في ثامن عشر ديسمبر 2005 بعث إلي الصديق المرحوم محمد رزقي محمد (الأستاذ بآداب مراكش) ديوانه الشعري ” بحِبر الروح ” وقد ضمنه ثمان قصائد: حبو الحروف، كبوة الفخ، جراح المرآة، من حراء النمل والحنين، بوار الحكمة، توائم الصعلكة، عمت ثكلا، وصية بحبر الروح، كتبها بين سنوات 1985 – 1993 في أولاد ناصر، برشيد، مراكش، الرباط.
وأما قصيدته “وصية بحبر الروح” فهي أكثر استيفاء لاستبصار معاناة المرحوم محمد رزقي محمد، وهو يستشعر نهايته المحتومة/الفاجعة، موقِناً أن أرَقَ العمر لا يكفي لوصف قلق الشعر.. وأن حبر القوافي يعجز عن وصف حال ومقام الروح !
كتب إلي المرحوم بخطه الواهن :
“إلى الأخ العزيز عبد اللطيف :
أتمنى أن يسم حبر روحي بصمة ولو باهتة في لوح ذاكرتك الشعرية، وينقش طللا في قرار إحساسك، ذكرى أمور جمعتنا.. من بينها لغة الأدب الجميلة.. مع صادق المنى بالصحة والعافية ».
استجبت لدعوته الكريمة -رحمه الله- وراجعته بلمحة انطباعية نشرتها في هذا المنبر الشمالي، راميا شدَّ أزْرِه أكثر من رهاني على تجلية بعض أسرار لغته الشعرية الشفيفة الحزينة والناهلة من معينها الذاتي بخاصياتها الأسلوبية المجازية الرائقة : براق الحنين، دفاتر الصبا، قبر النسيان، منديل الروح، مصل الحنين، لعاب الشمس؛ سهو الجدار، أمير النجابة، نورس الروح، رخَّ الصحو، صحوة الحياة، طائر الموت، وغير ذلك في إطار نفَسٍ إيقاعي ينطلق حيثما وكيفما أريد له.. ليؤوب بعفوية خاطر إلى ما هو قابل لملاحظة وقياس :
في سَراب المدى
وهدوء المكان
حار خطو الطيور
حار حدس الطيور..
وديوان المرحوم محمد رزقي محمد حافل بتناص ناهل من مدونات ومساند شعراء بدءا من عنترة بن شداد العبسي وانتهاء بأحمد المجاطي.
وأما قصيدته “وصية بحبر الروح” فقد اختار لها ثلاث عتبات :
الأولى لمالك بن الريب :
“وأين مكان البعد إلا مكانيا ؟!”
والثانية لأبي نواس :
“صحتي هي العجب !”
والثالثة لأبي فراس الحمداني :
“زين الشباب..لم يمتع بالشباب !”
وقد ضمَّن المرحوم رزقي في هذه القصيدة رثاء لذاته :
ولكنني يا ملاكي
منتظر هلاكي
وفي يوم الخميس 29 يونيه 2006 أسلم المرحوم محمد رزقي محمد روحه لبارئها والحمد لله أولا وآخرا.
د. عبد اللطيف شهبون