صفحات عن الأعمال الحربية للفارس المقدم الجبلحبيبي الشهيد عبد الملك الخمليشي ضد الاحتلال البرتغالي بأصيلا وطنجة سنوات ) 1519 – 1525 م ( – 10/11
نتم اليوم – عبر جريدة الشمال الغراء المشكورة – إطلاعكم معشر القراء على بعض الجهود الحربية والمقاومة التحريرية لأشهر مقدمي جبل الحبيب الداهية الجريء الفارس المغوار عبد الملك الخمليشي ضد الاحتلال البرتغالي بأصيلا وطنجة عهد دولة بني وطاس ما بين سنوات )1519 – 1525 م( من القرن السادس عشر الميلادي، وﺫلك وفق التسلسل الزمني للأحداث حسب شهادة ” برناردو رودرﻳﮝس “ في حولياته عن أصيلا.
- منجزات أخرى للمقدم الداهية عبد الملك الخمليشي بميدان أصيلا لم يذكر المؤلف سنوات وقوعها.
عرف ميدان أصيلا منجزات أخرى لعبد الملك لم يذكرها المؤلف كما سبق اعترافه ﺑﺬلك، وإن فاته ﺫلك فإنه لم يفته ذكر انجاز مهم حيث يقول : « فمن منجزاته [ بأصيلا ] أسره ﻟ ” لويشمشادو ” خادم الكوند دون يوحنا كوتينيو، وﻟ ” يوحنا فرنانديش، وهما شخصيتان بارزتان، فقد شاهدهما لما كان الكوند منهمكا في الصيد بالمكان المسمى بالقرى، وكمن لهما رفقة تسعة من رجاله إلى أن شرعا في مطاردة خنزير بري وابتعدا عن الآخرين، فباغتوهما واعتقلوهما »[1].
- التخطيط لهجوم مشترك على جبل حبيب :
التحق الكوند دو ردوندو بالبرتغال فأناب عنه الكوند منويل دو منيزش، فقاد هدا الأخير غارة جهة القصر الكبير فقتل ومرافقوه هناك، فعاد الكوند دو ردوندو نتيجة دلك الى أصيلا، ثم التحق مجددا بالبرتغال بعد أن سلم ” أنطونيو دا سيلفيرا ” مقاليد السلطة بدلا له، وقبل أن أطلع القارئ عن أعمال جبل الحبيب ومحاربيه أثناء ولاية الكوند الجديد أضعه على ما كانت عليه المدينة من أوضاع، حيث كان عبد الملك يرتب إغاراته بناء على أوضاع أصيلا، من حيث الإجراءات المحدثة والترتيبات المتخذة وعدد المحاربين والملتحقين الجدد بها من الفرسان المبعوثين والثغريين، وكل الحيثيات العسكرية التي تفيده في بناء هجماته على أصيلا أو تلك التي يستفيد منها للدفاع عن جبل الحبيب، وهكذا، وبه فقد كانت مدينة أصيلا أثناء تسلم الحاكم الجديد تعاني من نقص كبير في المحاربين، ولم يكن بها سوى ثمانين خيالا، نتيجة مقتل الكوند الآنف الذكر وجنوده، كما أدى رحيل خدام الكوند وعدد من السكان معه الى البرتغال الى نقص المقاتلين بها، إضافة الى ما عاشته المدينة من ظروف قاسية بسبب إغلاق المعابر، بحيث لم يعد أحد يقبل عليها من بلاد المسلمين بسبب خلاف بين قائد القصر الكبير عبد الواحد العروسي وحاكم أصيلا مما تسبب في مقاطعة بين أصيلا وجوارها فتضررت كثيرا منها، لأن القوافل كانت تزود القباطنة بالأخبار التي كانوا على ضوئها يتخذون الترتيبات الأمنية الضرورية، وكل هاته الأمور كانت في صالح جبل الحبيب وفرصة ثمينة له حيث سينتهزها مقدمه عبد الملك للإيقاع أكثر ببرتغالي أصيلا، لكن ما حصل أن حاكم أصيلا سبق عبد الملك في توقعاته الحربية فتحرك قبله، حيث دعا حاكم طنجة “دون دوارت” للالتحاق به بأصيلا لشن هجوم على القصر الكبير أو بني كرفط بعدما أرسل المتنصر الجبلحبيبي أرتورر ودريكش لأسر أحدهم يمده بمعلومات عن أوضاع المنطقة، وهو ما كان، وبالفعل التحق به حاكم طنجة، الا ان هدا الأخير فضل جبل حبيب أو بني ومراس،لكن الكوند « أبلغه ان الأخبار التي يتوفر عليها تسمح بالهجوم على ميدان القصر الكبير، وإلا فلا داعي لجمع محاربي المدينتين للهجوم على جبل حبيب أو بني ومراس لأن رجاله كافون للقيام بدلك »[2]، وبعد اختلاف بينهما حفظ الله جبل حبيب من هدا الهجوم حيث رفض حاكم طنجة اقتراح الكوند وإصرارها لأن الذهاب الى القصر الكبير يبعده عن مدينته أربع أو خمس ليال، هدا فضلا عما يمثله دلك من مخاطر، لأنه يتعين عليهم في حالة اكتشاف أمرهم مواجهة أعداد كبيرة من المحاربين، لدلك فضل العودة الى طنجة، فحفظ الله تعالى جبل الحبيب من هجوم مشترك وشيك.
- قصة استشهاد عبد الملك الخمليشي أشهر رجال إفريقيا كلها في دلك الوقت :
أمضت أصيلا شهرين دون ان تنظم ولو غارة واحدة، بينما تعرضت لعدة هجمات، وكانت حالات الاستنفار تعلن يوميا ولا سيما بسبب هجمات عبد الملك الذي ضيق الخناق على كل من أصيلا وطنجة، وأسر عددا من المراقبين وكثيرا من السكان، مشاة وخيالة، فقد كان يهاجم أصيلا في يوم لينتقل في اليوم التالي الى طنجة، وكانت حالة الاستنفار تعلن مرتين أو أكثر في اليوم الواحد، كما حدث خلال يوم استشهاده، وقد لاحقه عدة مرات قباطنة أصيلا وطنجة والقصر الصغير، ونصبوا له الكمائن، ووزعوا عيونهم ومخبريهم دون أن يتمكنوا من اعتقاله، واستطاع في بعض المرات تحويل مطاردته الى هجوم مضاد قتل خلاله بعض الخيالة ثم لاد بالفرار، محولا بدلك الهزيمة الى انتصار أو أسر نبيل في طنجة، مما منحه شهرة كبيرة، وجعله مهابا لجرأته وكثرة حيله ومكائده، إلى أن جاء أجله المحتوم.
لم يستشهد عبد الملك الا في عهد القبطان أنطونيو دا سيلفيرا، وقصة دلك أنه في اليوم التاسع والعشرين من شتنبر من سنة الف وخمسمائة وعشرين، وفي الوقت الذي بقي ديوكو دا سيلفيرا وخمسة عشر خيالا مجهزين خيلهم ومعدين مزاودهم للخروج، انتقل القبطان الى قرية عين القصب لتنظيم الحراسة بها، وكان مقررا أن يلتحق به ” ديوكو ” لتحديد أسماء مرافقيه، وبعد أن أمر القبطان بتفتيش موقع “بريروش” والقرية القديمة، طلب من المقدم ارتور رودريكش أن يوفر له رفقة خمسة عشر خيالا الحماية الخلفية، وراح يتماشى في عين القصب، ولما وصل عبد الملك الى الموقع الذي كان به مراقبا القرية القديمة هاجمها رفقة ثمانية عشر او عشرين خيالا وطاردهما حتى الجهة التي كان فيها ارتور رودريكش ثم عاد الى كودزوش حيث بقي ينتظر رد فعل المراقبين، فشاهد القبطان ينسحب في اتجاه مطلع الطريقين، ولما لاحظ ارتور رودريكش أن المسلمين لم يقوموا بشيء رجع في اتجاه كودزوش فخرج له عبد الملك وكاد أن يختلط برجاله وشرع في مخاطبته، غير أن أرتور تمكن من العودة الى عين القصب وبعث من أخبر القبطان بوجود عبد الملك ثم تعقبه، مما أغضب هدا الأخير فشتمه وقال له : ” لم يكفك بيع دينك، وأصبحت تتجرأ على اقتفاء أثري “، ثم هاجمه إلى أن أوصله إلى حيث كان القبطان، ولما انضاف بعض مراقبي القبطان لأرتور رودريكش هاجموه بدورهم فتراجع في اتجاه معبر عين القصب وتجاوزه، وفي الضفة الأخرى للنهر، كمن لعشرين خيالا كانوا قادمين في اتجاه المعبر نفسه بنية قتلهم في دلك الممر المائي الضيق على غرار ما قام به سابقا، ولما تأخروا في الوصول انحدر وطلب من ابني عمه أن يتبعاه وسار حتى وصل إلى مكان اتسع فيه مجرى الوادي، فصادف ما بين ثمانية وعشرة من رجال أصيلا، ولما وجد عبد الملك نفسه بينهم نادى على قريبيه وهاجمهم، فاستقبلوهم بعدة طعنات وأسقطوهم عن خيلهم، « ولاذ مرافقو عبد الملك بالفرار بعد مقتل قائدهم وابني عمه، وبعد أن لاحظوا أن رجالنا يلبسون الدروع والقبعات وشاهدوا القبطان يشير في اتجاه المعبر قصد نصفهم أعلى الوادي بنية الاختفاء في الأدغال، بينما توجه النصف الآخر نحو معبري بريروش والمسوس، وقد طاردهم القبطان بنفسه رفقة فرسانه الممتازين وارتور رودريكش فاستشهد سبعة من رجال عبد الملك وأسر واحد، واضطر المحتمون منهم بالأدغال إلى التخلي عن خيلهم والتوجه نحو قرية جبل الريح، حيث اختفوا تحت جنح الظلام، وانسحب القبطان وقصد المدينة ومعه الأسير والرؤوس السبعة الشهيدة، وبينها رأس عبد الملك، كما عادوا بثلاثة عشر فرسا، كان بعضها من النوع الأصيل، وقد احتفظ القبطان بفرس عبد الملك وبعثه للملك البرتغالي وقتها، « لا لجودته، ولكن لشهرة صاحبه، كان فرسا رماديا ضخما وصغير البطن، وبما أن عبد الملك كان رجلا قصير القامة ونحيفا وكان لا يحمل دروعا فإن الفرس الذي كان يتغذى أحسن تغذية لم يكن يشعر به، وقد اشترى دون جورج دو نورانيا الأسير، ونقله معه الى البرتغال، غير انه فر بعد مدة قصيرة وعاد الى جبل حبيب »[3].
لم يكن عبد الملك محاربا عابرا، ولم يكن يقيم لقاتله بالا ولا يخيفه استشهاده في المعارك، لكن أصيلا كانت شغوفة بعبد الملك وتقدر قيمته الحربية وتسعى لتحقيق شرف قتله، بل تجادلت حول من قام بقتله حيث يقول المؤلف: « لن أسمي من سبق الى طعن عبد الملك، لأنهم كانوا جميعا فرسانا ممتازين، وقد دار نقاش طويل بين دون يوحنا ودون جورد حول من سارع الى طعن عبد الملك قبل غيره، وإلى إسقاطه عن فرسه، لكنهما قنعا في نهاية المطاف بمزية حضور تلك الواقعة، ومساهمتهما في قتل أشهر رجال إفريقيا كلها في دلك الوقت»[4]، فرحم الله عبد الملك الذي قد قطعت رأسه من قبل الغاشم المعتدي بعد ست سنوات من كفاحه الحربي ضد العدو البرتغالي، « وهي تستحق بالتأكيد التكريم الكبير عوض أن تسلم للصبيان ليعبثوا بها »[5]، ومن جهة من المؤسف جدا أن يطوى تاريخ هدا الرجل ويمحى من ذاكرة الأجيال بجبل الحبيب اليوم، وهو أكثر « من ألحق أكبر الأضرار بالمسيحيين، ويشدد البعض على أنه مند أن عوض عبد الملك علي الرواس [ رحمه الله ] تمكن هو ومحاربو جبل حبيب الدين قد يصل عددهم الى عشرين خيالا من قتل وأسر أكثر من مائة خيال، وقد اعتاد التعريف بنفسه بوجوده في مقدمة الصفوف، وفضلا عن شجاعته كان رجلا فاضلا يحسن معاملة أسراه، ولم يستول قط على شيء من متاعهم، وكان يستضيفهم في بيته قبل أن يسلمهم الى المولى إبراهيم [ بشفشاون ] »[6].
وقد كان لاستشهاد عبد الملك أثر كبير على أصيلا وطنجة معا، حيث يقول المؤلف : « سعدنا كثيرا بمقتل عبد الملك، واستعدنا ثقتنا بأنفسنا، واعتقدنا أن الله بجانبنا، وبإمكانية تحقيق إنجاز أكبر»[7]، فقد أزيحت العقبة التي كان يمثلها عبد الملك، كما فرح القبطان أنطونيو دا سيلفيرا فرحا كبيرا لمقتل عبد الملك، واعتبر أن الله خصه برعايته بعد أن أراحه من محارب في مستوى مكر وشجاعة ﺫلك الخصم وجماعته، وقد استفادت المدينة من دلك الحدث لمدة سنة كاملة، فأصبح من الممكن توسيع دائرة المنطقة المحروسة، والخروج للصيد، مما وفر للمدينة كميات كبيرة من اللحم والعسل والحطب، كما أصبح القبطان يبعث بانتظام الحراس والمراقبين لحماية البادية واستغلالها باطمئنان، وقد مر شهر بكامله على هدا الترتيب، بل زاد عن هدا الأمر الذي لم يكن في صالح محاربي مسلمي جبل الحبيب أن أسرى المسلمين بأصيلا نظرا لمقتل عبد الملك وللمكانة التي يحظى بها الكرفطي المتنصر ديوك دا سيلفيرا لدى القبطان والنبلاء وسكان المدينة تسربت الغيرة الى نفوس بعضهم لتقديم خدماته للمحتل البرتغالي الغاشم ضدا على إخوانهم وعلى جبل الحبيب متى ما أمكن.
فعلى أي فبموت عبد الملك تنفست أصيلا وطنجة الصعداء، ولاسيما بعد قتل مجموعة أخرى من جبل حبيب في اليوم نفسه بطنجة كان يقودها المقدم الشهير علي بن يعيش، الذي استمر في إعلان الحرب علينا بعد موت عبد الملك، رغم أنه أسر دلك اليوم رفقة أربعة أو خمسة من مرافقيه، وبموت عبد الملك وأسر علي بن يعيش ارتاح المراقبون.
ولأهمية جبل الحبيب وجغرافيته في مواجهة برتغالي أصيلا وطنجة وإيقاف زحفهم نحو الداخل فسرعان ما توصل جبل حبيب بمحاربين آخرين، مما جعل الحرب تعود الى سابق عهدها ».
- مقتطف عن شباب عبد الملك :
كان عبد الملك في شبابه يرافق مقدمي جبل الحبيب الشجعان، وهم عزوز الوطاسي الصغير وعلي الحراش وتميم الحراش وعلي الرواس آخرهم، إلى أن أسر في طنجة في غارة ونقل على إثرها إلى البرتغال، وعلى الأغلب كان حين الأسر ضمن فرقة المقدم عزوز الوطاسي، وقد تمكن من الفرار في مركب وعاد إلى جبل الحبيب مسقط رأسه، ورافق بعد ﺫلك علي الرواس الذي آلت إليه قيادة الحركة الجهادية بجبل الحبيب بعد استشهاد قائده عزوز الوطاسي الصغير، كما عوضه بعد استشهاده وأصبح يقود مجموعته، وبرفقتها قاد الحروب السابقة الذكر، وأخرى لم يذكرها المؤلف إما نسيانا وإما اختصارا، ولاسيما تلك التي دارت بميدان طنجة، وقد اعترف أن أعمال عبد الملك فاقت ما قام به قائده الرواس.
- تذكير سريع ببعض صفات عبد الملك وخصاله : مظاهر شجاعته الكبيرة، وجرأته وكرمه.
………..
يتبع المقال الأخير
هوامش :
[1] – حوليات أصيلا، ( 1508 – 1535 ) مملكة فاس، من خلال شهادة برتغالي، تعريب الدكتور أحمد بوشرب، دار الثقافة، الطبعة الأولى 2007، ص 443
[2] – 439
[3] – 441
[4] – 441
[5] – 441
[6] – 440 – 441
[7] – 447