المملكة البلجيكية دولة حديثة العهد تتعايش بها عدة هويات ثقافية ، فرونكفونية في الجنوب ، وفلامانكية في الشمال بالإضافة إلى الجرمانية في اللوكسمبورغ ، هذا إن أدرجنا بعض اللغات الدياليكتية الجهوية القديمة.
هذا الزخم اللغوي يدفعنا إلى التساؤل هل هناك حقا هوية ثقافية موحدة جامعة لكل هذه المكونات التي تتقاسم بلدا واحدا .
فخلال عقود كانت الهوية الثقافية البلجيكية بما في ذلك الأدباء والكتاب مقسمة إلى قسمين ، جزء فرونكفوني تابع لفرنسا بفعل اللغة والتقارب الجغرافي ، وجزء فلاماني تابع لهولندا لنفس الدوافع .ففي فرنسا مثلا كان الكاتب هنري ميشو و جورج سيمنون Georges Simenon Henri Michaux فرنسيين في اعتقاد القراء بغض النضر عن جنسيتهم البلجيكية بل وصل الأمر إلى الحديث عن الأدب الفرنسي لبلجيكا .
فقد كانت وضعية الكتاب والأدباء البلجيكيون الفرنكوفونيون معقدة بشكل ملحوظ وسط هذا المحيط اللغوي الذي هو مصدر الهامهم و تعبيرهم ، أضف إلى ذلك أن اللغة الفرنسية في القرن التاسع عشر كانت لغة الأرستقراطية حتى في الجانب الفلاماني للبلاد ، حيث كان اهمال للتعبير باللغة الأم لذى نجد كتاب مرموقين بلجيكيين كموريس مترليك ، وٱميل فرهارن( Maurice Maeterlinck, Emile
Verhaeren ) .
من أصول فلامانية كتبوا وأبدعوا بلغة موليير ، حيث كانت الفرنسية مصدر ابداعهم وتواصلهم مع قراءهم ومحبيهم .
ثمة إشكالية صادفت الأدب البلجيكي ومنذ نشأت هذا البلد الذي رأى النور كمملكة مستقلة سنة 1830 ، أن تكتب بلغة بلد مجاور كفرنسا له تاريخ زاخر بالأمجاد وبزخم من الكتاب والشعراء الكبار الذي بصموا ومازالوا على الأدب العالمي بابداعاتهم ورسائلهم للإنسانية ، بأدب ذو جدور مترسخة بالمقارنة مع أدب ناشئ ، وكيف يمكن أن تبرز خاصية بلجيكية محضة ، أو أدب بلجيكي خالص له مميزات تفصله عن الأدب الفرنسي في ظل هذه اللغة المشتركة ، وكون أدباء هذين البلدين المجاورين لبعضهما يتقاسمان نفس الهواجس ، ونفس الإرهاسات الفكرية ، ونفس التيارات الإبداعية ، بل كان هاجس المبدع البلجيكي أن يتعدى حدود بلده إبداعيا لتوسيع دائرة قراءه بأن يستجلب قراء فرنسيين وبالتي تتحتم عليه ضرورة الإنسلاخ عن خصوصيته البلجيكية ، أو الصمود والتأكيد على أوجه الإختلاف ، كما يجب الإشارة أن دور النشر لإبداعات الكتاب والشعراء كانت معضمها في عاصمة الأنوار رغم أن فيكتور هوغو vector Hugo وأدباء ٱخرون نشروا أعمالهم الخالدة في بروكسيل عند الناشر دولكروا De la croix . إلا أن ما يمكن أن نستند إليه لإبراز أوجه الإختلاف بين أدب بلجيكي وفرنسي ، هو اختلاف الحالة الإجتماعية من بلد لٱخر مع اختلاف النظام السياسي والإقتصادي بين البلدين .
حسب النقاد وحتى وإن استعمل الكتاب الفرنكوفونيون والفلامانيين اللغة الفرنسية في فترة ما كأداة للتعبير ، فقد وصفوا بها واقعا ومتخيلا فلامانيا ووالونيا ، وبيئة مغايرة عن فرنسا بسهولها التي تمشطها ريح الأطلسي ، بسمائها الداكنة ، وبحرها الشمالي الهادئ .
كما يجب الإشارة أن اللغتان الفرنسية والفلامانية لم تكونا المسيطرتان على المشهد اللغوي في بلجيكا الناشئة ، لكون اللهجات المحلية كان لها نصيب الأسد كأداة للتعبير ، حيث بدأت اللغتان الوطنيتان تتوسعان في ربوع المملكة ، بل أن اللغة الفرنسية بفعل الهجرة من شمال إفريقيا والمستعمرات الفرنسية الأخرى والإستقرار في بلجيكا جعلت اللغة الفلامانية تتراجع في بروكسيل وتحل محلها اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الكثير من المقاطعات ، وكلغة تعبيرية وإبداعية للكثير من الكتاب والشعراء .
كما أن الأدباء والكتاب البلجيكيون لهم خاصية متميزة في الكتابة تتسم بالغرابة ” l’exotisme ” ، بل وحتى في المجال اللغوي ومخارج الحروف نميز البلجيكي الجنسية عن الفرنسي ليكون حسب رأيي الرابح الأكبر في هذه المعادلة اللغوية هو القارئ المحب للأدب العالمي .