بقلم ادريس الروخ
لم تلقب ثريا جبران بهذا اللقب ( ثريا المسرح المغربي ) من طرف الشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي عبثا ..فاطلالتها ووقوفها لأزيد من خمسة عقود على خشبات المسرح المغربي والعربي والعالمي ..أهلها لكي تشع وتسطع بنور المسرح وتبدع شخصيات لاتزال عالقة في اذهان وقلوب محبيها في كل مكان ..لا نزال نتذكرها في مسرحية ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب ومسرحية ابو نواس دون ان ننسى حكايات بلا حدود وبوغابة …وغيرها من الاعمال الرائعة والتي تعد من لبنات المسرح المغربي في فترات السبعينات والثمانيات والتسعينات ..
وإذا عندنا بالزمن الى الوراء.. الى البدايات ،حيث نشأت وترعرعت ، نجد ان ثريا جبران انبثقت وسط حديقة من زهور الفن ببلادنا ..ففي درب السلطان روضة الابداع في مجالات شتى (مسرح سينما رياضة سياسة …الخ ) حي امتاز بكونه مدرسة في الحياة والكفاح وتربية الأجيال .. من هنا سطع نجمها وتألق إبداعها وصقلت موهبتها ..من (حي الاسبان ) امتطت صهوة فرس المسرح وانطلقت تتير النقع بما جادت به قريحتها في فن الاداء ..تعرج على نصوص عالمية وأخرى عربية ومغربية ..
منذ صغرها التقت بصدفة رسمت مسارها ولونته بلقاءات شخصيات وأساتذة ومخرجين من مختلف بقاع المعمور ..وتعلمت التفرد في اختيار وتقمص أدوارها ..مند ان التحقت بأول فرقة مسرحية بالدار البيضاء ( فرقة الأخوة العربية ) تحت إشراف الفنان عبد العظيم الشناوي ، مرورًا بفرقة المعمورة والشهاب وفرقة الناس للمرحوم الطيب الصديقي وصولًا الى مسرح اليوم حيث فاحت رائحة عطر إبداعها .
محبة للشعر و بعظمة اللغة العربية ..لها إلقاء يأسرك ..ويجدبك نحو تعابير وجهها المليء بالذكريات والأحداث البطولية ..هي المناضلة ..المخلصة ..المؤمنة بقدرة المسرح على التغيير ..تشبه في ذلك العديد من سيدات المسرح في المغرب وفي العالم ..سيدات كان لهن الفضل في نشر قيم المحبة والسلام ..وتكسير المألوف ..والطابوهات المقرفة والتي أوقفت تفكير الانسان وإبداعه وجعلته عبدا للكائن عِوَض ان ينتفض ويثور بحثا عما يجب ان يكون ..
ثريا جبران ليس اسما فقط في خريطة الابداع ..انها أيقونة في سمائه ..انها رمز من رموز ابناء وبنات الشعب ..الدين استطاعوا بحلمهم ورغبتهم في المضي قدما نحو آفاق واسعة ..يملؤون الدنيا بنشاطهم وحركية أعمالهم ..
في مسرح اليوم الذي أسسته بمعيّة المخرج المسرحي عبد الواحد عوزري وأدارته بحنكة واحترافية، خاضت معركة جد مهمة مع التجريب والتحديث والبحث في اعماق النص المسرحي لمؤلفين وكتاب كبار مثل برتولد بريشت عن مسرحية بوغابة المأخوذة عن ( السيد بانتيلا وخادمه مأتي)و جان جنيه “أربع ساعات في شاتيلا” وصنع الله إبراهيم ( اللجنة وطير الليل ) وعبد الكريم برشيد بمسرحية ( النمرود فهوليود) وعبد اللطيف اللعبي (الشمس تحتضر ) وغيرهم من الاسماء الوازنة في الأدب والشعر والمسرح والرواية .. وكانت كلما قدمت عملًا مسرحيًا تميزت في أدائه وشكلت نقطت ضوء منيرة في صفحات المسرح المغربي ..فاشتغالها على الجسد أعطاها براعة لا مثيل لها للتنقل فوق الخشبة بأريحية ..تتحكم في الايقاع صعودا ونزولا بوعي وبتقنية عالية ..
ثريا لم تتوقف عند هذا الحد من البراعة في التمثيل بل كانت متمكنة من أدوات اللعب الدرامي صوتًا وحركة وإلقاء وإحساسًا ونغمًا ورقصًا ..وامتلاكه لطاقة إيجابية بسعرات حرارية وكاريزما ساعدها على التواصل مع رفاقها فوق الركح و التجاوب بأريحية مع الجماهير
بمختلف الشرائح ..
لم يكن من السهل ان تكون ناجحًا وحرا في ابداء رأيك ..ومعبرا عن هموم الطبقات الشعبية وعن انشغالاتهم اليومية وعن حاجتهم للحرية والتعبير دون خوف او شعور بالنقص او احساس بالموت ..دون ان تدفع ثمن ذلك ..ويشدد عليك الحصار والخناق وتصبح صيدًا ثمينًا لمن يصطادون في الماء العكر ..
فنجاحها الجماهيري وانتشارها الواسع ووقع المسرح الذي تؤمن به على المتلقي دفعت بالبعض الى اختطافها وحلق شعرها في واقعة غريبة ومحيرة اثناء دعوتها للمشاركة في البرنامج الذائع الصيت آنذاك ( رجل الساعة ) مع احدى أعمدة الإعلام بالمغرب السيدة فاطمة الوكيلي..
لكن الحادث لم يمنع سيدة المسرح المغربي ان تكمل طريقها وان تحفر بأضافرها في صخر الزمن لتعيد كتابة تاريخها وتعيد الاعتبار لمهنة الممثل وتحرز على ثقة صاحب الجلالة في ان تنصب وزيرة للثقافة .
المسرح له بدايات قد نكتشفها في اول العرض ونستمر مع احداثه ..نتجاوب مع انفعالات الممثلين ونبقى مشدوهين لما يقدمونه لنا نضحك ..نبكي ..نحس باننا في زمنهم ..نعيش مع دقات قلوبهم ..نتنهد مع تنهداتهم (..)وفي النهاية نجد أنفسنا امام ابطال ينحنون للجماهير احترامًا وحبًا ، وحينما يقصد الجماهير بيوتهم وهم من الفعل المتأثرون ..يدخل ابطال مثل ثريا جبران للكواليس تفكر في الغد ..في ما سياتي ، تحلم من جديد لتحيي من جديد .