يقول بن سينا “الوهم نصف الداء”.
أكيد ان الالتزام بالحجر الصحي أدخل الناس في نوع من العزلة الاجتماعية والانقطاع عن التواصل الحيوي الإنساني، وأكيد أن هذا الالتزام المفاجئ هو خروج عن العديد من العادات الاجتماعية التي عادة ما كان كثير من الناس يلتجئون إليها للتخفيف من الضغط النفسي الناتج عن ظروف العمل والحياة القاهرة التي تلم بهم.
إن التواجد في مساحة جغرافية محدودة، وفي علاقات إنسانية مقننة جدا يفرض نوعا من الانكفاء عن النفس والتي غالبا ما تتصاحب مع الشعور بالتوتر والضيق التي قد تصل إلى حالة الشعور بالاكتئاب.
ما يهمنا في هذا السياق هو أن الأمر طبيعي جدا بالنظر إلى العزلة النفسية التي اقتضتها ظروف انتشار وباء كورونا، وطبيعي جدا، ولا يدعو لأية مخاوف، بالنظر إلى تقلص فرص الترويح عن النفس.
كل الأطباء النفسيين أكدوا على أن الأمر متعلق بمغادرة عادات سابقة، واكتساب عادات جديدة، ومتعلق بأجواء مشحونة اقتضتها هيمنة الأجواء الكئيبة العامة المتعلقة بحالات المرض.
جانب آخر من أجواء الحالة النفسية التي تعصف بالناس، في مثل هذا الظروف، هو تناسل الأخبار ذات الطبيعة السلبية المتلقة بوباء كورونا. فالأكيد أن مختلف الشرائح المجتمعية شعرت من قريب أو بعيد أنها مهددة بالتقاط هذا الوباء، وهو ما رفع من مستويات الخوف لديهم أججت من حدتها توارد الأخبار المغلوطة أحيانا عن حقيقة الوباء. وهكذا بات الناس يعيشون في حالة هلع شديدة انعكست على أمزجتهم ونفسياتهم وأدخلتهم في جو من الاضطراب النفسي. كثيرة هي الحالات التي أصيبت بالهستيريا ظنا منها انها مصابة بكورونا لمجرد أنها توهمت، تحت تأثير الأخبار المشحونة، بذلك.
الخبراء النفسيين الذين يواكبون الحالة الصحية لعموم الناس ينصحون بعدم متابعة مثل هذه الاخبار المشوشة التي تخلق حالة الهلع لدى الناس، وينصحون بالبحث عن الأجواء التي تبعث على الأمل.
أكيد أنها جهات متعددة كانت وراء خلق هذا الجو المشحون لدى عامة الناس، منها بعض التفسيرات العلمية السطحية التي ربطت انتشار الوباء بأمور لا تمت بالعلم بأية صلة متعلقة بالتغذية أو نظام العيش، مما جعل الناس يعيشون في حيرة من النظام الواجب اتباعه، والتجائهم إلى خيارات غذائية كانت لها الآثار السلبية أحيانا على صحتهم.
جهات أخرى مغرضة التجأت إلى نشر فيديوهات وصور ومحاضرات وخطب دينية وحوارات مع علماء، أغلبها ثبت أن تواريخ صدورها يعود إلى ماض لا علاقة له بوباء كورونا، أثرت في الحالة النفسية لعموم الناس وهددت حالتهم الصحية.
السلطات المعنية قامت بدورها، وتتبعت كل الذين يقفون وراء انتشار مثل هذه المغالطات التي أقلقت الناس وهددتهم وهم داخل حجرهم الصحي.
كثير من الحالات هي الآن في حالة متابعة قضائية جراء ما سببوه من حالة عدم الاستقرار لدى المواطنين.
ابن سينا قال أن “الوهم نصف الداء” في إشارة واضحة إلى أن الهشاشة النفسية قد توقع الناس في المرض.
ولذلك فعلى الناس أن تتجنب كل ما من شأنه أن يزيد حدة اضطراب حالتهم النفسية من أخبار سلبية، وأجواء مشحونة.