بدأ العمل ساعة وصولنا إلى مقر الوزارة؛ حيث قدمت لنا عرضا عن الأرشيف الإداري للدولة، وهو عبارة عن ملفات عامة في شؤون مختلفة، والذي يوجد خارج مدريد بالمدينة الجامعية … الكالا …
بعد ذلك، قمنا بزيارة للسيدة رئيسة قسم التعاون بالوزارة التي رحبت بنا، وفتحت معنا مناقشات حول مجال التعاون وما ينبغي القيام به لصالح المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، كما وقعت الإشارة إلى المختبر الذي أقيم بالرباط، ومدى أهميته، وأن المختبر المزمع إنشاؤه بالمكتبة بتطوان سيكون على مستوى هذه المكتبة، وقد استمرت الجلسة لغاية 11.30 دقيقة، وحضرها بعض المساعدين للسيدة رئيسة القسم.
ثم توجهنا إلى مدينة… الكالا… التي وصلناها على الساعة 13.30 دقيقة، وقد استقبلتنا مديرة المركز، وقدمت لنا عرضا عن هذا الأرشيف، وما يشتمل عليه من ملفات التي ترجع إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وهو يتكون من الملفات التي توجّهها جميع الوزارات والمصالح الإدارية للدولة، كما كان معمولا به في المنطقة الشمالية في المغرب إبان الحماية، فالمركز يحتوي على ملفات متنوعة: إدارية – زمنية – ثقافية – فلاحة – صحة. وهناك قسم هام يتعلق بالهندسة المعمارية، وهو مفتوح للعموم في إطار البحث، إلا أن هناك ملفات زمنية تخضع لإجراءات إدارية خاصة، والقسم الخاص بالفترة الممتدة لحكم الجنرال “فرانكو” يكون أهمية خاصة، ويتردد عليه عدد من الباحثين، وهذه الفترة هي التي تنقصها ملفات توجد بالمكتبة العامة بتطوان، وكان حاضرا معنا السيد رئيس مصلحة الأرشيف الذي زار مكتبة تطوان صحبة السيدة المديرة المساعدة، فقلت للسيدة مديرة المركز: « لاشك أن السيد رئيس مصلحة الأرشيف، قد حدثكم على الأرشيف العام الذي يوجد بمكتبة تطوان»، كما أشرت إلى الندوة التي انعقدت بكلية الآداب بتطوان بتاريخ 1995/12/14 التي عقدت بعض جلساتها بالمكتبة تحت عنوان «تطوان أيام الحماية من خلال الوثائق الإسبانية »، والتي حضرها السيد المستشار الثقافي بسفارة إسبانيا بالرباط، والسيد القنصل العام لإسبانيا بتطوان، وشارك فيها عدد من السادة الباحثين الإسبان، وألقيت في الجلسة الافتتاحية للندوة كلمة في الموضوع، أبرزت فيها أهمية هذه الوثائق، كما كانت هناك تدخلات من بعض الباحثين إسبانيين ومغاربة، تناولت هذا الجانب المهم من المكتبة.
بعد ذلك، قمنا بزيارة الأقسام الإدارية، وقاعات البحث والمطالعة، ومستودعات الأرشيف التي تشتمل على مواصفات خاصة من أجل الحفظ والصيانة فيما يتعلق بنوعية البناء من سقف وجدار، كما تحتوي على الآت لضبط درجة الحرارة والبرودة. وقد أثار انتباهنا المستوى الذي يوجد عليه هذا المستودع، ثم توجهنا إلى الجناح الخاص بالميكروفيلم، ثم إلى مختبر الترميم ومعالجة الوثائق والكتب، وقدمت لنا شروح عن مراحل المعالجة والترميم من جانب مختصين بهذا القسم.
وقد غادرنا هذا المركز الهام الذي يأتي في المرتبة الثانية ضمن سلم الأرشيف العالمي بعد واشنطن وباريس على الساعة 3.30 دقيقة بعد الظهر. وعلى الساعة 6.30 دقيقة مساء رجعنا إلى مدريد، حيث عقدنا جلسة عمل بالوزارة مع السيدة رئيسة قسم الإعلاميات وحوسبة المكتبات داخل المملكة الإسبانية، والتي يصل عددها إلى 51 مكتبة، وقد قدمت لنا السيدة المسؤولة عرضا إضافيا عن هذه المؤسسات الثقافية، وعن الاعتمادات المخصصة لها، وكيفية تسييرها، وعن عملية البرمجة، وعملية الربط بين المكتبات وبين الوزارة الذي هو في الحقيقة مشروع مستقبلي، وقد تم لحد الآن ربط 5 مكتبات بالوزارة، وهكذا أتيح لنا أن تتعرف على كيفية التسيير، ومدى فعالية الحاسوب في خدمة الأهداف المكتبية، وانتهت الجلسة على الساعة 7.30 مساء.
وفي يوم الأربعاء 1995/12/20 على الساعة 9.30 دقيقة صباحا، توجهنا إلى مركز الأرشيف التاريخي الوطني، ويرجع تاريخ هذا المركز إلى سنة 1866، ويحتوي على وثائق تهم القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وهناك وثائق تتعلق بالمدينتين السليبتين سبتة ومليلية، ويشتمل هذا الأرشيف على تاريخ الطوائف الدينية المسيحية، كما يختص بالأرشيف العسكري، وبه كذلك وثائق تتعلق بحركة الاسترداد؛ أي استرداد المواقع من يد المسلمين، كما توجد به نصوص أحكام تتعلق بالموريسكيين الذين تظاهروا بالمسيحية، وتبين أنهم ما زالوا على الإسلام، وكذلك فيما يتعلق باليهود، وقد ألقيت سؤالا على السيدة مديرة المركز عن تاريخ إسبانيا أيام الحكم العربي، وعن الوثائق التي تخص هذه الحقبة التي تمثل ثمانية قرون فتبيّن لي أن هذه الرّحلة من تاريخ إسبانيا مازال يكشفها تعتيم وغموض راجع إلى عملية الإبادة التي شملت التراث والوثائق بعد العنصر البشري، وهذا ما تأكد لنا عند زيارتنا لكل من المكتبة الوطنية، ومكتبة الإسكريال، وتوجد ببعض المدن كبلنسية والكنت وغرناطة وثائق تتعلق بتاريخ العرب، وكذلك فيما يتعلق بأرشيف العائلات العربية واليهودية، ونبهت السيدة مديرة المركز أن مدينة إشبيلية تعد المركز المهم والمتطور في ميدان الأرشيف، ونصحت بزيارة هذا المركز، ثم توجهنا إلى جناح المختبر، حيث قدمت لنا بيانات عن عملية الترميم، والمعالجة، والمراحل التي تخضع لها الوثيقة، كما وقفنا على كيفية ترميم ومعالجة الصور الزيتية القديمة، بإعطائها الألوان الأصلية التي كانت عليها، وهكذا وقفنا على معالجة للعاهل الإسباني الراحل “ألفونسو 12” تشخص مراحل حياته، وهو جد والد العاهل الإسباني الحالي “خوان كارلوس الأول”، ثم توجهنا إلى قسم المستودعات، ولا يمكن الدخول إليه إلا بواسطة بطائق مغناطيسية تكون بيد الموظف المسؤول يستعملها عند باب المستودع ليفتح له الباب، فوجدناها عبارة عن فضاءات مملوءة برفوف حديدية متحركة بمترد يمكن لمسه بسهولة ليتحرك الرف، ويعطي الفراغ المناسب لتقديم الخدمات المطلوبة، والقيام بصيانة وتعهد المستودع وهو مزود بآلات الحفظ والوقاية، ثم تجولنا في الجناح صور التحقنا الخاص بالخرائط والتصميمات الهندسية والتي يرجع تاريخ بعضها إلى القرن الثالث عشر، وهي موضوعة في خزائن حديدية على حجج التصميم، وقد قدمت لنا بعض التصميمات، ووقفنا على تصميم لتجزئة سكنية بمدريد يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر محفظة ومسجلة بمصلحة الضرائب في ذلك التاريخ، ثم توجهنا إلى قاعة البحث والمطالعة التي تضم 82 مقعدا، مجهزة بكاميرات تلفزيونية متصلة بإدارة الإرشادات بمدخل البناية التي يوجد بها زيادة على الموظفين، حراس أمن تراقب القاعة والباحثين وعملهم أثناء البحث.
ثم بقسم الميكروفيلم: حيث استقبلتنا السيدة المسؤولة على القسم، فقدمت لنا عرضا عن القسم، وعن الفضاءات المطلوبة لتشغيل الآلات، وقدمت لنا كتابا يشرح وضعية الآلات، وما تحتاج إليه من فض.
وفي زيارتنا للمكتبة الوطنية، استقبلنا السيد رئيس قسم المخطوطات بالمكتبة، وقدم لنا أولا عرضا عن المكتبة التي يرجع تاريخها إلى 1712 وهو تاريخ النواة الأولى، وكانت تسمى الخزانة الملكية، ثم بدأت تتنامى على مراحل، ثم زودت بخزانات النبلاء، ثم زودت في إطار التبادل مع الكنسية، وفي أواخر القرن الثامن عشر تم اقتناء بعض الخزانات الخاصة، ثم ألحقت بها مدخرات وكتب الطوائف الدينية، وفي بداية القرن العشرين بدأت تتنامي بالاقتناءات.
قسم المخطوطات بالمكتبة: يشتمل هذا القسم على الكتاب المخطوط بالنسبة لجميع اللغات، والفهرس المستعمل الآن يرجع تاريخه إلى 1889، وهناك فهرسان في القرن العشرين، والمكتبة بصدد مشروع لتجديد هذه الفهارس. وفيما يرجع للمخطوط العربي، فأول اقتناء يقول السيد المسؤول: «تم من تطوان عام 1862. ومعلوم أن احتلال تطوان من جانب القوات الإسبانية كان سنة 1860، فيكون الإسبانيون كما خرجوا من تطوان وأخذوا معهم هذه المخطوطات، ويبلغ عددها 660 مخطوط، أما الباقي فمجموعة من الأوراق مبثورة. وهناك المخطوط التركي ويبلغ 11 مخطوط، أما المخطوط الفاسي فعدده أربعة. وفيما يرجع للمخطوط العبري فعدده 48 مخطوط». وقد أثار انتباهي هذا النزر القليل من المخطوطات سواء منها العربية أو العبرية. ووضعت سؤالا على السيد مدير القسم حول ذلك، فلم يجد جوابا. ومن المعلوم أن «محاكم التفشيش» أيام انتهاء الحكم الإسلامي، أصدرت أمرا بإحراق وإتلاف جميع التراث العربي والإسلامي، كما فعلت ذلك بالنسبة للتراث العبري بعد طرد اليهود من إسبانيا.
ذ. العلامة عبد الغفور الناصر