أولا :
الاصلاح هاجس متجذر..
تفاعلت النخب المغربية مبكرا مع قضايا انتقال السلطة ، وما يرتبط بها من مشاهد الحقلين الدستوري والسياسي..ويمكننا التقاط درر هذا الهاجس ـ مثالا لا حصرا ـ في ما هو مدون ببعض الرحلات السفارية لأوربا ..
فأحمد بن محمد الكردودي سجلأ دهشته بما عاينه من انتقال السلطة من الملك ألفونسو الثاني عشر لولي عهده في اسبانيا دونما اضطراب..
والحسن الغسال ركز مشاهداته في المؤسسات الدستورية والسياسية وعمل أحزاب المعارضة الديموقراطية في انجلترا..
وعبد الله الفاسي نقل ملاحظاته عن تطور الحياة العلمية والثقافية والفكرية والسياسية بفرنسا..
ومن البدهي أن مجموع المشاهدات المدونة والمتداولة وقتئذ قد أضمرت توقا وتطلعا نحو مدارج أرقى لضبط علاقة الحاكمين بالمحكومين..
عرفت بلادنا في سنة 1908 صدور مشروع أول دستور نص على :
- منح الملك سلطا دستورية..
- اقرار حقوق المواطنين..
- اجبارية التعليم..
- تكليف منتدى الشورى بحق التشريع ومراقبة الحكم وطرق صرف الميزانية..
وفي سنة 1921 وضعت الجمعية الوطنية بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي مشروع دستور تضمن مبدأ حكم الشعب..
وفي ديسمبر 1933 تأسست بتطوان أول جمعية حقوقية بالمغرب ، وكانت فرعا لعصبة حقوق الانسان بمدريد..
وفي سنة 1947 قدم الزعيم محمد بن الحسن الوزاني مشروع الاصلاح الدستوري الهادف لتحقيق ” ديموقراطية سياسية واجتماعية واقتصادية لفائدة الشعب ”
ثانيا :
الاصلاح حلقة من مسلسل نضالي..
أكد المفكر محمد عابد الجابري أن ما عرفه المغرب خلال العقد التسعيني من القرن الماضي نوع من تطور ديموقراطي تراكمي ؛ نتاج عوامل تاريخية سابقة ؛ ” فلا يمكن فهم قضية التناوب كحدث سياسي ظرفي بل حلقة من مسلسل استمرارية..” وبالتالي ” فأي حديث عن التحول الديموقراطي في المغرب لا يكون واقعيا الا بعد حصول المغرب على استقلاله وبداية التفكير بوضع أسس نظام سياسي لما بعد الاستقلال” وتيسيرا لاستيعاب مسير التطور الديموقراطي يمكن الاستئناس بنسق تحقيبي :
1956 ـ 1962 : من أهم ملامح هذه الحقبة :
- الحسم لصالح نظام ملكي ذي توجه دستوري ؛ ومعناه الحسم في شرعية سلطة ذات تجذر تاريخي..
- التنصيص على تعددية حزبية ؛ فجميع الدساتير المغربية تمنع تشكل الحزب الوحيد..
- تأسيس المجلس الوطني الاستشاري برئاسة الشهيد المهدي بن بركة في 3غشت 1956ثم انتهى العمل به في في 23 ماي 1959
- صدور قانون الحريات العامة في 15 نوفمبر 1958
- صدور قانون الانتخابات في فاتح سبتمبر 1959
- الدخول في أول تجربة انتخابية في 29 ماي 1960
1962 ـ 1965 : ومما ميز هذه الحقبة جملة أحداث منها :
- مقاطعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لدستور 1962 ؛ وقد عزز هذا الموقف كل من الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي والشيخ محمد بلعربي العلوي..
- توتر العلاقة بين المؤسسة الملكية والمعارضة الديموقراطية..
- توسع حملة اعتقال أطر معرضة ديموقراطية..
- تزوير الانتخابات..
- وقوع أحداث 23 مارس 1965 والتي خلفت ضحايا نتيجة عنف أجهزة الدولة ؛ خاصة الأمن والجيش..
- اعلان حالة الاستثناء في 7 يونيه 1965
- اغتيال الشهيد المهدي بن بركة يوم 29 اكتوبر 1965
1965 ـ 1977 : ومن عناوين هذه الحقبة :
- فشل الحوار بين المؤسسة الملكية والمعارضة الديموقراطية سنة 1970
- وقوع محاولتين انقلابيتين عسكريتين في 1971 و1972
- ظهور ” اليسار الجديد “
- الاعلان عن دستور 1972
- بروز مشكل الصحراء المغربية سنة 1974
- وقوع اعتقالات واختفاءات قسرية واسعة في صفوف ” اليسار الجديد ” ومحاكمتهم محاكمات اختلت فيها موازين العدالة..
- اغتيال الشهيد عمر بن جلون من طرف عصابة أصولية مسخرة بعد استهدافه بطرد ملغوم هو والأستاذ محمد اليازغي..
1977 ـ 1992 : تميزت هذه الحقبة ب :
- اجراء انتخابات جماعية ومهنية في نوفمبر 1976
- عودة المعرضة الديموقراطية لغرفة البرلمان سنة 1977
- تزوير الانتخابات..
- وقوع أحداث اجتماعية بالغة الخطورة خلال سنوات 1981 ـ 1984 ـ 1990 خلفت قتلى ومعتقلين ، حوكموا محاكمات غير عادلة..
- اجراء الانتخابات التشريعية سنة 1984
- انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان في 20 ابريل 1990
- وضع المحاكم الادارية
- اطلاق سراح معتقلين سياسيين والافراج عن مختفين قسريا واغلاق مراكز سرية مورست فيها انتهاكات جسيمة..
- الغاء ظهير كل ما من شأنه “1935” الموروث عن المحتل الفرنسي
1992 ـ 1998 : وأهم ما ميزها :
- مراجعة دستور 1992 والتوكيد في الديباجة على تشبث المغرب بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا..
- صدور عفو ملكي شامل سنة 1994على منفيين ومتابعين ..
- تزوير الانتخابات
- بروز أولى خطوات انجاح ” التناوب التوافقي “
- مراجعة الدستورسنة 1996
- تشكيل حكومة التناوب في14 مارس 1998
- توقيع اتفاق بين الحكومة والمندوبية السامية للأمم المتحدة في أبريل 1998 بشأن تأسيس مركز للتوثيق والاعلام في مجال حقوق الانسان
والخلاصة :
ما حصل في العقد التسعيني من القرن الماضي هو نتيجة لانفتاح نسبي وتعددية سياسية مقيدة بهامش ديموقراطي ساعد على :
- حصول تقارب بين المؤسسة الملكية والأحزاب الديموقراطية..
- وجود دينامية غير مسبوقة لمجتمع مدني ؛ خاصة في المجال الحقوقي
- حصول توافق في مجال الاصلاح الدستوري..