تعتبر زراعة القنب الهندي إحدى أهم الزراعات التي عرفتها بعض مناطق شمال المغرب، وذلك منذ أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، وخاصة على مستوى قبائل الريف وكتامة والمناطق المجاورة، وقد عرفت زراعة هذه النبتة انتشارا مهما حيث وصلت إلى حدود مدن تاونات وزان والقصر الكبير. ويعود النقاش الدائر حول شرعية هذه الزراعة إلى فترة الحماية التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر، حيث أكدت كتابات بعض المؤرخين الفرنسيين (أوغست مورليراس) أنه حين دخول الحماية إلى المغرب كانت نبتة القنب الهندي موجودة، وقد عرفت سنة 1919 صدور أول ظهير يهم تقنين القنب الهندي والقاضي بعدم إمكانية زراعة هذه النبتة دون إعلام السلطات بالكمية المزمع زراعتها وضرورة تسليم كامل المحصول للسلطات، مع سن عقوبات مالية في حق المزارعين الذين زرعوها بدون ترخيص أو سلموا كميات أقل من الكمية المتوقعة الناتجة عن المساحات المزروعة.
وفي سنة 1954 صدر ظهير شريف يقضي بمنع زراعة القنب الهندي في الوقت الذي استمر فيه سكان منطقة الريف والشمال في التعاطي لهذه الزراعة بسبب نوعية التربة وصعوبة تعويض هذه الزراعة بزراعة أخرى. ومع مرور الوقت، تطورت استعمالات هذه النبتة من استعمال تقليدي إلى استعمالات أكثر خطورة بعد تحويلها لمادة مخدرة، حيث ارتبط تصنيعها وتحويلها بالإتجار في المخدرات؛ فعلى الرغم من منع انتشار المخدرات واستعمالها ومنع زراعة القنب الهندي، استمرت هذه الزراعة في معظم قبائل الريف وجبالة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد المتابعات القانونية في حق المزارعين المخالفين، مما جعل من النقاش حول تقنين استعمالات الكيف تعود للواجهة من خلال دعوات بعض الأحزاب تدعوا إلى تقنين هذه الزراعة وإصدار عفو شامل عن المتابعين في ملفات زراعة القنب الهندي ورد الإعتبار لهم وللمنطقة.
وفي إطار التحول العام الذي عرفه التعامل مع هذا الملف على المستوى الدولي، استجاب المغرب بالفعل للدعوات الرامية إلى تقنين استعمال هذه النبتة، خاصة بعد أن أزالت لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة القنب الهندي من قائمة المواد الأكثر خطورة، وكذا صدور توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف النبتة بشكل يتلاءم والمستجدات التي أظهرت مزاياها الطبية والعلاجية، حيث تحولت نبتة القنب الهندي من مادة محظورة الزراعة والاستعمال إلى فرصة استثمارية مهمة في يد من يتوافق مناخه وطبيعة تربته وهذه الزراعة.
يعد صدور القانون 21-13 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي خطوة مهمة في سبيل حل ملف حارق، لكنه واعد على المستوى الاقتصادي وطنيا جهويا ومحليا، لقد كانت الغاية منه الاستفادة من التطور الذي يعرفه السوق العالمي للقنب الهندي على غرار مجموعة من الدول التي سارعت بتقنين استعمالاته، خاصة وأن المؤهلات الطبيعية والبشرية والبيئية والإمكانيات اللوجيستيكية وقرب المغرب من أوربا تسهل عليه مأمورية الإستثمار في هذا المجال، بالإضافة للرغبة في تحسين مدخول المزارعين وحمايتهم من شبكات الإتجار في المخدرات، وبمراجعة تاريخ هذا الملف يتضح أن الفلاحين هم الحلقة الأضعف في هذه العملية، حيث عاشوا لسنين تحت وطأة قانون منع زراعة النبتة المحظورة فيما استفاد التجار من عائداتها.
إن أي سياسة عمومية يكون لها من الآثار الإيجابية ما يبررها، وفي المقابل يكون لها أيضا بعض التبعات التي تتطلب بعض الإجراءات المواكبة للمساعدة على إنجاحها وتفادي الآثار السلبية المحتملة جراء تفعيلها، فلا يمكن الاختلاف حول أهمية تقنين استعمالات القنب الهندي سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية، إلا أن هذا التقنين يستدعي الالتفات للمناطق المعنية بزراعة القنب الهندي وإعادة الاعتبار لها، وذلك من خلال استفادتها تنمويا من عائدات كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع وتسويق هذه المادة، فمن غير المقبول أن يعاني المزارعون البسطاء الويلات لسنين جراء المتابعات القانونية في حقهم، ليجدوا أنفسهم دون حماية اجتماعية واقتصادية في مواجهة انفتاح الأنشطة المرتبطة بهذه الزراعة على القطاع الخاص واقتصاد السوق.
لذلك يبدو أنه من الملائم أن تقوم الدولة بسن سياسات اجتماعية تستهدف حماية مصالح صغار الفلاحين وكذا استفادة المناطق المعنية بهذه الأنشطة من نسب معقولة من عائداتها، خاصة وأن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ستستفيد من إعانات الدولة والجماعات الترابية وبالتالي فمن المنطقي أن يكون لها نصيب من عائداتها، بشكل يساهم في تنمية المناطق المعنية، ولم لا دعم ومواكبة الساكنة وخاصة منهم الشباب في الانخراط في أنشطة تعاونية تهم هذا القطاع ومساعدتهم على الاندماج في السلسلة الإنتاجية والتسويقية لهذه المنتجات.
كما يجب التفكير في المناطق التي كانت تعرف أنشطة زراعة القنب الهندي بشكل مكثف، لكنها لم تدخل في نطاق المناطق التي شملها مرسوم تحديد المناطق المسموح بها زراعة القنب الهندي، وبالتالي من الضروري إيجاد حلول للمزارعين بهذه المناطق على وجه السرعة تهم زراعات بديلة ذات مردودية معقولة، تفاديا لتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بهذه المناطق، خاصة انتشار ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن، وارتفاع نسب الانتحارات؛ والعمل على الرفع من قيمة المبلغ الاستثماري المخصص لبرنامج تحويل زراعة القنب الهندي ببرنامج التنمية الجهوية الذي سيعمل المجلس الجهوي الحالي على إعداده، إسوة بسابقه الذي عرف برمجة مبلغ استثماري قدر ب 1000 م.د، موزعة على أقاليم شفشاون 633 م.د، الحسيمة 182.2 م.د، تطوان 123.6 م.د، والعرائش 61.2 م.د بهدف تحويل زراعة القنب الهندي بها.
تتعدى الأنشطة التي يدخل ضمنها القنب الهندي تلك الطبية والشبه طبية، فهو يدخل ضمن صناعة الورق والمنسوجات والوقود واللدائن القابلة للتحلل الحراري، وبالتالي فهي أنشطة واعدة من شأنها تقديم حلول للمشاكل السوسيو-اقتصادية التي تعاني منها المناطق المعنية بهذه الزراعة، والتي من المحتمل أن تتفاقم لدى الفئات الأكثر هشاشة، وبالتالي من المفروض التفكير في إحداث تخصصات تكوينية تأهيلية ومتخصصة تهم هذه الصناعات يستفيد منها أبناء المنطقة والجهة استجابة لحاجيات سوق الشغل التي ستحدثها هذه الأنشطة جهويا ومحليا.
إن تقنين زراعة واستعمال القنب الهندي بشكل مشروع له من الدواعي الاقتصادية المهمة ما يبرره، فهو فرصة استثمارية مهمة أمام المغرب عليه استغلالها على أكمل وجه، كما يشكل إمكانية تنموية كبيرة لصالح المناطق المعنية، من خلال إعادة الاعتبار لها، وكذلك مناسبة لإنصاف المزارعين ورفع صفة الاجرام عنهم وتحريرهم من الخوف؛ كما أنها خطوة مهمة من شأنها خلق دينامية اقتصادية جهوية ومحلية مهمة وجلب استثمارات واعدة خاصة تلك المرتبطة بالصناعات الدوائية والتجميلية، والحد من البطالة عبر خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، والحفاظ على الثروات المائية التي تم استنزافها والتقليل من الآثار السلبية على البيئة وحل مشاكل ظلت عالقة لسنين.
دة. نادية فتح