… لم نعدْ نقبل الموْت . ثمن الحياة بدون شكّ في وقت “كورونا” هذا ، يختلف عما كان يحدثُ مع الأوبئة أيام زمان . فلأوَّل مرَّة تختار الدول و المجتمعات حياة الإنسان عوَضَ المال و الاقتصاد . سبب ذلك جائحة “كوفيد 19” التي تتميز بسرعة الانتشار من خلال التطور السريع لوسائل النقل .. في السابق كانت الأنفلوانزا الوبائية التي لا أحد يتحدث عنها ، كجائحة “هون كونك” لسنة 68/69، و الزكام الأسيوي أيضاً كان سبباً في مليون قتيل في الصين ، وقد استشرى عن طريق “هون كونك” ، إذ كان تأثيره على15 في المائة من الساكنة . و من خلال الجنود الأمريكيين الذين سيستوردونه إلى أمريكا ، وقد ترتب عن ذلك قتل 50000 أمريكي في مدَّة ثلاثة أشهر . علماء زمان لم يكن لهم نسبياً علاقة مع التغطية الإعلامية الحالية ، و لم يكن ، يُقدّرون حجم الوباء “الفيروس التاجي” .
أما عالم السياسة و محترفوها ، ما زالوا لم يستوعبوا بعد ، و يفهموا دوْر الصحة في المجتمع . و لذا نجد ميزانية قطاع الصحة و ميزانية التعليم رديئة . فجلُّ الحكومات التي تعاقبتْ على الحكم ، كانت تعتقد أنَّ لديها أسبقيات أخرى ، أفضل من الصحة و التعليم . معللة بذلك قلة إمكانيات ميزانية الدولة . وقد كان أهل العلم والاطلاع يطالبون برفع ميزانية هذين القطاعين و البحث العلمي . و تتحير العقول كيف تجيب الحكومات بعدم توفرها على الاعتمادات المالية لقطاعيْ الصحة و التعليم ، و تتخلى عنهما للقطاع الخاص ، لكي يستنزف ، هذا الأخير جيوب المواطنين . و نخجل حين ننتهي إلى حقيقة لإنتاج نموذجين و فئتين من المواطنين في مغرب واحد ! دَعتْ المنظمة العالمية للصحة في سنة 1968م العلماء لندوة عالمية ب “أطلانطا” لدراسة وباء زكام “هون كونك” ، باعتقادهم أنَّ الجارحة قد انتهتْ . لكن بعد شهرين فقط و أثناءها ، ارتكب الزكام آلاف الضحايا . و إلى غاية 2003م خلصت أبحاث عالم الوبائيات الفرنسي “أنطوان فلاهولت” للحصول على تقرير “الأنفلوانزا” ، “هون كونك” و كيفية شرحها . و قد توصل الباحثون أيضاً على نفس الملاحظات . بحكم تطور العقلية وصلنا إلى عتبة الأنتروبولوجيا أننا لم نعد نقبل الموت ! نلاحظ في “المجتمعات” ، علاوة على ذلك ، تتمثل الموت لإنسانية تعبر المنية ، ليصبح لها صفة “الخلود” .
إنها أزمة العوْلمة ، و “فيروس كورونا” ليست فقط صحية ، بل هي أزمة طلاقة ، و سبب ذلك راجع إلى ميزانية قطاع صحة رديئة و جافة . وجب التنبيه و الإحاطة . فإذا كانت الأوبئة القديمة لم تترك عبرة و انطباعاً للروح ، فإنَّ “كوفيد 19” سوف يترك علامات لا تمحى في عيون و كرَّاسات المؤرخين ، رغم الرؤيا المتأخرة في مواجهة هذا الوباء. المرض و قد انتشر في العالم مما اضطر الحكومات العديدة تقرير الحجر الصحي للسكان . وهي البيانات المسخدمة التي تتخذها جامعة “جورج هوبكنز” . جارحة “فيروس كورونا” أقدمتْ على تغيير كل شيء . و هي المنظمة العالمية للصحة التي أشارتْ إلى أزمة “كوفيد19” كجارحة . و أشارت أيضاً أنه يجب تقوية أجهزة المناعة عند المواطنين . إلا هؤلاء الناس الذين يعانون من نقص شديد في المناعة ، و قد أصيبوا ب “إيبولا” وهم سكان بعض دول غرب إيفريقيا جنوب الصحراء . في بلادنا ، إذا لم يتغير قطاع الصحة إلى الأفضل ، و تتغير عقلية الساسة ، سوف تتبع ذلك أوبئة أخرى . و يجب أنْ ينتبه إلى ذلك أيضاً المتخصصون .
من الأوبئة التي تأتي عن طريق الخفافيش و آكل النمل “بنغول” ، لتمريره عبر هؤلاء الحيوانات للإنسان . و هذا “الفيروس” الذي وضع العالم تحت غطاء السرير ، لتواجه المجتمعات في العالم التحديات الناجمة عن الأنشطة البشرية بتغيير المناخ ، والتي تعزز مرور الأوبئة، كالطاعون الشديد العدوى و الكوليرا و الكوفيد . و الأخطر من ذلك أنْ تكون هذه الأوبئة تتصف بعدوى تذبذبية أي تنتقل العدوى بشكل اهتزازي من شخص لآخر . جسم الإنسان ذي المناعة يتمتع بنظام ذكاء بشري ، يبعث برسائل لخطر وبائي قادم ، لتدبير الحالة و استغلال خوف الإنسان من الموت و الذعر من المرض . و على ما يبدو أنَّ الصيام وقاية ، لأنَّ “الطعام” ضارٌّ ، كما قيل “المعدة بيت الداء” .و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : الصيام جنَّة ..(رواه البخاري و مسلم). و بينما كنت أبحث عن عنوان لهذا المقال ، رأيتني أستحضر الآية الكريمة : و منْ أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً .. صدق الله العظيم (سورة المائدة ، الآية 32) . و كان نبيُّ الرحمة إذا رأى هلال رمضان قال (ص) : اللهمَّ أهلهُ علينا بالأمن و الإيمان ، و السلامة و الإسلام ، ربّي و رَبُّك الله ، هلالُ رُشد و خير .. وقد روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : إذا جاء رمضان فتحتْ أبواب الجنَّة و غلقتْ أبواب النار ، و صفدَت الشياطين . و قال أيضاً ، عليه الصلاة و السلام : في الجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمى الرَيَّان ، لا يدخله إلا الصائمون .اللهمَّ اجعلنا منهم ، يا ربَّ العالمين .
و على كلّ حيّ أنْ يعرف قيمة نعمة الحياة..
عبد المجيد الإدريسي .