تقديم:
عُرف الأستاذ الأديب الدبلوماسي الشريف سيدي التهامي أفيلال التطواني بالتشبّث بالأصالة، والتّغنّي بالأمجاد، والحنين لمهوى الفؤاد، ويعدّ ديوانه (هديل) خير شاهد على ما نقول.
وندرج اليوم قصيدة له قالها في التغني بجبل الحبيب ووصف طبيعته الخلابة، وما إلى ذلك ممّا كان يشاهده في صغره لما كان يرتاد تلك الدّيار رفقة أسرته، وقد تفجّرت قريحته بهذه القصيدة، فصادفت هوى في نفس ابن عمه الأستاذ الشريف سيدي عبد السلام أفيلال، فقالم بتحليلها وبعث إلى الشاعر رسالة في ذلك، كما بعث إليه صورة تذكارية تتعلق بالبيت الذي كانت تعمره أسرة الشّاعر.
نصّ القصيدة:
-1- يا عَرينَ “الحبيبِ” ما أنداكا==أيُّ عِطرٍ مضمّخٍ روّاكا
-2- أيّ حُلمٍ من ليلة العُمر يسري==بربوع الشّمال يشدُو هواكا
-3- أنت تاجُ العرُوس في كلّ هامــ==ــةالأفْق وشُمُّ الجبال أضحتْ لواكا
-4- أنتَ ريْحانةُ الرّياض أريجاً==والقصور المحصّناتُ ذُراكا
-5- والرّوابي تتيهُ فيك اختيالاً==وهْيَ نشوى ترومُ مَرْأى بَهاكَا
-6- والمَراعي مُروجُ عُشْبٍ كَمَوجٍ==يتهادَى بسهل ريَّا ثَراكا
-7- والسَّواقي تَجْري بماءٍ زُلالٍ==نبعُها يرْتوي بفيض عطاكا
-8- والدّوالي قطوفها دانياتٌ==شهدها ينتشي بطِيبِ شَذاكا
-9- وطيورُ الوِهاد تشدو وتهفُو==للقاء “الحبيب” يومَ لقاكا
-10- “تِهْ دلالاً فأنتَ أهلٌ لذاكا”==وسليلُ “المشيشِ” دوْماً رعاكا
-11- مهْدَ قومي من عانقوا رايةَ الــ==ــمجد وشادوا فوقَ النّجومِ عُلاَكا
-12- لا تلُمني إذا نسجتُ قصيداً==فأنا “لاحبيبَ” أهوى سواكا
-رسالة من الشيد عبد السلام أفيلال، لابن عمه الشاعر الدبلوماسي سيدي التهامي بخصوص تحليل قصيدته:
طنجة في 26 ربيع الأول 1431هـ
13-03-2010م
بسم الله الرحمن الرحيم
ابن عمّنا الأجلّ، الأستاذ الأديب السيّد التهامي أفيلال
تحيّة سرمديّة، وبعد:
فمنعاً لكلّ بُعد، ورغبةً في كلّ قرب، أكتب إليكم هذه السّطور، راجياً أن تجدكم وذويكم في كامل العافية والهناء، فإن كنت قد تأخّرت في الاتّصال بكم فما ذلك إلاّ لانشغالات طارئة، والتزامات مكبّلة…
وأنا أُقلّب أوراقي المتراكمة، عثرتُ في أحد السّجلات على قصيدتكم العشرية -جبل حبيب- وكنت حريصاً عليها قراءة وتأمّلاً منذ أن صدرت في إحدى الصّحف الوطنيّة، وحينذاك قمتُ بدراستها وتحليلها، وقد لا تتّفق معي في بعض ما ترمي إليه بعض الأبيات، ولكن العمل ما دام نسبيّاً وذوقيّاً باعتباره أدبياً ونظرياً وإنسانياً، فالاختلاف في شأنه أمر بديهي…
زاد مسقط الرّأس- جبل حبيب-جمالاً وبهاءً وأمجاداً زيارة ملك البلاد محمد السّادس لها خلال شهر فبراير المنصرم، الشيء الذي فرض وجودها وعرّف بها على مستوى الوطن ككلّ، زارها لتدشين بعض المرافق بها، وبالمناسبة إليكم شيئين:
الأوّل: تحليل لقصيدة (جبل حبيب) كما أراه..
الثاني: صورة لقرية الفلالسة مسقط رأسي ووكر الآباء والأجداد، وختاماً تمنّياتي لك بمزيد من التّألّق والإبداع والعافية.
ابن عمّك: عبد الكريم
تحليل القصيدة:
تقديم:
زار الشّاعر الشّاب مع أفراد عائلته قرية الفلالسة بجبل حبيب أوائل الخمسينات من القرن الماضي، ونزلوا ضيوفاً مكرمين بمنزل المرحوم الحاج عبدالسلام أفيلال ومنزله يومئذ محلّ ترحاب وضيافة للأباعد فضلاً عن الأقارب..
وصادف أن كان موسم الرّبيع في عنفوانه، والطبيعة في أبهى حللها، والطّيور الصّادحة في منتهى نشوتها، والأنسام الربيعية الطّريّة تداعب النّفوس والذّوات، وبشاشة المضيفين وكرمهم فوق كلّ وصف:
بشاشة الوجه تغني عن القِرَى==فكيف إذا كان القِرى والوجه باسمُ
أمام هذا الفيض من كلّ شيء لم يسع الشاعر الفتى إلاّ يتدفّق شعراً: شعراً صادراً من قلب سعيد جدلان، فلانت هذه القصيدة الرائعة ترجماناً وفيّاً عن لواعج نفس (سعيدة) راضية…
تحليل:
يشمل التغنّي بمحاسن البَلَد وجماله أهمّ ما جاء في القصيدة: فالبلد في نظر الشاعر “مقام الحبيب” السّخيّ بعطاءاته الكثيرة، ينضح كلّ شيء فيه بالعطر والشّذى.
والبلد إلى جانب ذلك يداعب أحلامه، ويحرّك أشجانه وهواه، وهو يبدو كتاج في جبين عروس بين جبال شامخة، يستظلّ بلوائها، بالإضافة إلى كونه حديقة تعبق بالرّائحة الرّكيّة في موقع حباه الله به محصناً متيماً…وبالبلد أيضاً روابٍ تختال معجبَة بانتسابها إليه، وسواقٍ ينساب ماؤها الزّلال بعطاء منه لا ينضب.
وبه كذلك أعناب وفواكه قريبة المنال، وطيور تزقزق وتغرّد مشتاقة للقاء الحبيب الذي لا يكون إلاّ أنت…
فكلّ هذه العطايا تؤهّلك للتّيه والدّلال، فافعل إذن، فمثلك جدير بأن يفخر بكلّ هذه المزايا، ما دام القطب المولى عبد السلام بن مشيش يحضنك ويرعاك..
أيها العزيز: كنت مسقط رأس أجدادي ذوي الأمجاد والذكر الحسن، والصير الرائع…فإن جادت قريحتي الآن بشعر بمدحك فلا تعاتبني، فليس لي حبيب غيرك أهفو إليه..