عجِيب أمر بعض خطباء الجمعة، فهم لا يخوضون في الحديث عن الحج، إلا إذا علموا أن آخر مرشح لأداء هذا الركن، قد غادر الأراضي المغربية، والتحق بالأماكن المقدسة.
فعلى من يقرأون زبورهم؟ ولمن يوجهون الخطاب إذا كان المعنيون بالأمر، قد حزموا حقائب السفر، وغادروا مطارات المملكة؟
إن المنطق يفرض على كل الخطباء، أن يفتحوا كتاب الحج في أواخر شهر شوال أو أوائل شهر ذي القعدة من كل عام هجري. فهذا هو الوقت الأنسب للحديث عن هذه الشعيرة، وتبسيطها للسامعين، خاصة منهم الذين أفرزتهم القرعة.
والمناسبة شرط كما يقولون.
أما إذا انتصف شهر ذي القعدة، أو دخلنا في ثلثه الأخير، فإن المناسبة تكون قد انتهت، وبانتهائها يفقد الموضوع جِدّته ومصداقيته.
وهنا يحسُن أن نطوي الكتاب، ونفتح ملف العشر الأوائل من ذي الحجة، أو نتحدث عن فضائل عرفة، أو نفصل القول في الأضحية، أو …
وما قُلناه عن الحج، يمكن أن نقوله عن رمضان، ويمكن أن نقوله عن الزكاة، ويمكن أن نقوله عن مناسبات أخرى، تستدعي التمهيد لها، وإعداد العُدة لتناولها، لا أن ندعها تفلت من بين أيدينا، ثم نحاول اللحاق بها بعد فوات الأوان، وكأننا في سباق غير متكافئ مع الزمن.
ومن خطباء الجمعة من لا يلتفتون إلى المناسبات بالمرة، أو لا يُعيرونها أدنى اهتمام، علما بأن المقرر السنوي بين أيديهم، يختارون منه لكل حدث ما يوافقه ويلائمه.
ولا أعتقد أن مجالسنا العلمية مقصّرة في هذا الموضوع، ولا في مواضيع أخرى، فأنا أعلم أنها تنظم بين الحين والحين دورات تدريبية للسادة الخطباء، تُذكرهم فيها بما ينبغي أن يكون عليه الخطيب من حُسن الهيئة، وحضور البديهة، وَطرْق المواضيع التي تنفع الناس في شؤون دينهم ودنياهم، بأسلوب يراعي الأمر الإلهي الموجّه إلى نبينا الأكرم: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلْهم بالتي هي أحسن”.
وفي هذا المضمار، قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – في الأسبوع الماضي – بتوزيع دورية، تدعو فيها كافة خطباء المنابر الموقرين، إلى ارتداء الأبيض من اللباس، والحرص على اقتناء الجلباب والسلهام، حتى يكونوا قدوة حسنة للذين لا يستجيبون للنداء الرباني الوارد في قوله تعالى: “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد”.
وأوْلى الناس بالاستجابة، خطباء الجمعة.
وأخْذ الزينة – حسب الآية الكريمة – لا يقتصر على الجمعة، وإنما يعم جميع الأوقات التي نلبي فيها نداء المؤذن وهو يتردد خمس مرات في اليوم والليلة.
ولاحظوا معي أننا إذا دُعينا إلى حفل، فإننا نحسب له حسابه. وإذا دعينا إلى بيوت الله، فإننا نستكثر عليها اللباس المحترم النظيف.
إنها مفارقة عجيبة حقا، ربما لا ننتبه إليها، ولا نحاول تلافيها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
مصطفى حجاج