في العدد الماضي، تناولنا الحديث، ضمن هذا العمود، عن المسنين والاحتفال بيومهم العالمي وظروفهم التي تزداد تعقيدا.. هذا الاحتفال بعيد المسنين الذي يبقى مجرد فرصة للاستهلاك السياسي والإعلامي عندنا..وبالمناسبة، يتزامن موضوع هذه الفئة مع الحديث الذي يهمها حول شروع البرلمان في دراسة مشروع قانون الإطار، المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية الذي تم إعداده، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، حيث أعطى جلالته في وقت سابق تعليماته من أجل إعادة النظرفي المنظومة الصحية، خاصة أنه آن الأوان للاشتغال عليها أكثر من أي وقت مضى، على اعتبارأنها تعرف كما هائلا من الاختلالات.طبعا والغرض من هذا كله هو تعميم الحماية الاجتماعية وتوفيرالتغطية الصحية للمغاربة أجمعين ولإنجاح النموذج التنموي الجديد..
والواقع أن النهوض بالقطاع الصحي والرفع من أدائه، الباهت، مسؤولية مشتركة على عدة مستويات، الدولة، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية، القطاع الخاص، الهيئات المهنية، مكونات المجتمع المدني والسكان..وهنا مربض الفرس، حيث إنه كثيرا ما يتم الافتراء على عبارة “مسؤولية مشتركة” وحيث لا “مسؤولية” ولا”مشتركة” ولاهم يحزنون في كثيرمن القطاعات والمجالات، مما تنتج عنه مشاكل واختلالات شبه متكررة، سبق لمثيلاتها أن تسببت في غضبات ملكية..
وللحقيقة، فمن خلال الاطلاع على مشروع قانون الإطار، المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، يتبين أنه أحاط بكل صغيرة وكبيرة بشكل أثلج صدورالعديد من المطلعين على فحواه، لاسيما المسنين والمحتاجين منهم الذين “سمعوا فقط عن بعض الأمور”، حيث اتخذ المشروع مجموعة من التدابيرالقانونية والإدارية والسياسية والصحية.. بهدف تمكين هذا القطاع من قفزة نوعية، غيرمسبوقة، لكن بصيغة الخوصصة المبطنة وهذا يستدعي الوقوف طويلا، لطرح مجموعة من التساؤلات، منها مثلا أنه إذا كان الولوج إلى المستشفيات العمومية حاليا، لتلقي العلاج، يتطلب مصاريف كذا وكذا وهي ليست بالهينة، الأمرالذي قد يعجزعنه العديد من المرضى، سواء كانوا من الطبقة الفقيرة أومن الطبقة المتوسطة، فماذا سيكون عليه الأمرمع “الفتوحات المرتقبة” للمنظومة الصحية المنشودة ؟ لاشك أنها سوف لن تأتي بالتمروالحليب وأعمال الخيروالإحسان في وقت يصارع فيه المواطنون، بمن فيهم المسنون قساوة المرض والقدرة الشرائية بالريق الناشف !
وحسب الطيب حمضي، الباحث المغربي في السياسات والنظم الصحية، فإن الأسرالمغربية تؤدي حوالي 60 في المائة من مصاريفها على العلاج وهو المعدل الذي لا يجب أن يصل إلى 20 في المائة على أبعد تقدير، حسب النسبة التي حددها النموذج التنموي الجديد، في حين أن بعض الدول يؤدي فيها المواطن 1 أو 7 في المائة فقط من مصاريفه العلاجية، ويكفي أن نعلم أن المواطن الذي لديه انخراط في التأمين الصحي (ضمان اجتماعي أو غيره) يؤدي حوالي 30 و50 في المائة من مصاريفه العلاجية وهو ما يشكل عائقا في طريق المنظومة الصحية الوطنية ويرتبط أساسا بضعف التمويل الصحي وضعف ميزانية وزارة الصحة التي لا تتعدى من الميزانية العامة 7 في المائة، في الوقت الذي يجب أن تصل على الأقل إلى 12 في المائة..
والخلاصة، “تموت الصحة”ومازال في نفسها شيء من حتى.!
محمد إمغران