جائحة كورونا تلقي بظلالها الثقيلة على الدخول المدرسي هذا الموسم لتجعله دخولا استثنائيا بكل المقاييس يشوبه الترقب والحيرة والجدل الواسع حول صيغة التعليم المناسبة ..والوزارة لحد الساعة لم تعلن عن آليات تنفيذ القرار الجديد الذي يوكل الأمر للأسر لتختار نمط التدريس المناسب للأبناء هل سيكون حضوريا في الفصول الدراسية أم أنه سيتم عن بعد؟..علما أن الموسم الدراسي سينطلق رسميا يوم 7شتنبر..
أسئلة عديدة تبادرت إلى الذهن عقب إعلان وزارة التربية والتكوين عن قرارها هذا:
هل هي تعي وتقدر المخاطر المترتبة عن فتح المدارس للتعليم الحضوري في ظل استمرار الجائحة أم أنها اتخذته لإرضاء أطراف وتحت ضغط لوبيات القطاع الخاص؟
أليس من أولويات الوزارة حمايةالمواطنين تلاميذا أطرا تربوية وإدارية وضمان سلامتهم وصحتهم ووضعها فوق أي اعتبار؟
هل الوزارة قادرة بإمكانياتها على ضمان فرض احترام الإجراءات الاحترازية الصارمة في كل المؤسسات التعليمية وتوفير الوسائل اللازمة لذلك بدون أي تمييز أو تقصير في كل جهات المملكة؟
ماذا عن المؤسسات التي لا تتوفر على بنية كافية وقابلة لتطبيق إجراء المسافة الآمنة وتهوية الفضاءات في حال اختيار أولياء الأمور لخيار التمدرس الحضوري؟
هل راعت الوزارة الفوارق الصارخة بين المؤسسات بنيات ومجالا وإمكانيات وموارد بشرية ووو؟ هي بعض الأسئلة التي تناسلت ولا يمكن الرد عليها عمليا إلا بعد الاطلاع على آليات التنفيذ التي من المفروض أن تنزلها الوزارة بل كان من الواجب عليها أن تعدها سلفا، شهورا قبل موعد الدخول كسيناريو استباقي جاهز بإشراك الفاعلين الأساسيين في التخطيط والبرمجة و بناء على قاعدة معطيات صلبة ودقيقة تغطي كل المناطق وتراعي الخصوصيات والفوارق.. أما والحالة هذه فإن القرار بهذا الشكل الذي جاء به ينم عن ارتباك حقيقي وعن تملص من المسؤولية يفتح الباب على مصراعيه للفوضى والارتجال والتخبط والتجريب غير المعقلن وغير مضمون النتائج ليتم الزج بجيل بكامله في غياهب المجهول .
إن مسألة التعليم تعتبر قضية وطنية لا مجال فيها للمجازفة خاصة في ظل هذا الوباء الخطير،إذ لا يعقل أن يترك مصير الأبناء لقرار أسر قد لا تكون مؤهلة أصلا لتقدير المخاطر.. ثم أن الدولة هي المسؤوليةأولا وأخيرا عن حماية المواطنين وضمان تعليم ذي جودة تتكافأ فيه الفرص وتتحقق المساواة المنصوص عليها في دستور2011 وفي الرؤيا الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتعليم 2015-2030 ..وفي كل الأطر المرجعية التي تعتمدها الوزارة في هندسة مخططاتها وبرامجها..
وبخصوص خيار التعليم الحضوري إجمالا يمكن القول إنه أكثر إفادة على مستوى التحصيل الدراسي والاستفادة التربوية إلا أنه في هذه الظرفية يعد مخاطرة كبيرة إن لم يكن مدروسا بدقة في كل تفاصيله وظروفه..ويبدو صعبا وله تداعيات سلبية وتكلفة باهضة..وكان من الأسلم حسب العديد من المتتبعين للوضع تأجيل الدخول لشهر أو شهرين حتى يستقر الوضع الوبائي وتتوضح الصورة أكثر ، وحتى يتم الإعداد الجيد له وتوفير الامكانيات وتأهيل المؤسسات..
أما عن خيار التعليم عن بعد، وانطلاقا من التجربة التي خاضها المغرب والتي فرضتها جائحة كورونا في الشهور الأخيرة من الموسم المنصرم ، وبحكم متابعتي لهذه العملية عن قرب فيمكنني القول إنها تجربة افتقرت إلى شروط النجاح منذ انطلاقتها بشكل اضطراري بهدف إنقاذ الموسم الدراسي وتفادي شبح السنة البيضاء،
دون إعداد مسبق ودون تكوين مواز يؤهل المدرسين لخوض غمار التجربة وتوظيف وسائل تقنية حديثة في بناء وإعطاء دروس هي بالتأكيد تختلف عن الدروس الحضورية التقليدية في الشكل والمنهج والطريقة التفاعلية والمؤثرات وحتى المضمون.. فكانت التجارب في معظمها باهتة لا تجد صداها لدى المتعلمين ولا تترك أثرا يذكر ..ناهيك عن غياب الوسائل والامكانيات لدى فئة عريضة من المتمدرسين في مناطق عديدة..وكذا هزالة المنتوج التربوي التعليمي المعروض على القنوات التعليمية التلفزية..وبالتأكيد كان لكل ذلك تداعيات على التحصيل الدراسي وعلى تعميق الفجوات واتساع الفوارق بين جماعة القسم الواحد فما بالك بالفرق بين مؤسسة ومؤسسة، وبين القطاع الخاص والعام، وبين المجال الحضري والقروي، وبين جهة وأخرى..وغير ذلك من التباينات التي تكرس التمييز وتضرب في العمق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وتنسف إمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية..وعليه فيمكن الجزم بأن التعليم عن بعد لا يمكن أن يعتمد كخيار في ظل الشروط القائمة.. وبات مطروحا على الوزارة كجزء من الحل أن تفوض صلاحيات واسعة للمديريات الجهوية في إطار هندسة متكاملة لمنظومة التربية والتكوين تقوم على اللامركزية واللاتمركز من أجل فتح المجال للاشتغال محليا وترابيا وفق أطر مرجعية وطنية قابلة للتجديد تمكن كل جهة من وضع خطة عمل ملائمة لحاجياتها ومتطلباتها وخصوصياتها انطلاقا من معطيات دقيقة لتجاوز الاختلالات وتصحيح النواقص..واتخاذ قرارات سديدة وناجعة تساهم في الحد من هذا التردي الذي يشوب التحصيل الدراسي حضوريا كان أو عن بعد ..
فاطمة الزهراء فيزازي