لما اعتصمت بالبيت، واختليتُ بنفسي، وهيأتُ الظروف المناسبة للكتابة، اعتقدت أن القلم سيسلس لي قياده، ويسلم لي المقود عن رضا وطيب خاطر.
لكن يبدو أن اعتقادي لم يكن في محله، والدليل عدم إمساكي برأس الخيط كما نقول.
تصوروا معي أنني ضحيت بالخروج إلى الشاطئ، ومرافقة العائلة، وتصوروا أنني تفرغتُ للكتابة، ولكن دون فائدة.
لعل السبب -كما قلت- عدم اهتدائي للمدخل.
مثل هذا الموقف، كان يحدث لي في المدرسة، حين كان يطلب منا الأستاذ تحرير موضوع في وصف المحفظة، فأجدني أستغرب من الزج بالمحفظة في موضوع إنشائي صرف، وأجد شهيتي للكتابة في هذا الموضوع بالذات، غير متوفرة.
تحديد الموضوع أو حسن اختياره، هو المفتاح، أو هو القن السري بلغة العصر.
ففي أي موضوع أريد أن أدردش؟
المكان الذي أطل منه على البحر، هو “كدية أسمير” التي تعتبر المنتجع الأقرب إلى مدينة الفنيدق، والجو يغري بالسباحة، واليوم يوم الأحد، والأسرة كلها حزمت حقائبها، ونزلت إلى شاطئ الأمين، وأنا الوحيد بين عباد الله الذي فضل شرفة البيت على الشمس والبحر.
فماذا سأقول؟ هل سأشرع في مدح هذه المُركبات السياحية التي أخذ الناس يفضلونها على مرتيل والمضيق، لأنهما ضاقا بالوافدين عليها من كل حدب وصوب؟
هل سأعقد المقارنة بين هدوء هذه الهضبة وضجيج مرتيل؟
هل سأتحدث عن الصيف، وما يسببه لي من ضيق وقلق، لأني أجد فيه نفسي لا تقوى على الجمع بين تطوان، ومرتيل، وكدية أسمير.
لو أني تحدثت عن هذه الأشياء جميعها، لكنت كذلك الخطيب الذي يريد أن يقول كل ما يعرفه، وما لا يعرفه في خطبة واحدة.
لذا فإنني سأقتصر على ملاحظة ألاحظها على أهلي في كل صيف، وهي أنهم يستهينون بشاطئ مرتيل، الذي لا تفصله عنهم إلا أمتار معدودة، ويتشجمون عناء ومشاق الانتقال إلى أبعد شاطئ. ومتى؟ أيام الآحاد.
ولو فكروا وقدروا، لاهتدوا إلى ما سيحبب لهم المكان، وهو اختيار الوقت المناسب.
فشاطئ مرتيل، لا يشهد الازدحام وتقاطر المصطافين عليه إلا انطلاقا من 11 صباحا، هذا ما نشاهده يوميا من شرفة بيتنا.
فلم لا نقصده في التاسعة صباحا، ونغادره في الحادية عشرة؟
إن التزمنا بهذا البرنامج، فسنجد البحر خاليا نظيفا، يغري بالسباحة، ولا يعرضنا للاصطدام بالمترامين على الملك العام، من أصحاب المظلات ومستلزماتها.
لنجرب هذا المقترح، فهو جدير بالتطبيق.
مصطفى حجــــــاج