاركت بكلمة جمّعتُ فيها خلاصة أفكار حول ثاني منجز علمي للمرحومة هدى بإشراف عزيزنا المرحوم سيدي عبد الله المرابط الترغي ، وهو “عقد الجواهر في شرح النسيم العاطر” لأبي عبد الله محمد المكي بن موسى بن ناصر الدرعي : تخريج وتقديم.
كان سيدي عبد الله يعلم أن المخطوط بتوقيع أحد كبار علماء ومؤرخي الزاوية الناصرية، وهو صاحب رصيد تأليفي حافل، وكتبه توفر مادة علمية نادرة حول التراث الناصري، وليست لهذا المخطوط سوى نسخة فريدة ضمن مجموع . وأما موضوعه فهو شرح قصيدة مدحية في الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي المتوفى سنة 1129 هـ ، ومن استهلالها :
هب النسيم معطر الأردان
والدوح ترفل في حلى الألوان
والروض يضحك من بكاء غمامة
حنت لإلف عندما لقيان
والماء من تلك الأباطح والربى
ينساب كالنضناض في الجريان
والروض فوق زبرجد من سندس
نشوان يرقص والطيور غوان
شدت المرحومة هدى رحالها نحو رباط الفتح لتحصل على مصورة نسخة أم للمخطوط، ثم انصرفت لإعداد عملها بتوفيق من الله وتوجيه من أستاذها المشرف سيدي عبد الله.
1 – أقامت المرحومة هدى المجاطي عملها على قسمين :
قسم تضمن معطيات بيوغرافية عن محمد المكي الناصري في سياق ملابسات موضوعية.. وقسم أفردته لتخريج المتن في ضوء ضوابط تحقيق المتون التراثية.
2 – أدرجت المرحومة هدى متن “عقد الجواهر في شرح النسيم العاطر” ضمن الشروح الأدبية التي ألفها علماء المغرب الموحدي والمريني، خدمة لقيم الدين الإسلامي (نموذج ” اللآلىء الفريدة في شرح القصيدة ” لمحمد بن الحسين الفاسي المتوفى سنة 656 هـ، وهو شرح على القصيدة الشاطبية في القراءات والتجويد) أو خدمة للغة العربية (نموذج : “شرح أبيات سيبويه” لأبي زكرياء يحي الزواوي المتوفى سنة 628 هـ).
وغير خاف أن اهتمام علماء المغرب بهذه الشروح عكس نمطا تواصليا بين المغرب والمشرق وترجمة للتشبث بقيم هوية جامعة هي هوية أمة القرآن.
3 – أشارت المرحومة هدى إلى أن الشروح الشعرية في المغرب نمت وتطورت بشكل لافت في القرنين الحادي عشر والثاني الهجريين لخدمة ما تم تأصيله.. مع انفتاح أكبر على الكون الصوفي؛ ومن هذا القبيل شرح الحسن اليوسي لداليته في مدح شيخه سيدي محمد بن ناصر الدرعي، و شرح علي بن محمد بن ناصر الدرعي لقصيدة والده في التصوف، المعروفة بالوسيطة، وضمن هذا الصنف يندرج “عقد الجواهر في شرح النسيم العاطر”..
بذلت المرحومة هدى جهودا مضنية في القسم الأول المفرد لتقديم صاحب المخطوط من حيث ولادته واسمه ونسبه ومصادر ترجمته وتكوينه ومشيخته ووفاته ومدفنه، فاتحة آفاقا بحثية حول شعره وعلاقته بشيوخه وكيفيات استمداده منهم وانبهاره بذواتهم.. خاصة الشيخ محمد العلمي الحسني الحوات الشفشاوني المتوفى سنة 1161 هـ، كما عززت معلوماتها بتعليقات في غاية الفطنة والاستدراك على بعض من دونوا بيانات ترجمية.. فجاءت ترجمتها للشارح مفصلة شاملة.. منبهة إلى أمر ذي أهمية في التحصيل العلمي لمحمد المكي بن موسى بن ناصر الدرعي وهو سياحته في أرض الله الواسعة حيث خرج من تامكروت إلى فاس ومكناس ومراكش والرباط والشاون طلبا لمشيخة علمية شكلت ألمعيته ولوذعيته..
4 – قامت المرحومة هدى بتوثيق نص المخطوط ثم قرأته وفتحت باب تأويله وأبواب توظيفه في إطار علمي خدمة لتراثنا الأصيل من الشاون إلى تامكروت فباقي ربوع مغربنا الممتدة أقاليمه في عمق الصحراء..
رحم الله هدى المجاطي نموذج نبوغ ملتزم بقيم العلم والأخلاق.
د. عبد اللطيف شهبون