.. رأيت في المنام.. خيرا وسلاما، نفرا من القوم عراة الهمم، حفاة الأقدام، يرتدون جلابيب جبلية دون أكمام، وقد تعمدوا قلب ظاهرها على الأجسام.. خاشعة قلوبهة.. شاخصة أبصارهم صوب الغمام..
رأيتهم يمشون نحو الشمس على الأشواك.. أكفهم إلى السماء على الدوام يستعطفون خالق الأنام أن يخفف عنهم الأسقام ويطهر الأرض بسقوة تبعث الحياة دبيبا في العظام..
في الأفق لاح موكب نسوة يحمل الأعلام.. أعلام من قصب توجت بملاعق خشبية يسقى بها الطعام.. وعليها أسدلت مناديل الشعر تنشد الرحمة والسلام..
وأطباق خبر فوق الرؤوس فارغة من النعمة بالتمام..
الشمس في كبد السماء تعمي العين.. والعرق من فرط الحرارة يتصبب على الجبين.. ويجف كلما قرع الاستسقاء طبلة الأذنين :
– «اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، واحي بلدك الميت..».
ويستغفر التوابون :
– «ربنا ظلما أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين..».
وتعالت أصوات الصغار هاتكة حجب الفضاء :
– «السبولة عطشانة، اسقيها يا مولانا..».
سمعت السماء ابتهالات المستضعفين في الأرض فأشفقت لحالهم ثم انهمرت مدرارا حتى حتى بلغ السيل الزبى.. لم يسقط المطر قطر ماء، بل سقط ذهبا وفضة..
فجأة انقلبت الدنيا هرجا ومرجا.. والقوم يتهافتون.. يتخاطفون.. يتساقطون.. يتقاتلون.. والنساء يملأن الأطباق بالذهب والفضة، بينما هم على حالهم بين قتيل وجريح، إذ بطوفان من الدماء يجتث الأشجار من جذورها ويقتلع الجبال من أوتادها.. ثم نزلت سفينة من السماء لتخلص عباد الله الصالحين من الغرق..
ولما استفقت من هذا الكابوس المزعج، وجدت يدي ماسكة على الفراغ.. فحمدت الله لأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة..
—-
تاغنجا : كلمة أمازيغية تعني الملعقة الخشبية التي يسقى بها الطعام.. وقد استعملها أهل مراكش في مواكب الاستسقاء تزكية لما تحمله من دلالة.
أما تتويج القصبة بـ «تاغنجا» فدليل قاطع على أثر الجفاف في النفوس.. خاصة جفاف القدور.. فما عاد للملعقة الخشبية من طعام تسقيه.. الواجب، إذن، رفعها كما ترفع الأكف إلى السماء في انتظار نزول الغيث مصدر الرزق والحياة.
وليست الملاعق لوحدها المساهمة في طقوس الاستسقاء بل أيضا أطباق الخبز.
وهذا دليل آخر على أن المعيشة في بلادي تستحيل دون خبز ومرق.
محمد وطاش