إن تخليد الشعب المغربي لذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، ليعتبر من المبادرات التي تهدف إلى تذكير المغاربة جميعا بما مر من الأحداث التاريخية الوطنية، التي كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر في تطور الأوضاع السياسية أيام الحماية الأجنبية على المغرب، وخاصة تلك الأحداث التي ساهمت في تحقيق الكثير من المكتسبات، وذلك بفضل المخلصين من الشبان المتفتحين الذين كانوا يناضلون داخل الوطن، وكذا هؤلاء الذين كانوا يعملون من أجل التعريف بالقضية الوطنية خارج الوطن.
فإذا كانت الحركة الوطنية المغربية قد أرست قواعدها في مختلف الحواضر المغربية، وقد عملت على تقديم العرائض والمطالب العديدة من أجل إحقاق حقوق الشعب المغربي، وتأكيد سيادته داخليا، فإن من أبرز ما يسجل في هذا المضمار أيضا، سعي الشباب المغربي للدفاع عن الحقوق من المنابر التي شيدها خارج الوطن، ومن ذلك مثلا النشاط السياسي للشباب المغربي في مصر، منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين، حيث تم تأسيس رابطة عرفت أولا باسم “رابطة الشباب المراكشي بمصر”، علما بأن اسم (مراكش) هو الاسم الذي كان يطلقه إخواننا المشارقة على وطننا (المغرب). ثم تغير اسم هذه الرابطة ليصبح فيما بعد “رابطة الدفاع عن مراكش”، وكان مركز هذه الرابطة هو مدينة القاهرة، حيث كان عنوانها في شارع الملكة نازلي رقم 119، أما مراسلاتها فكانت توجه إلى صندوق البريد رقم 2076.
ولقد عملت هذه الرابطة على التعريف بالقضية المغربية في الأوساط العربية، وخاصة في القاهرة التي تعتبر القلب الناهض للعالم العربي، وهكذا نجدها قد عملت على نشر رسائل بشأن القضية المغربية، عززت بها مطالب الشعب المغربي، وخاصة وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، حيث أفشت هذه الرابطة تفاصيل المأساة التي يعيشها المغاربة تحت النفوذ الفرنسي والإسباني، بعدما تم الكشف عن المتناقضات المتضمنة في بنود عقد الحماية، ذلك العقد الذي يبدو من مظهره أنه يضمن الحقوق الكاملة للسيادة المغربية، بينما يضمر في دواخله أحكاما تجعل السلطة التنفيذية الكاملة بيد المستعمرين الأجانب عن البلاد.
ووقوفا على نشاط هذه الرابطة، سأحاول أن أطلع أورد في هذه العجالة، مجموعة من المنشورات التي تم إصدارها ما بين السنوات 1944 و1947، أي مباشرة بعد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في يناير 1944، محاولةً الإشارة باختصار إلى مضمون هذه المنشورات التي طبعت في صورة كتيّبات، وُسمت بكونها رسائل للتعريف بالقضية المغربية:
الرسالة الأولى: بعنوان “حقوق الدولة المراكشية”:
وقد صدرت عن مطبعة الإخوان المسلمين بتاريخ 15 أبريل 1944، في 16 صفحة.
وقد تم التعرض فيها إلى شرح وضعية المغرب قبل فرض الحماية سنة 1912، ثم إلى ذكر الغرض من فرض الحماية، مع بيان مقتضيات بعض البنود التي تتعرض للمواد التشريعية والتنفيذية التي تفضح النوايا الاستعمارية في الاستحواذ على جميع هذه السلط داخل الدولة المغربية.
الرسالة الثانية: بعنوان “مأساة مراكش”:
وقد صدرت عن مطبعة المليجي بالجيزة (القاهرة) سنة 1945، في 23 صفحة.
واشتملت هذه الرسالة على تمهيد حول تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944، ثم أوردت نص الحيثيات التي دفعت حزب الاستقلال لإعلان المطالب المتضمنة في هذه الوثيقة، وأنها – أي الوثيقة – قد قدمت إلى جلالة الملك محمد بن يوسف، وإلى دار المندوبية الفرنسية، وإلى القنصلية الأمريكية، وإلى القنصلية الإنجليزية، كما أرسلت نسخة منها إلى ممثل روسيا في الجزائر.
بعد ذلك تضمنت الرسالة شرحا للجو الذي يعيشه المغاربة تحت مآسي النفي والسجن والحرمان من الحقوق والثروات والحريات العامة، مما دفع ببعض الوطنيين الغيورين إلى كتابة هذه الرسالة بقلم (شاهد عيان)، وقد تضمنت الرسالة وصفا شاملا لحوادث يناير وفبراير سنة 1944 في كل من الرباط وسلا ووجدة والدار البيضاء وفاس، مع بيان ما صاحب نتائج تلك الأحداث الدامية، من اعتقال واتهامات وعزل للموظفين ومختلف أنواع الانتقام من المواطنين بالتفتيش والنهب والسلب وفرض الغرامات.
الرسالة الثالثة: بعنوان “صوت مراكش”:
كما ذيل هذا العنوان بعبارة تقول: “بمناسبة ذكرى عيد الجهاد الوطني. 11 يناير سنة 1944 – 11 يناير 1946″، وقد صدرت عن مطبعة المليجي بالجيزة أيضا سنة 1946، في 20 صفحة.
وقد تصدرت هذه الرسالة صورة صاحب الجلالة الملك محمد بن يوسف، مع عرض لمواضيع تحت هذه العناوين:
عيد الاستقلال – مراكش المحاربة – نكران الجميل – السياسة الفرنسية في مراكش – نتيجة السياسة الفرنسية – واجب فرنسا الآن – وإسبانيا أيضا – إعادة النظر في مركز مراكش – الجامعة العربية – مصلحة السلام العالمي – مطالب مراكش المستعجلة – أماني مراكش القومية.
وقد تم تذييل هذه الرسالة بصور كل من الزعماء المنفيين آنذاك، وهم السادة: محمد علال الفاسي المنفي بإفريقيا الاستوائية، ومحمد بن الحسن الوزاني المنفي بالصحراء الكبرى، وأحمد بلافريج المنفي بجزيرة كورسيكا.
الرسالة الرابعة: بعنوان “مراكش في معركة الحرية”
وقد صدرت عن مطبعة المليجي بالجيزة أيضا في 1 يونيه 1946، في 48 صفحة.
واشتملت هذه الرسالة على مقدمة حول العلاقة التي تجمع بين المغرب وبقية الدول العربية الشقيقة، ثم جاءت الفصول الموالية تحت هذه العناوين:
الفصل الأول: بعنوان عهد الاستقلال: وتحته العناوين الآتية: الحرب المراكشية الفرنسية – الحرب المراكشية الإسبانية – جهود الحكومة المستقلة – الامتيازات الأجنبية – الاستقلال المحتضر.
ثم الفصل الثاني بعنوان: عهد الحماية، وتحته العناوين الآتية: فرض الحماية – الحماية من الوجهة النظرية – الحماية من الوجهة الواقعية.
الفصل الثالث بعنوان: الثورة المسلحة ضد الحماية، وقد ضم العناوين التالية: ثورة فاس وحرب الجنوب – الحرب الريفية.
الفصل الرابع بعنوان: الحركة السياسية، وضمت ما يلي: السياسة البربرية – كتلة العمل الوطني – مطالب الشعب المراكشي – حوادث سنة 1946 – الميثاق الوطني – حوادث يناير وفبراير 1944 – الحركة السياسية في المنطقة الخليفية.
أما الفصل الخامس، فقد جاء بعنوان: مستقبل مراكش، وتحته ما يلي من العناوين: الاستعداد الذاتي – الوحدة الفرنسية – الجامعة العربية – المستقبل.
الرسالة الخامسة: بعنوان “مراكش تحت النفوذ الإسباني”
وقد صدرت عن مطبعة المليجي بالجيزة في فبراير سنة 1947، في 43 صفحة.
وقد اشتملت هذه الرسالة على مقدمة تحدثت فيها عن أحوال الجزء الشمالي من المغرب الخاضع للنفوذ الإسباني، مقسمة الموضوع إلى فصول.
اشتمل الفصل الأول منها على مقدمات ونبذة تاريخية مختصرة، تبعتها إشارات إلى المحادثات الفرنسية الإسبانية، ومؤتمر الجزيرة، ومعاهدة الحماية، والاتفاق الفرنسي الإسباني.
كما تطرق الفصل الثاني إلى أحداث ما بعد الاحتلال، فحلل موضوع معارضة الشعب الإسباني لفكرة السيطرة على مراكش، وتعيين أول خليفة، وبداية الكفاح المسلح ضد إسبانيا، ونبذة عن الحرب الريفية، ومصير الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وتعرض الفصل الثالث لما بعد الحرب الريفية، فأشار إلى خطط إسبانيا بعد هذه الحرب، ثم بداية كفاح المراكشيين السياسي، ثم الجمهورية الإسبانية، وكتلة العمل الوطني، والحركة الثقافية الوطنية.
وتعرض الفصل الرابع إلى الحديث عن عهد الفاشستية المعاصرة، وذلك عبر العناوين الآتية: الحرب الأهلية الإسبانية، فرانكو يغير سياسته، حزب الإصلاح الوطني، دسائس رجال إدارة الحماية، أعمال سمو الخليفة، مؤامرة رجال إدارة الحماية، تأهب إسبانيا للدخول في الحرب، المطالبة بالتوسع، خيبة أمل، مآل الحاكم الإسباني، سياسة التفريق والتفقير والتجهيل، مفاجأة ونهاية.
أما الفصل الخامس، فقد صور عهد الفاشستية المنهزمة، بالحديث عن إصرار إسبانيا على خطتها، والاتصال بالجامعة العربية، ونشاط الحركة الوطنية، والمؤامرات الخطيرة لرؤساء إدارة الحماية، ثم بيان الحالة الراهنة.
وأما الفصل السادس والأخير، فقد تطرق لبيان مدى التدخل الإسباني في المنطقة الشمالية من المغرب، وكذا عزم الشعب المغربي على القضاء على كل ما يحول دون تحقيق الأهداف الاستقلالية والوحدوية.
وختاما، أشير إلى أن هذه الرسائل الصادرة عن “رابطة الدفاع عن مراكش بمصر”، لا شك أنها كانت ذات دور كبير في إطلاع الرأي العام العربي على ما كان المغرب يعانيه وهو يرزح تحت نير الاستعمار، مما كان من شأنه أن يكشف الحجاب عن هول السياسات الاستعمارية في المغرب بالخصوص، وفي بقية أطراف الشمال الإفريقي بصفة عامة.
وإننا بتخليدنا لمثل هذه الذكريات، وباطلاعنا على مثل هذه الرسائل والمستندات، لنقصد إلى تسجيل إطلالة على صفحة من صفحات نضال آبائنا من أجل نيل الحقوق، لنطلع الأجيال اللاحقة على منجزات الأجيال السالفة من المناضلين والمكافحين في سبيل الوطن، ولنعيد إلى الأذهان فصولا إن محيت من ذاكرة البعض، فإنها لن تمحى أبدا من صفحات الوطن المجيدة الخالدة.