محمد العمراني
ما من شك في أن عمدة طنجة، الأستاذ البشير العبدلاوي، اخطأ كثيرا عندما التقط صورا بجانب غرف التبريد وتوابيت دفن الموتى بمركز الطب الشرعي الجديد، الذي تشارف فيه الأشغال على الانتهاء. ذلك انه كان عليه أن يراعي حساسية الظروف التي يجتازها الوطن في ظل تفشي فيروس كورونا.
والحال، أنه كان الأجدر بالعمدة تسويق صور يبعث من خلالها رسائل الأمل والتآزر والطمأنة، عوض رسائل الرعب والخوف من الموت الذي بدا، بسبب هاته الصور، وكأنه قادم لامحالة.
ولذلك كان من الطبيعي جدا أن تثير هاته الصور موجة استنكار كبيرة، بالنظر لحمولتها القاسية والصادمة، مع ما ينطوي عليه الأمر من تشكيك في الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة..
دعونا من الردود المتشنجة، والتي اتهمت الغاضبين من الصور إياها بالتجني على العمدة، وتحين الفرص لمهاجمة حزب العدالة والتنمية، فهي بالتأكيد ردود متهافتة ولا تصمد أمام الواقع العنيد، والدليل أن الجماعة سارعت إلى حذف هاته الصور، وحاولت تقديم تبرير زاد من ورطتها عندما اعتبرت أن التوابيت تندرج ضمن صفقة اعتيادية تبرم كل سنة وتخصص لدفن المجهولين والمشردين، لأنه لو كان الأمر كذلك، لما تم حذف الصور، ولماذا لم يلتقط العمدة صورا في ما مضى من سنوات؟!..
طيب، لنقل أن العمدة لم يكن غرضه التخويف وبث الرعب في نفوس الساكنة، بل أكاد اجزم أنه كان يرمي إلى النقيض من ذاك تماما..
فمن خلال الطريقة الاستعراضية التي تم بها تسويق زيارة العمدة إلى مركز الطب الشرعي، بدا جليا أن القصد من ذلك كان هو إبراز المجهودات المبذولة من طرف جماعة طنجة، التي يسيرها بأغلبية مطلقة حزب العدالة والتنمية، لولا أن الصورة المشؤومة أفسدت كل شيئ، وحولت الاستعراض إلى انتكاسة..
لكن من حقنا أن نتساءل عن مسببات هاته السقطة القاتلة..
الحقيقة التي يجب أن نجهر بها، هي أن الأخوان في حزب العدالة والتنمية يعيشون على أعصابهم منذ امسك ملك البلاد بزمام المبادرة، باتخاذه العديد من التدابير والإجراءات، وبإشرافه المباشر على حسن تنفيذها من طرف مؤسسات الدولة كل في نطاق اختصاصه..
يبدو واضحا أن الأخوان يشعرون بأنهم مهمشون، وبأنهم ليسوا فاعلين ومؤثرين في الساحة منذ أن ابتليت بلادنا بهاته الجائحة، وهذا الإحساس بوجودهم على الهامش يكاد يفقدهم السيطرة في تصرفاتهم..
يجب التذكير بأن حزب العدالة والتنمية، بالاعتماد على اذرعه الخيرية، نجح في التغلغل داخل أوساط الشعب المغربي عن طريق استغلال الهشاشة والفقر المستشريين وسط فئات عريضة من المغاربة، وعدم قدرة الدولة على خلق آليات وميكانيزمات لتقديم الرعاية الاجتماعية التي تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم، حيث جعل – الحزب – من تقديم المساعدات الخيرية للأسر المعوزة، وتمويل العديد من الأنشطة الاحسانية احد أهم ركائزه لاكتساح صناديق الاقتراع..
اليوم والمغرب يعيش تحت وقع هاته الجائحة، فإن المنطقي هو أن يبادر حزب المصباح إلى الانقضاض على هاته الأزمة، والظهور بمظهر الحزب القادر على إنقاذ المغاربة من هاته المحنة، كيف لا والفرصة مواتية ولايمكن أن تعوض، خاصة مع سيطرته على تسيير شؤون معظم المدن الكبرى والمتوسطة، وأيضا بصفته الحزب الذي يقود الحكومة..
لكن حدث ما لم يكن في الحسبان،
الأخوان كانوا يعتقدون أن الدولة، مجسدة في سلطاتها المحلية والأمنية، اضعف من أن تكون قادرة علي تدبير هاته الأزمة، لكن اتضح للجميع، أن المغرب نجح في إدارة الأزمة بكفاءة واقتدار، وسط اعتراف دولي كبير.
الأروع من ذلك، أن التدبير الجيد للازمة أعاد ثقة المغاربة في مؤسسات دولتهم، وتحسنت صورة السلطة المحلية لدى كل فئات الشعب المغربي..
لكن يبدو أن هذا التلاحم أغاض الإخوان، وأشعرهم وكأن البساط يسحب من تحت أرجلهم، ولذلك دخلوا في سباق محموم مع الدولة، وحاولوا منافسة السلطات، والتصرف بمنطق جهاز مواز للدولة، هاجسهم الوحيد الظهور في ساحة كفاعل مركزي وحيوي الغنى عنه في قلب المعركة ضد هذا الوباء..
هذا الهاجس شكل ضغطا قويا على جميع مسؤولي الحزب الحاكم، وخاصة من يتحملون منهم مسؤولية رئاسة المجالس المنتخبة، ولذلك ساروا يخبطون خبط عشواء، يريدون القيام بأي مبادرة، كيفما كانت، المهم أن يسوقوا لأنفسهم صورة المنخرطين في ساحة المعركة، لأنهم لن يقبلوا أن تنجلي هاته الجائحة دون الركوب عليها واستثمارها انتخابيا..
لكن لم يكن في حسبانهم أن الجري وراء المكسب الانتخابي يخفي مطبات وألغام، قد تجعل من صناديق الانتخابي توابيت لدفن مخططات الاكتساح الانتخابي المنتظر.