لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن بلادنا تعيش إكراهات صحية كبيرة تسببت فيها الوضعية الوبائية الكارثية التي نجتازها، ولسنا في حاجة إلى التأكيد أيضا على أن الأداء الصحي بمؤسساتنا الاستشفائية العامة والخاصة تطبعه العديد من الاختلالات نتيجة الارتفاع المهول في عدد الإصابات المتوافدة عليها، وطبعا نتيجة ضعف بنية الاستقبال بها، وضعف بنية الموارد البشرية والموارد الآلية.
غير أن هذا الوضع الصحي الاستثنائي لا ينبغي على الإطلاق أن يكون فرصة للمتاجرة في قيم الوطن العليا، ولا أن يكون مناسبة للاتجار المادي والمعنوي في رأس ماله المعنوي المقدس، وعلى رأس هذه القيم الحق الأسمى في التمتع بالرعاية الصحية.
وقد انتشرت في الآونة الأخيرة في الصحافة الوطنية المكتوبة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي الرقمية العديد من الأخبار المسيئة لصورتنا أمام المحافل الدولية متعلقة بالوضعيات المخلة أخلاقيا وقانونيا بأداء واجب المواطنة الصحية، حيث تعمد عديد من المؤسسات الاستشفائية المنتمية إلى القطاع الخاص إلى استغلال الظرفية الوبائية للبلاد من أجل مراكمة المكاسب المالية وما يتعلق بها من قريب أو بعيد. كما انتشرت أيضا أخبار أكثر سوءا عن الممارسات المهملة التي تعرفها بعض مستشفياتنا العمومية، من حيث عدم إيلاء العناية اللازمة بالمرضى، سواء المتوافدين عليها أو النزلاء بها.
والحديث هنا يتعلق طبعا بمرضى وباء كورونا الذين يتقاطرون على هذه المؤسسات في ظل الارتفاع الرهيب في أعداد الإصابات الذي تعرفه بلادنا للأسف الشديد.
وحسب ما أوردته صحيفة ” الأيام” في عددها الأخير فقد “أصدرت الوكالة الوطنية للتأمين الصحي قرارا بتوقيف العمل مؤقتا بالثالث المؤدي في إطار الاتفاقية الوطنية المبرمة بين الهيئات المكلفة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والأطباء، والمؤسسات العلاجية بالقطاع الخاص، في حق ثلاثة مصحات. وأوضح بلاغ للوكالة أن المدير العام، الذي ترأس الاجتماع، أعلن أن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، وبناء على تقارير المراقبة التقنية التي تم إجراؤها، بمبادرة من وزير الصحة، والتي تضمنت مجموعة من الممارسات المخالفة للاتفاقية الوطنية والتجاوزات للتعريفة الوطنية المرجعية، عن إصدار القرارات المتمثلة في ” توقيف العمل مؤقتا بالثالث المؤدي في إطار الاتفاقية الوطنية المبرمة بين الهيئات المكلفة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والأطباء، والمؤسسات العلاجية بالقطاع الخاص، في حق ثلاثة مصحات؛ وكذا إلزام المصحات المعنية بإرجاع المبالغ المحصل عليها بدون سند قانوني، لفائدة المؤمنين المتضررين من المخالفات السالفة الذكر”.
ليس هدفنا في هذا الإطار إثارة هذا الموضوع من زاويته القانونية والأخلاقية، فهناك مؤسسات مختصة موكول إليها النظر في هذا الأمر من ناحيته القانونية.
يعنينا نحن هنا كرأي عام أن نمارس دورنا الكامل في التوعية والتحسيس بأمر تأسست عليه دائما المنظومات العليا للأوطان، وهو ما يتعلق ببناء الوطنية الحقة، وما يتعلق بتعزيزها.
لن نطلب من العاملين بالقطاع الصحي، بمستوياته المتفاوتة سواء الخصوصي أو العمومي، سوى التعبير أكثر عن وطنيتهم التي لا نشك فيها مطلقا.
التعبير عن الوطنية الحقة في أبسط أبجديات يرتبط بإظهار القدر الكافي من التضحيات، والتي قد تعني هنا التحلي بنوع من الوعي بالوضعيات المادية المتضعضعة للمواطنين في ظل وضعية اقتصادية أنهكتها الآثار الجانبية لانتشار الوباء، وتعطيله القوي للمقدرات الإنتاجية لأغلب المواطنين.
بمثل هذه القيم سنتغلب على كارثة كورونا، وبمثلها سنصون وطنا سيكون لنا حضا إلى الأبد، داخل الكوارث وخارجها.
من جانب آخر قد تقتضي المزيد من التعبير عن التضحية في مؤسساتنا الاستشفائية العمومية التحلي بكثير من الحلم تجاه مواطنين لا حول لهم ولا قوة.
عبد الإله المويسي